وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الامارات .. الشينة منكورة    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكريات وزير مع الشوام .. بقلم: شوقي بدري
نشر في سودانيل يوم 23 - 07 - 2016

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
اصدر الدكتور محمد بدوي مصطفي كتاب ذكريات وزير؟ والكتاب من القطع الصغير ويحتوي علي 135 صفحة . والمذكرات تخص العم بدوي مصطفي وزير التعليم في الديمقراطية الثانية . وهو الذي اسس الجامعة الاسلامية ، وساوى مرتب مدرس اللغة العربية بمدرس الحساب والانجليزية .ولكنه اوقف تجارته بعد استلام الاخوان السلطة. لان اساليبهم غير اسلامية . وهو اول نائب رئيس لتنظيم الاخوان في الاربعينات عندما كان العم ابراهيم المفتي الرئيس والاستاذ علي طالب الله السكرتير .
هنالك جزء من الكتاب استهواني كثيرا واعدت قرائته عدة مرات . وهذا الجزء يؤكد كيف كان السوداني او السودانية عنوانا للجودة ، الامانة ، الكرم والنجدة . لقد قال الملك فهد عندما طالب المصريون وبعض الجنسيات العربية التخلص من السودانيين . بعد ولوغ الترابي والكيزان في حرب الخليج الاولي ... وشتم السعوديين والكويتيين ... كيف نطرد من حمي عرضنا وخدمنا بتفان.
بعد تخرج العم بدوي مصطفي من كلية غردون عمل في حكومة السودان. ولكن ترك الوظيفة الحكومية التي كانت حلم الجميع . وبدا العمل التجاري . وعندما طلب منه السيد عبد الرحمن ان يتكلم في احتفال عرس الكورة . قابل صديقة الامين عبد الرحمن الذي كان صائغا ومن اشهر تجار امدرمان وعمل في ابشي في تشاد . وانتقل الي مدوغري في نايجيريا . ونصحه بأن يبتاع بكل ماله ذهبا وان يحضر الي مدوغري . واصاب ثروة كبيرة في التصدير الي اوربا. عمل العم بدوي مصطفي في تجارة الجلود التي واصل فيها الي ان اتي الكيزان فتوقف لان التجارة صارت لاتوافق امانته تدينه الشديد .
اقتباس
خديجة الشامية
كانت بصحبتي خديجة ...صبية لبنانية .. تزوجها احد الوطنيين بنيجريا وغشها مؤملا اياها بعيشة رغدة خليقة بجاه الملوك . زعم انه امير وانه من سلالة اشراف الهوسا وملأ راسها بعجايب القول وغرئب الحكايات . وعلم زميلي يوسف العوض بسفري فاخبر كامل دلالة ... رئيس الجالية اللبنانية .. بمديغري انني سوف اذهب الي السودان واكد انني القوي الامين للحفاظ علي كرامتها وشرفها الي ان يأذن الله بوصولها الي عشيرتها واهلها بالسودان آمنة سالمة . عندما اتت لتتعرف على ، لمحت فيها بداعة الجمال اللبناني ، واحسست انكسارها لذاك الامر كنت احس بكاء صامتا ، او قل صمتا باكيا ينبثق من عينيها اللتين لم تفقدا القهنا ووضاءتهما. لقد رجتها الحقيقة المؤلمة رجا عنيفا .. كما كنت اظن .. بيد انها كانت تظهر السرور وتخفي الحزن الذي لا يخفي . واذا بالصمت الدامع او الدموع الصامتة لا تزال تطرق ابواب عينيها الخلفية لكنها .. كما عرفت من بعد ..لم تتخذ الحزن شعارا. ورغم ما تعانيه من وطأة الحظ العاثر والنكد المذري الذي لم يفتأ يلازمها كظلها ساعتذاك .
كان يصحبني وعلى عاتقي ايضا ابناء حسين البنجار .. تاجر في ميدوغري .. اذ طلب مني ان اصطحبهم معي حتي اوصلهم لابن عمهم بمصر . كي يلتحقوا بالازهر الشريف . . اعطاني مصاريفهم ورسوم تسجيلهم بالازهر وهيأهم احسن تهيئة لبلوغ الضالة المنشودة بمصر المؤمنة . كان شقيقي الشيخ ساعتئذن لا يزال يالجنينة فطلبت منه ان يأخذ ابناء حسين النجار معه الي الابيض الي حين اقضي اموري هنا . فابقيت خديجة اللبنانية في رفقتي وامانتي . لن انسى انه كان بصحبتي زوج اخينا عوض . ، فقد اسقطت بعد آلام الطل عليها ولكني تركتها قبل القدوم الي ادري لتنال حظا من الراحة في مدينة ابشي . حينا التقيت اخي الشيخ واصدقاءة بالجنينة . كانوا ينزلون في بيت امير الجنينة عبد الرحمن ، وهو رجل سخي من قبيلة المساليت وله علينا اياد سابقة نعد منها ولا نعدها. كانت بالجنينة لحظتذاك محافظة انجليزية وكان للانجليز بها بيت للضيافة . ما ان اصفح الصبح الصبح عن شمس خريف غائمة حتي قام شقيقي الشيخ يجهز نفسه للسفر الي الابيض فاصطحب معه ابناء حسين النجار حينما ذهبت انا وخديجة الي ابشي لاحضر زوج عوض التي اسقطت واستسلمت للراحة مع اسرة من الاصدقاء هناك . ففي الطريق اليها حينما وصلت ادري قابلت ابا اتيم . رنا الي في ارتياح، وكانت عيناه تشتعلان بتساءلات خفية . رجعت من ابشي واحضرت زوج عوض معي وكانت قد استردت بعض قواها وصحتها وزايلتها اوجاع الالم . وصلت الجنينة بصحبتي هي وخديجة اللبنانية ، فتلقاني محمد ضابط الشرطة في نقطة الجنينة ، وطلب مني ان احضر اللبنانية لكي يراها المفتش . كانت خديجة في سن يافعة وفي ريعان ربيعها الثامن عشر . تبدت في ادبها وحشمتها ممشوقة القوام في فستان سنجابي بديع . تفحصها حضرة الضايط وقد ارسلت شعرها الاسود المخضب بالحناء حني مست اهدابه ظاهر الساقين ، رائقة عذبة وضيئة ينبعث من اردانها عرف ساحر . كان منظرها وهي تخطر امام نقطة الشرطة بخطوات متئدة مما يلفت الانظار حقا . كانت في عمر الازهار ، مكحولة العينين ، متوسطة القامة فارعة القوام وكانها ,, الفرع انشلخ ,, تلك الاسطورة التي التي سلبت عقول حبوباتنا بجمالها .. او غصن بانة في روضة غناء او راقصة في معبد قدسي ، انيقة الملبس الي حد الكمال ، تنتسب ببشرتها الوردية الي قبائل الشام فهي تشع بهاء ونور وتنم حركاتها عن دلال من لا يخفي جماله . عندما اتت في رفقتي خاطبني في اجلال واكبار قائلا .. والله انت يا بدوي محل ثقة لكي يعطوك اياها لتصحبها معك ، هذه الفاتنة ذات السحر الإلهي .
فالتفت محدثا خديجة اخفف عنها وطأة الذكرى واعيد ثقتها بنفسها مازحا ؟
الا تتزوجين هذا الضابط ياخديجة ؟ انظري اليه كيف حباه الله حظا مترفا من الوجاه ووسامة التقاسيم .
ضحكت حتي افترت شفتاها عن اسنان كالدر المنظوم قائلة
... يا عم بدوي ما تحكي هل حكي ! ثم صمتت في ابتسام وخجل .
وتذكرت مع مرور الايام محطات تلك الذكري الحالمة التي طالما آرقتني سيما حينا وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا .
رجعت بي عجلة الزمان فأحسست لحظت اذ كيف هزت محاسن خديجة الضابط فعصفت به الاشواق وهنا ،بيد انه لم يزايل وقاره واحترامه عندما رنى اليها وهي ماثلة امام ناظريه وكان لهذه الواقعة علي نفسي ايما اثر . انطبعت في مخيلني بختم مؤيد باليمين . كما كان لي حظ من الم خديجة وما الم بها من كرب . . واستحضر ثم استشف مشاعر الضابط وكيبف ملكت خديجة بسحرها لبه . وما زلت اري حلاوة الدهش في عينيه وكانهما تغنيان لحن جماع الخالد
اعلى الجمال تغار منا
ماذا علينا اذا نظرنا
هي نظرة تنسي الوقار
وتسعد الروح المعنى
دنياي انت وفرحتي
ومنى الفؤاد اذا تمنى
مكثت خديجة معنا مدة من الوقت ببيت ابن عمي مكي عبد الرحيم وكنت اكن له حب عميق وكان هو اهلا لهذا الحب ، وما عرفت عنه الا الكرم والحكمة والتقوي منذ عهدنا في الصغر بمدينة الابيض .
اما ابناء حسين النجار فآمنتهم لصديق لي كان في طريقه الي مصر .. وقلت له .. ها هي مصاريفهم وابن عمهم يدرس بالازهر فينبقي عليك ان تسلمهم اياه .. ووصيته بهم خيرا وتركتهم في امان الله . بيد ان احد هؤلاء الابناء ,, عبد الباسط ,, تخلف عنهم وعن الاختلاف عن الازهر ونشد مصرا علي البقاء بجانبي فصار احد ابنائي ، اذا بقي في بيتي بام درمان السنين الطوال حتي اكمل دراسته الثانوية وانتقل الي عمه الذي عمل في السفارة النايجيرية بطرابلس ليبيا .
كانت خديجة قد بدأت تستأنس باهلي في بيت ابن عمي مكي عبد الرحيم ، حتي بعث وجودها بينهم نشاطا وحماسة فاحبوها ايما حب واكرموا مقامها جل الاكرام . كنت اذكرها كل يوم انه ينبغي علي ان اوصلها الي معلوف لبناني من اهلها فكانت ترد علي مستنكرة برفض وتسترحم قائلة ,, يا عم بدوي بالله عليك خليني كمان شوية !
اشتريت لها ملابس عن اللبنانيين التجار بالخرطوم ووهبنها اياها بعد ان قضت اياما مستأنسة معنا ، اذعنت لمسيئة الله عندما قصدنا معلوف اللبناني وتلقانا بوجة ملأه التفاؤل وغشيه الحمد بوصولها سالمة بعد رحلة برفقة رجل لا يعرف عنه شيا عدى ما ذكره في حقه ,, كامل دلالة ,و رئيس الجالية اللبنانية بمدوغري ، فما كان منه الا ان استقبلني بجل المودة والامتنان قئلا .
اشكرك حق الشكر يا سيد بدوي انت كنت علي مستوي المسئولية وقمت بالواجب واكثر . للأسف هنالك بنت اخري لبنانية من جاليتنا بنيجيريا ضحك عليها اسود آخر من الوطنيين وتزوجها .
تحت باب الجمركي الحلبي
كنت احمل جلودا وانا في ذلك الوقت طليق زوجي الاولى . سافرت الي مصر بالباص لمدة يومين . ومنها الي حيفا بفلسطين ومن ثم الى لبنان . من هناك اقلنا قطار صغير لغاية حلب وبلغناها في الهزيع الاخير من الليل . عادة يأتي الاكسبريس من بغداد لغاية اسطانبول . وكان كذلك وكنت قد اشتريت بطاقة نوم في الدرجة الثانية . اذكر انه كان بصحبتي رفيق لبناني فركبنا سويا القطار وسار بنا القطار الى ان بلغنا حلب التي لا تبعد كثيرا عن الحدود التركية . في محطة القطار بحلب حضر موظف الجمرك السوري وصعد ليمر علي الركاب متفحصا منقبا بينهم عن ثروة او شئ يسترزق به . حام تارة ووقف تارة كالديدبان متوسطا الركاب وكان راسه يدور بحركة شبه ميكانيكية ذات اليمين وذات اليسار . كان رفيقي سعيد اللبناني يجالسني رجل مهذب ومحترم من اسرة كريمة ووكان في طريقه لزوجه زكية بمدينة اسطنبول .
سألني الجمركي قائلا..
شو عندك
اجبته قائلا..
عندي 160 دولار واتنين تركي ولبناني .
بدا يضحك فهم رفيقي سعيد قائلا له
عندو كمان لتر دو كريدي. ,, المقصود حوالة نقدية ... شوقي ,,
لم تكن التر دو كريدي بالشنطة . فسألني الجمركي السوري بلهجته الحلبية ثانية .
عنداااااك ؟
اجبته ..
نعم !
حضرهم لي . انا راجع لك فورا !
رجع الينا وطلب مني قائلا
تعال معاي المكتب !
فما كان مني الا ان زايلته في خطواته الثقيلة الماكرة التي طغي عليها لون العنجهية والتكبر . وعندما بلفنا مكتب الجمرك رأيت عسكري امام باب المكتب فقرأته السلام . ودخلنا المكتب . كانت تبدو علي الجمركي . روح المساومة والمكر وربما آثر ان يأخذ مما مع هذا الاسود شيئا يسد به الرمق . سألني.
بتحكي فرنساوي ؟
تجهم وجهي وامتعضت ايما امتعاض واجبته قائلا .
انت ما فاهم كلامي ده ؟ انا بتكلم معاك عربي .
ذكرني هذا الموقف بمعاملة السوريين واللبنانيين للوطنيين في بنيجيريا عندما كنت مقيما في ميدوغري . كانوا يحتقرونهم جل الاحتقار . قلت له .
ايه قصة بتحكي فرنساوي دي ؟ انا بتكلم معاك عربي . وانت بتقول لي بتحكي فرنساوي ؟
ما ان اكملت جملتي الاخيرة حتي انتفض من جلسته وقام بفتح الخزانة . اخرج منها دفترا صغيرا وكتب عليه ,, لتر دو كريدي . ووضعة امامه علي الطاولة . وقطع من الدفتر وصل استلام واعطاني اياه وقفل الخزانة وهم بالخروج قلت له وهو يتأهب للخروج
انا هسي ماشي وما عندي قروش وما عارف حاجة وانا راجل غريب في بلدك .
واصل سيره ولم ينبس وكأنني اخاطب دمنة او حائطا . خرجت من المكتب وانا ازايله الي الفناء المطل علىه . عند الخروج وجدت رفاقي اللبنانيين وقد تجهموا وغضبوا لما صار لي ولما بدا من الجمركي . قلت له حين بلغ خارج المكتب ووقف امام الحرس .
تعال يا اخي شوف اهلك هناك في السودان محترمين كيف وانا هسع غريب في هذا البلد . يعني اعمل شنو ؟
اجابني بتهكم واذدراء.
ترجع للمدير الكبير في حلب
وانا اقعد وين ؟
ماشغلني علي كل حال المدير حيحضر بعد يومين
واليومين ديل انا امشي وين يعني
عندي هوتيل الك
يا اخي بلاه عليك ... انا غريب في البلد دي وما عندي الا اللتر دو كريدي .
انت عايز تطردني من المصلحة يازلمي ؟ حيفتشوني
كان والعياذ بالله .. للرجل حظ وافر من البلادة وعدم الفهم فقلت له
يا اخي انا كاتب عليها البلدان كلها وانا ماشي اوربا فالمشكلة شنو يعني ؟
اجابني بالرفض وهو يرفع رأسه لفوق ومن ثم اعرض عني من غير اكتراث . كان القطار قد اوشك ان يغادر المحطة . في تلك اللحظة اتي اسماعيل المسئول عن عربة النوم، وقال لي .
يا اخي انس الجمركي ده راجل غشيم وانت من الافضل ان تذهب الي انقرة واستمر بالقطار طوالي الي اسطنبول . واذهب الي القنصلية الانجليزية . فالقنصل الانجليزي حيكتب خطابا للقنصل في حلب وحيجيبوا ليك اللتر دو كريدي .
كنت في تلك اللحظة في غاية الضيق والضجرفرميت الشنطة الكبيرة ومعها الشنطة الصغيرة التي بها اوراقي علي ارضية الرصيف فرجع اسماعيل ثانية في صبر وروح جميلة وحمل اغراضي ووضعها في عربة النوم . ومن ثم سلمت امري لله . وعدت الي مقعدي بالقطار . غادر القطار حلب متجها الي مدينة الاصلاحية . وهي آخر مدينة سورية علي الحدود التركية . هناك جاء موظفي الجمرك كالجن وفحصوني بعناية ووجدوا عينات الجلود في الشنطة الصغيرة فاخذوها معهم بدون تردد ولهول المصيبة اخذوا معهم ايضا بعض المعينات التي احضرتها معي للإستعانة بها في السفر الى اوربا . فقلت لهم
يا جماعة انا شايلها للعرض وبغرض التجارة.
فقالوا رافضين
تمشي تشيلها من هنيك ونحن حنسجلها في سجلات الجمرك بإستانبول, وهنيك حيسلموك الها .
لحسن حظي كان الهوتيل بالقرب من السفارةالانجليزية وبدأت في السعي والدأب علي لاسترجاع ما اخذته الجمارك مني بغير ذنب في حلب واصلاحية . . وفي انقرة تعرفت علي موظفي السفارة الانجليزية الذين كان اغلبيتهم من مالطا .
دأبت علي مواصلة ما اتيت من اجله الا وهو تخليص حوالتي النقدية ,, اللتر دو كريدي ,, وعينات الجلود التي استحوذ عليهاالجمرك علي الحدود التركية السورية . كتب القنصل الانجليزي حوالي اسبوع بعد حضوري رسالة للقنصل الانجليزي بحلب واعلمه بأنني رجل مستقيم ودغري كما انني غريب في هذا البلد . تكرم متفضلا في الكتاب ان يخبر حكومة سورية ان يرجعوا لي اللتر دو كريدي . كان القنصل رجلا بشوشا تفضل بود وترحاب قائلا لي .
خلاص لمن تخلص فلوسك دي انا بدينك حتي تستلم قروشك ,, اللتر دو كريدي ,,
وصار يسلفني كل اسبوع 100 ليرة تركية . استاءت نفسي من الانتظار الطويل والبقاء الممل . فحملت حالي وعدت بالقطار الي سوريا . خلل اليأس والفنوط بعد ان عدلت عن السفر الي اوربا لنزول البرد وتساقط الثلوج .
ذهبت الي القنصلية قابلت القنصل الانجليزي حيث علمت منه انه كان بمدينة الابيض قبل حضورة لسوريا . استضافني بحرارة وقدم لي القهوة وتبادل اطراف الحديث والونسة ومن ثم قام بسجل الفلوس في جوازي وختم عليها موثقا . شعرت بالاريحية وتنفست الصعداء . فذهبت علي التو الي البنك لاصرف بعض الفلوس التركية . وقفت في الصف انتظر دوري وكان سوريان يقفان امامي . كانا منهمكين في الحديث وحرارة الجدل والنكات الخاسرة والتهاتر, تبادر الي سمعي احدهما يقول للآخر.
والله انت العبيد بيحكوا احسن من حكيك هادا .
فالتفت الآخروقال لصاحبه مستنكرا
احرجتني مع العبد .
نظرت اليهما ولم انبس. ومثلا بهيئتهما ولي كانهما بنيجيريا يعاملان الوطنيين بمدينة ميدوغري. حزنت في قرارة نفسب وكنت اقول لهم في دخيلتي ... هلموا لتروا كيف نحترم اهلكم بالسودان .
نهاية اقتباس
سورية واغلب الدول العربية تأصل فيها الظلم وازلال البشر والتنكيل بهم . وهذا الداء ادخلته الانقاذ في السودان . بدات بواكيره في 1971 عندما استلم الامن والمخابرات المصرية السودان . ما حدث للعم بدوي مصطفي عشته في بعض مطارات الدول العربية . في الاردن فتح موظف الجمارك حقيبتي اليدوية ووجد بعض ,,النوت ,, ومعها مجموعة اقلام بألوان مختلفة عليها اسم شركتي النيل الاورق . فبدون استئذان اخذ لنفسه واثنين من رفاقه . والتوتة كانت هدية نقدما لضيوفنا وزوارنا مع الولاعات والاقلام . ولكن اخذها بتلك الطرية جعلني علي اقتناع كاما بأنن لن اضع رجلي في الاردن وكنت وقتها عابرا فقط قبل اكثر من 30 عاما .
في السعودية في مطار الدمام وجدة رأيت اسوأ المعاملة من موظفي المطار نحوي ونحو المعتمرات الآسيويات اللائي كانوا يدفعونهن كالحيوانات .
في الثمانينات مر اخي عبد الله فرح طبب الله ثراه بظروف غير انسانية وهو يعبر سوريا بسيارة الي الامارات التي اعطته جوازها . الدكتور صلاح السنوسي ابن النهود المقيم في براغ منذ الستيبنات وابنه طبيب شيكي كذالك حضر لنا في السويد 1982 بعد ان اشتري سيارة مرسيدس سوداء 280 اس اي. وهو في طريقه لمكان عمله في الكويت . اوقفه رجال الجمارك وطلبوا منه الانتظار الي الصبح . وفي الليل اختفت السيارة . وكلما يسأل عن السيارة المرسيدس السوداء 280 اس اي يضحك الجميع لانها كانت سيارة الوزراء فقط في سوريا . ولم ترجع السيارة الي اليوم .
ارجو ملاحظة اهتمام القنصل البريطاني وفي حلب وفي اسطانبول بمشكلة العم بدوي مصطفي . ولنقارنها بتصرفات الكيزان في سفارات الدولة الرسالية اليوم . العم بدوي مصطفي كان يحضر باستمرار لمعرض الجلود في فرانفورت قلب اوربا . وفي سنة 1973 حضر لزيارة ابنه ابي بكر رفيق الدرب. وكان مصحوبا بالاخ البساطي الرحمة للجميع واخوه الاصغر صديقي محجوب الضب لاعب المريخ . وكانت لي مواجهة مع الاخ البساطي بخصوصسعر جلد خروف يخص صديقي الجد من زريبة الكاشف اعدنا ذكراها وكنت وقتها في الثنية عشر . وكانت معما السيدة زوجته الاستاذة عازة الريح العيدروس. . وهو من حملة الشهادات العليا ومؤلفة الكتاب الرائع امدرمان خلال الحقب والعصور . وكان العم بدوي مصطفي يتعامل مع مصنع شيفلينقه السويدي للجلود .
اذا لم تحدث معجزة فسيتواصل الظلم والفساد والاسنهتار بالبشر . والعنصرية متجزرة في الدول العربيىة خاصة بين العرب انفسهم . ولقد اصاب اهل شمال السودا جزء من لوثة العنصرية .
اتي كثير من الغجر السوريين من مدينة حلب او محيطها . وكانوا يبسكنون في العراء او في خيم . وكانوا يقولون عن انفسهم . انا حلبي... وصار السودانيون يطلقون اسم الحلبي علي كل شخص فاتح اللون . وكان لهم حي كامل في امدرمان بين السوق وحي العرب . ولهم زعيمان وهما ابو قلمان وابو زعمان . وزعيمة تقود البنات والنساء وتقسمهن علي عدة مواقع للشحذة والرقص والسرقة . وطبعا كان هنالك التجار من حلب من غير الغجر . وصار يقال ان اي بلد المفتش انجليزي والمامور مصري والتاجر شامي ... هذا يعني انك في السودان .
في روايات الكاتب البريطاني سومرت موم ، كان يصور شخصية التاجر الشامي بيوسف الذي يماثل شيلوك اليهودي في مسرحية شكسبير تاجر البندقية المشهورة . وكان يوسف الشامي مثالا للفساد والرشوة في مستعمرات غرب افريقيا . والحروب التي قضت علي الاخضر واليابس في لايبيريا وسيراليون اشعلها الشوام .
الاستاذ عمر محمد عبد الله الكارب كتب في كتابة القيم والذي يجب ان يقرأه كل سوداني مشروع الجزيرة ورحلة عمر، تطرق الى سيطرة الشوام علي مشروع الجزيرة وفرضوا الرشوة . وكانوا يتقاضون اضعاف ما يتقاضاه السوداني .اشارالي الاستعانة ببعض الفتيات السوريات خاصة الغجريات في ترويض المسئولين .
لا يزال الاتراك يحملون كثيرا من الحقد علي العرب ويقولون ان في غاية السوءلانهم طعنوهم من الخلف وغدروا بهم وحاربوا مع الكفار ,, قاؤور ,, ويقصدون الانجليز والفرنسسين في الحرب العالمية الاولي . ولن يثق الاتراك ابدا بالعرب وسيفضلون التعاون من اسرائيل قبل العرب . وان كان اوردغان قد تقارب مع الكيزان العرب . وتعرض الشوام لفظائع. واستمرت المنطقة في حالة غليان وتقلبات . ومثل ما يحدث اليوم تدفق الشوام الي كل انحاء العالم ووجدوا احسن الفرص في السودان . معلوف الذي اوصل اليه العم بدوي مصطفي البنت خديجة السورية . اتى ككل السوريين معدما فقيرا , وصار مثل قرنفلي وقطان ومرهج وكافوري الخ من الاثرياء . ولمعلوف مصنع للمربى والعصير الذي تواجد في كل السودان وهو عبارة عن بودرة البرتقال التي يضاف اليها السكر المركز وبعض الماء. وكانت ما يأخذه الانسان للمريض في المستشفيات .
فبل عقد من الزمن ذهبت الي مفهي فاروق الكردي العراقي وهو شخص متعلم . وكان معه عربي بشنب مميز . وامسك العربي عن الكلام فجأة . وكان العربي ابو فؤاد من الاردن في زيارة الي السودان قبلها بايام. ويبدوا انه كعادة العرب يسئ الي السودان والسودانيين . فاراد ان يقلل من وطأة كلامه . فقال بس انا كنت بقول انه ما عندكم حاجة في السودان . فقلت له عندنا الوداك السودان . فقال بترفع... بس انا كنت في زيارة اختي وزوجها ... قلت ..عندنا اللي ودا اختك وجوزها ... فقال لا بس دول عندهم مصلحة.. قلت مصلحة جابوها معاهم في شنطهم ولا عملوها في السودان ؟؟ فقال عملوها في السودان بس جوزها راجل كسيب وشاطر ؟ والرد عليه ... ليه ما مارس الشطارة وكسب في الاردن ؟ وعرفت فيما بعد انه يعمل علي تهريب المهاجرين ولم ينجح في السودان . وكان يحسب انه سيقابل بالخضوع والانكسار في السودان .
ذكر الاستاذ عبد الله رجب صاحب ورئيس تحرير جريدة الصراحة . ان جارهم في سنجة اليهودي المصري ,, منسي ,, مات وترك اسرته واطفاله الصغار وكان له منزلا مختلفا عن بقية المنازل . واجتمع اعيان المدينة . وصفوا اعماله وباعوا دكانه ، منزله واغراضه . وسلموا الفلوس لزوجته . وعينوا احد السكان الموثوق بهم . وأوصل الاسرة الي اهلها في الاسكندرية . وتقول لي الطيارة ما فيها بوري .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.