أقرأ هذه الايام بشغف مذكرات وزير التجارة في عهد مايو ابراهيم منعم منصور . و أكثر ما يدهشك في المذكرات هو الصراحة و الشفافية في طرح المعلومات ، و ذكر كل التفاصيل العامة و الخاصة … نبهني إلى وجود الكتاب في المكتبات الأخ محمد الطيب ، و لحسن الحظ وجدته عند الفريشين ، رغم ارتفاع سعره إلا أنه حوى معلومات قيمة عن فترة مهمة من عمر الدولة السودانية … أكثر ما أثار فضولي في الجزء الأول هو استراحة الغيبيات و الخوارق ، هذه الجزئية وضحت أن الحكومات و معظم الوزراء على مر سنين الدولة السودانية يستعينون بالشيوخ و الفقرا و الفكيا و السحرة في إدارة حياتهم و إدارة الدولة أحيانا. و كذلك يتسمسرون لدى شيوخ الخليج ف يرسلون اليهم بالفكيا الجيدين . كنا نظن أن قادة الانقاذ هم فقط من يستخدم ذلك ، لكن بقراءة هذا الكتاب يتضح أن الكثير من المثقفين استعانوا به بصورة أو بأخرى .. ابتداءا من المحجوب مرورا بنميري و كذلك رؤساء الخليج و غيرهم … إن مكنني الزمان سأنقل بعضا مما سطره الوزير في مذكراته في هذه الصفحة … اليوم دعونا نتناول محمد أحمد المحجوب رئيس الوزراء الأسبق مع الشيخ الناجي . كتب المؤرخ : الشيخ الناجي وفد إلى النهود من غرب افريقيا من موريتانيا تقريبا و هو رجل صالح مستجاب الدعاء . من النوادر التي يحكيها الشيخ أحمد البدوي و هو صديق و زميل الشيخ الناجي في السياحة (و هي التعبد في الخلاء غير المأهول بالسكان ) . الشيخ أحمد البدوي من رجالات ضاحية ام درمان، و كان تاجر جلود مرموق ثم تحول إلى تجارة الدمورية بامر من شيخه الشيخ ناجي ، لأنه حذره من تجارة الجلود وانه سوف يفلس ، استجاب الشيخ أحمد البدوي لنصيحة زميله و صديقه و شيخه الناجي ، و جاءني في مصنع النسيج السوداني بتوصية من الشيخ ناجي ليعتمد ضمن تجار الدمورية و الدبلان. كان الشيخ البدوي على علاقة بالأستاذ محمد أحمد المحجوب المحامي وقتها ، و استمرت العلاقة حتى أصبح رئيسا للوزراء . و في مرة سأله المحجوب أن كان يعرف شيخا(هو أو غيره ) أن يكتب حجابا ضد الرصاص لجلالة الملك حسين بن طلال الهاشمي ، ليحميه من تهديدات الفلسطينين و محاولتهم لاغتياله، فهو صديق عزيز و حاكم عربي شجاع من الدوحة النبوية . اتجه أحمد البدوي إلى دار حمر إلى مدينة الخوي التي تقع بالقرب من النهود. و وصل إلى أخيه و شيخه الشيخ ناجي و قص عليه القصة . بعد تمنع استجاب الشيخ لطلبه و كتب الحجاب ، و قام بربطه على رجل خروف ثم جمل ثم ديك و لم يؤذي ايا منها الرصاص الذي وجه إليه من مسدس و من بندقية خرطوش ، سافر أحمد البدوي إلى الخرطوم و أكد نجاح المهمة . اتصل رئيس الوزراء محمد أحمد المحجوب بالشرف ناصر خال الملك حسين و أخبره بالنبأ السار. و في عمان تم اختبار (الحجاب ) ، هذه المرة بسلاح اقوى من النوع الذي يستخدمه الفلسطينيون. وذهبا لجلالة الملك الذي أصر على عدم اعتماد الاختبار إلا على شخصه لان الفلسطينين سوف يصورون سلاحهم إليه و ليس الى خروف أو جمل . و في شجاعة نادرة صوب رئيس الحرس مسدسه نحو جلالة الملك نحو قدمه اليسرى و أطلق ست رصاصات خمس منها أصابت القدم دون أن تحدث اذى و السادسة لم تنطلق . تسلم أحمد البدوي جائزته نصف مليون دينار ، طلب من الشريف ناصر خال الملك أن يشتري له بها ذهبا جنيهات و سبائك من بيروت و أن يضمن صعوده إلى الطائرة و يخطر المحجوب برقم الرحلة و تاريخ الوصول . على لسان أحمد البدوي و بحضور الشيخ ناجي صاحب الحجاب و الذي رفض استلام أي جزء من الثمن . اشترى البدوي عدد من المنازل في حي الثورة و تزوج مجددا. و اشترى منزلا في الخرطوم استأجره بنك باركليز … نواصل تلخيص المذكرات .