«إنه وفي ضوء حقيقة أن طلب الاتحاد الإفريقي الخاص بإرجاء توجيه الاتهام للرئيس عمر البشير المقدم لمجلس الأمن الدولي لم يتخذ أي إجراء بشأنه فإن دول الاتحاد الإفريقي قررت عدم التعاون مع محكمة الجنايات بموجب المادة (89) من القانون الأساسي للمحكمة الجنائية المتعلقة بالحصانات». بهذا القرار القوي ختم قادة الاتحاد الإفريقي قمتهم الثانية عشرة التي انعقدت بمدينة سرت الليبية. وبهذه القوة وعلى الرغم من أن القمة انعقدت وسط مشكلات متفاقمة تعاني منها دول عديدة، وعلى الرغم من أن أكثر من ثلاثين دولة موقعة على اتفاق روما، ختم القادة الأفارقة قمتهم بموقف متضامن مع السودان وصل في سقفه الأعلى مقاطعة محكمة الجنايات الدولية وعدم التعاون معها. القرار، وإن جاء متمشياً مع عدالة الموقف السوداني كان أيضاً نتيجة ردة فعل قوية سببها الاستفزاز الناجم عن تجاهل مجلس الأمن الدولي لطلب الاتحاد الإفريقي الخاص بتأجيل الاتهام الموجه للرئيس البشير من قبل محكمة الجنايات الدولية. ويرى مراقبون أن الميزان الدقيق بين اعتبارات تحقيق السلام في دارفور من جانب، ومساءلة المسؤولين عن انتهاكات حدثت في دارفور من جانب آخر، هو الذي دفع بالقادة الأفارقة الى تجديد المطالبة بتعليق الملاحقة. وحمل البيان الختامي للقمة أسف الاتحاد الإفريقي العميق لتجاهل طلبه الذي سبق وأن دفع به لمجلس الأمن الدولي بتأجيل توقيف رئيس إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الذي مازال في سدة الحكم. السفير علي يوسف مدير إدارة العلاقات بوزارة الخارجية وصف القرار بالجيد ويرى أن الموقف الإفريقي تقوَّى أكثر عن العام الماضي الذي طالب الاتحاد الإفريقي بتجميد القرار لمدة عام بهدف منح الفرص الكاملة أمام مبادرات التسوية السلمية لدارفور. وكما هو معلوم فإن الاتحاد الإفريقي أول من تدخل لحل الأزمة وكل القوات التي دخلت دارفور أولاً كانت إفريقية وكان القادة الأفارقة مهتمين بمعالجة ملف دارفور قبل أن يحيله مجلس الأمن الدولي الى محكمة الجنايات الدولية. ولعل عدم الاستجابة للمطلب الإفريقي من قبل مجلس الأمن قاد القادة الى تصعيد موقفهم بالتأكيد على عدم التجاوب مع قرار محكمة الجنايات الدولية. هذا الموقف تساوت فيه كل الدول الأعضاء وغير الأعضاء في محكمة الجنايات الدولية. الحكومة على لسان السفير علي يوسف وصفت الموقف بالإيجابي، وأنه يؤكد عدالة الموقف السوداني على الرغم من أن المطلب السوداني هو الإلغاء النهائي وليس التعليق. وأنه لابد من إعطاء السلام الأسبقية القصوى لأنه لا يمكن أن تتحقق دون التوصل الى السلام أولاً. السفير يوسف يرى أيضاً أن النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية نفسها يحول دون تدخلها إلا إذا عجز النظام القضائي للدولة العضو ولم تتوافر الرغبة لدى الحكومة المعنية في معالجة المشكل، وهذا ما لا ينطبق على الحالة في السودان حيث يتمتع بقضاء نزيه وعادل وتوجد رغبة حقيقية من قبل الحكومة لتحقيق السلام بل قطعت في سبيل تحقيق السلام أشواطاً بعيدة. مراقبون يرون أن الخطوة الإفريقية يجب أن تدفع بتكثيف الجهود لتحقيق السلام عبر مبادرة الدوحة المطروحة حالياً التي يسندها الدعم الإفريقي والأممي، وذلك لأن تحقيق السلام يمثل المخرج الأساسي لحل عادل ومقبول تشارك فيه كل الأطراف وتوقع تحركات كثيفة من قبل الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية لتوصيل الرسالة الى مجلس الأمن الدولي خلال الفترة المقبلة. ويأمل مراقبون في أن يأخذ مجلس الأمن الدولي القرار الإفريقي بالجدية اللازمة. مصادر عليمة لم تستبعد إبداء مرونة من قبل الإدارة الأمريكية تجاه ملف الجنائية نتيجة بوادر التقارب في المواقف بين الخرطوم وواشنطن الذي بدأ أخيراً عبر استئناف الحوار الثنائي، بجانب أن الولاياتالمتحدة ليس لديها حماس تجاه محكمة الجنايات الدولية باعتبار أنها ليست عضواَ فيها وتسعى للحيلولة دون توجيه أي اتهامات لمواطنين أمريكيين سجلهم حافل بانتهاكات إنسانية كبيرة أُرتكبت في العراق وأفغانستان. السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية الأستاذ عماد سيد أحمد قال إن السودان حقق مكاسب كثيرة وجملة من مطلوبات الملفات الخاصة به سواء المتعلقة باتهام محكمة الجنايات الداحض أو فيما يتعلق بإمكانية إسهامه بحكم موارده الضخمة في حل أزمة الغذاء العالمي. وقال سيد أحمد ل «الرأي العام» إن القمة أجمعت على استهجان الاتهام الموجه للبشير والاستخفاف بالرأي الإفريقي من قبل مجلس الأمن الدولي، ولعب الوفد الحكومي دوراً ملموساً بتحركاته وسط الوفود الإفريقية لتوضيح وجهة نظر الحكومة وتلمس آراء القادة الأفارقة طلبوا من مجلس الأمن بالتعامل معهم في كل ما يتعلق بالشأن الإفريقي وأنهم -أي الأفارقة- ليسوا ناقصي قدرات قانونية. وقد لعبت دول نافذة كالجزائر، وجنوب إفريقيا، وإفريقيا الوسطى دوراً إيجابياً تجاه مواقف السودان وحتى تشاد التي يشوب علاقاتها بعض التوتر بدأت أخف تشدداً من ذي قبل تجاه السودان. القمة تطرقت ضمن أجندتها الرئيسية الى أزمة الغذاء العالمي وكيفية معالجتها وبما أن السودان يمتلك موارد هائلة كانت كلمته مسموعة وبارزة وأنه مع كل ما يتسق وقدرات القارة في استغلال مواردها من أجل المساهمة في حل الأزمة على مستوى القارة والعالم. وحظي ملف سلطة الاتحاد الإفريقي باهتمام كبير ونال حيزاً وافراً من النقاش بين القادة وتمثل السلطة التنفيذية الإفريقية المصالح المشتركة للدول الأعضاء للتحدث باسمهم في المحافل الدولية ويترتب أن يكون لها رئيس ونائب رئيس وأمين عام ودفاع مشترك كما ستقام لها أمانات عامة تحل محل اللجان الحالية التابعة للاتحاد الإفريقي. وبحسب مراقبين فإن القذافي دفع بقوة من أجل منح الاتحاد سلطات إقليمية ودفاعية وقد وجدت المقترحات معارضة قوية من بعض الدول خلال الجلسات المغلقة، توصل القادة عقبها الى صيغة توافقية ساندها السودان لإيمانه التام بأن كل ما يجد التوافق في القارة يجب الوقوف الى جانبه. أما ملف النزاعات فقد لقي هو الآخر اهتماماً كبيراً في مناقشات القمة خاصة النزاع في الصومال وموريتانيا. ودعت القمة الى أهمية الإسراع في نشر قوات أممية لحفظ السلام بالصومال ودعم الحكومة القائمة. وقد أبدى السودان استعداده للمساهمة في حل النزاع الصومالي باعتبار أنه عانى من النزاعات وتوافرت لديه الخبرة في حلها. وكان لمشاركة أمير قطر دور إيجابي في إنجاح القمة خاصة وأن قطر تسهم بفعالية في حل نزاعات وهموم القارة وتعهدت قطر بدعم ومساعدة مشروعات التنمية الإفريقية إذا توافر الأمن والاستقرار. المكاسب التي حققها السودان في القمة ستدعم مواقفه الثابتة والرافضة لقرار مدعي لاهاي وتشييعه الى مثواه الأخير كما سبق أن صرح بذلك مساعد رئيس الجمهورية.