السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    لجنة الانضباط باتحاد الكرة السوداني تصدم المريخ الخرطوم    اللواء/ جدو إسحق فضل عشر في رثاء الشهيد البطل العميد/ الطاهر عرجة ود حقار    معتز: أهمية التضامن والتعاون بين الدول الشقيقة في مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة الجنوبية بالمملكة العربية السعودية    الأولمبية تنعي الأعيسر أحد أبرز نجوم كرة السلة بالسودان    السودان..قرار مهم بشأن المدخلات الزراعية بأمر"بادي"    خلال"48″ ساعة..رؤية أميركية لإنهاء الحرب في السودان    بعد إعلان النفير العام.. العشائر العربية في سوريا: يحرم علينا شرب القهوة    لا خيار ياعطاف .. وسجن ..سجن ..غرامة .. غرامة    عثمان ميرغني يكتب: سلام السودان وازدواجية المعايير!    اليوم الدولي لنيلسون مانديلا    يا أقمار لاانكسرت الزجاجة ولاأندلق الزيت!! اللقب لايزال تحت اقدامكم فماذا أنتم فاعلون؟    الخرطوم.."العجب" يكشف عن التحديّ الكبير بعد الضرر الجسيم    تسنيم الريدي تكتب: رجال العمل الإغاثي في السودان يواجهون التحديات لدعم النازحين!    الرئيس البرهان و"إفراغ الدائرة" (1/2)    رمضان يغادر الى بورتسودان    إجراء مراسم قرعة دوري النخبة لأندية الدرجة الثانية بالقضارف    بهذه الحركة لن يتمكن الرجل ووزرائه القادمين من تقديم ما ظنه السودانيون أملاً    الإستخبارات الأوكرانية تستعد لمعركة في أفريقيا    محطة المقرن تعود للعمل.. بشرى لسكان الخرطوم وأم درمان    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    لجنة أمن ولاية الخرطوم تؤكد دعمها للخطة التفصيلية لضبط الوجود الأجنبي بولاية الخرطوم    هل يعود انقطاع الكهرباء في مصر؟    الحكومة الإسبانية تدخل على خط أزمة احتفال يامال بعيد ميلاده    الحسابات الجزافية    شاهد بالصور والفيديو.. "الزعيم" يتمسك بصدارة الدوري السوداني ويقترب من حسم اللقب بفوز هام على "الأنيق"    بريطانيا تُغلق الباب ببطء.. الطريق إلى الجنسية أصبح أطول وأقسى    المباحث الجنائية تضبط عربة بوكس تويوتا وسلاح ناري وتلقي القبض على المتهم    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    شاهد بالفيديو.. الحسناء "منوش" تواصل لفت أنظار جمهور مواقع التواصل بالسودان بتفاعلها من إحدى أغنيات الفنان حسين الصادق    إدارة ترامب ترحّل مهاجرين إلى إسواتيني.. آخر ملكية في أفريقيا    شاهد بالفيديو.. في لقطة مؤثرة.. لاعب المريخ يجهش بالبكاء ويفشل في إكمال حديثه عقب تسجيله أغلى هدف لفريقه    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة ندى القلعة تبدي إعجابها بطفل صغير اقتحم المسرح وقدم فواصل من الرقص على طريقة "الصقرية"    شاهد بالصور.. "البندول" يفاجئ جمهوره ويستعد لإكمال مراسم زواجه ب(الحناء) والفنانة إيمان الشريف أول المهنئين له: (سر بالي سيرنو سار الدهب الغالي سيرنو)    عطل فني يتسبب في انقطاع جزئي للتيار الكهربائي ببورتسودان    المجلس القومي للأدوية والسموم يبيد ادوية منتهية الصلاحية بكسلا    الخرطوم..خبر حزين لمواطني بحري    بعد خسائر بملايين الدولارات.. "شارع الحرية" بالخرطوم يستعيد نشاطه    أقوى 5 جيوش بحرية على مر الزمان؟    الأزرق… وين ضحكتك؟! و كيف روّضتك؟    عاجل..اندلاع حريق جديد في مصر    المباحث الجنائية المركزية ولاية الخرطوم تكشف غموض جريمة مقتل مواطن ونهب هاتفه بالحارة 60 وتوقف المتهم    5 طرق بسيطة لاكتشاف تطبيقات التجسس على جهازك    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    ((مختار القلع يعطر أماسي الوطن بالدرر الغوالي)) – غنى للعودة وتحرير مدني وغنى لاحفاد مهيرة – الدوحة الوعد الآتي (كتب/ يعقوب حاج أدم)    3 طرق لإخفاء تحركاتك وخصوصياتك عن "غوغل"    أم درمان.. سيولة أمنية وحوادث عنف بواسطة عصابات    تدشين حملة التطعيم ضد الكوليرا بمحلية سنار    هبة المهندس مذيعة من زمن الندى صبر على الابتلاء وعزة في المحن    المباحث الجنائية بولاية الخرطوم تضبط متهمين إثنين يقودان دراجة نارية وبحوزتهما أسلحة نارية    نانسي عجاج: لستُ من ينزوي في الملماتِ.. وللشعب دَينٌ عليّ    بشرط واحد".. فوائد مذهلة للقهوة السوداء    بالفيديو.. شاهد لحظات قطع "الرحط" بين عريس سوداني وعروسته.. تعرف على تفاصيل العادة السودانية القديمة!!!    عَودة شريف    مأساة في أمدرمان.. تفاصيل فاجعة مؤلمة    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عثمان ميرغني يكتب الخرطوم.. أجواء احتقان ومخاوف من انفلات!
نشر في النيلين يوم 12 - 06 - 2021

أجواء توتر شديد مهما حاولت السلطات والجهات المعنية نفيه. وهناك أيضاً مخاوف من انفجار الوضع إذا لم تعالج أسباب التوتر، لأن سياسة الاحتواء والتهدئة ليست سوى مسكنات لم تعد تجدي في وقت يتزايد فيه القلق بين الناس مع الانفلات الأمني الواضح، وانتشار السلاح في ظل وجود قوات من الحركات المسلحة المتعددة في العاصمة. أخطر ما في هذا الوضع هو التوتر المكتوم بين الجيش وقوات الدعم السريع الذي خرج إلى العلن أخيراً بعد خطاب الفريق محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي) قائد هذه القوات ونائب رئيس مجلس السيادة الحالي.
حميدتي بدا غاضباً في خطابه الذي ألقاه قبل أيام وسعى فيه لتوريط أكبر قيادات الجيش ملقياً عليها اللوم في مجزرة فض الاعتصام، كما سعى في الوقت نفسه لمغازلة الناس بحديثه عن حماية الثورة ورفض التدخل لحسم المظاهرات والاحتجاجات في أوج ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، وتصوير قواته بأنها تُستغل من أطراف أخرى تريد استخدامها ثم رميها. وعزف أيضاً على ورقة التهميش مهاجماً بعض المثقفين وجهات أخرى لم يسمها قائلاً إنه يتعرض لحملات منظمة منهم لأنه يجلس على مقعد النائب الأول لرئيس مجلس السيادة وهم يرون أنه «مخصص لناس معينين».
الخطاب لمس عدة قضايا متفجرة وأوضح حجم الاحتقان، وبرر في الوقت ذاته مخاوف الكثيرين من أن الأمور تحتاج إلى معالجات جذرية لا إلى مسكنات يبدو واضحاً أنها لم تعد فعالة. فالتوتر بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لم يعد أمره خافياً على الناس، وهو على رأس المخاوف الأمنية، على الرغم من بيانين للجيش والدعم السريع لنفي وجوده. الأمر الآخر أن الخطاب لعب على ورقة «التهميش» وأشار بشكل مبطن إلى ما يردده علناً بعض منسوبي حركات دارفور عن سيطرة الشماليين على الحكم وما يثار في هذه الأحاديث من كلام عن تحالفات جديدة بين هذه الحركات لتغيير الأوضاع والسيطرة على الحكم ولو بالسلاح.
المتابعون لأوضاع السودان لا بد أن يكونوا اطلعوا على تقارير تحدث فيها دبلوماسيون ومحللون عن قلقهم من التوترات الكامنة وعدم استبعادهم إمكانية وقوع مواجهات وأحداث عنف. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى تقرير فريق الخبراء الدولي المعني بالسودان الذي رفع لمجلس الأمن الدول في 14 يناير (كانون الثاني) 2020 وجاء فيه نصاً في الصفحة 17 وتحت عنوان التقارب بين الفريق أول حميدتي والجماعات المسلحة الدارفورية: «وفقاً لما ذكره قادة مختلفون للمتمردين أجرى الفريق مقابلات معهم، وكجزء من مناقشات السلام في جوبا وأماكن أخرى، حاول الفريق أول حميدتي ورفاقه اجتذاب الجماعات المسلحة الدارفورية وغيرهم من القادة الدارفوريين ليكونوا في صفهم من خلال استخدام خطاب يركز على المصلحة المشتركة الدارفورية. وفي هذا الخطاب، ينبغي على جميع أهالي دارفور، العرب وغير العرب، والفريق أول حميدتي والمتمردون، أن يتحدوا لتولي الحكم في الخرطوم ضد نخب الجلابة التي هيمنت على السودان منذ الاستقلال».
هذا الكلام صار يتردد اليوم في مجالس السودانيين، لا سيما بعد الشحن الجهوي والعنصري الذي يسمع في خطابات وفي وسائل التواصل الاجتماعي من بعض المنتمين للحركات المسلحة الذين ينفخون في ما يصفونه بسيطرة أهل الشمال والوسط وحكم الجلابة، ويلوّح بعضهم بالسلاح لإخضاع الشمال والسيطرة على الحكم. بالتالي كان لا بد أن تبرز مخاوف وتحذيرات من فتن عنصرية تؤدي إلى مواجهات مسلحة لا يحمد عقباها ولا يتمناها عاقل.
ما يزيد في خطورة الوضع أن المرحلة الانتقالية الراهنة تواجه الكثير من الصعاب التي يمكن أن تستغلها أطراف ساعية لتقويض الحكومة أو إثارة العنف. كما أن دخول قوات من الحركات المسلحة إلى الخرطوم بعد توقيع اتفاقية السلام في جوبا صب المزيد من الزيت في نيران القلق والتوتر وجعل الناس يرفعون أصواتهم مطالبين بإخراج هذه القوات من المناطق السكنية وإلى خارج العاصمة.
المشكلة أن هناك تأخيراً في تنفيذ الترتيبات الأمنية التي نصت عليها اتفاقية السلام وبالتحديد في الشق المتعلق بحل الحركات المسلحة واستيعاب قواتها في القوات النظامية. هذه العملية يفترض أن تحدث معها إعادة هيكلة الجيش التي نصت عليها الوثيقة الدستورية أيضاً، وهو أمر ربما لا تريده بعض القيادات العسكرية الطامحة لاستمرار دورها ودور الجيش في السياسة. التأخير في استكمال الترتيبات الأمنية يعزوه البعض إلى ثلاثة أسباب؛ الأول مالي بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة، والثاني عسكري على أساس أن استيعاب قوات الحركات في القوات النظامية عملية تحدث بشكل متدرج ووفق منهجية مدروسة لا تخل بنظم الجيش وبنيانه، والثالث سياسي ويتعلق باستكمال محادثات السلام مع الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، حتى تحدث عملية هيكلة القوات المسلحة مرة واحدة.
لكن هذا التأخير له تبعاته ومنها استمرار وجود الكثير من السلاح خارج منظومة القوات المسلحة بكل ما يعنيه ذلك من مخاطر أمنية، ومنها وجود قوات من الحركات المسلحة في العاصمة أو حولها. وترتبط بهذا الأمر مشكلة أخرى هي الأكبر وربما الأخطر، وهي وضع قوات الدعم السريع. فقوات الحركات المسلحة الأخرى تنظر إلى وضع قوات الدعم السريع وتريد مثله، وتقول إنها لكي تقبل بحل نفسها ودمج قواتها في القوات النظامية لا بد أن يطبق الأمر ذاته مع الدعم السريع خصمها السابق وإن حدث تحالف مصلحي وقتي معه. كما أنها تتحجج في موضوع سحب قواتها من العاصمة بأن الأمر لا ينبغي أن يطبق عليها فقط في حين أن قوات الدعم السريع موجودة بكثافة في الخرطوم، وذلك في ظل ما تردد عن أن حميدتي رفض طلباً من قيادة الجيش لسحب قواته إلى خارج العاصمة.
الحقيقة أن وضع قوات الدعم السريع لا بد من معالجته وتصحيحه بطريقة منهجية حتى لا يقود إلى اصطدام مع الجيش يقول كثيرون إنه قد يحدث نتيجة أي خطأ أو بسبب التوتر المتصاعد. فالعلاقة الراهنة ضبابية في أحسن الأحوال وتركها كهذا لا يستقيم عقلاً لا سيما إذا ظهرت مطامح هنا أو هناك، ونشأت تحالفات عسكرية جديدة بهدف الانقضاض على السلطة، أو حدثت احتكاكات تهدد السودان بالفوضى وبالعنف الذي شهدناه في كل الدول التي وجدت فيها ميليشيات وتعددت فيها الأطراف حاملة السلاح خارج القوات المسلحة النظامية.
لماذا نقول إن العلاقة الراهنة ضبابية؟
مراراً وتكراراً يقال للناس إن قوات الدعم السريع تتبع للقوات المسلحة وتأتمر بأوامرها وأوامر قائدها العام، وأنها ليست ميليشيا وإنما قوة نظامية أنشئت بقرار رسمي وتعمل بناء على قانون أجازه المجلس التشريعي لنظام الفريق المخلوع عمر البشير. هذا الكلام فيه عدة ثغرات وإشكاليات يعرفها أكثر الناس.
أولاً كيف يقال عن جهة إنها تابعة للقوات المسلحة في حين أنها تعمل باستقلالية تامة عبر قيادتها وهياكلها الخاصة، تقوم بالتجنيد والتدريب وشراء السلاح بشكل منفرد، وتسيطر على ثروات من الذهب والنحاس تقوم ببيعها وتوريد العائد لحساباتها. ثانياً، يثير عسكريون إشكالية عدم وجود تنظيم واضح لهذه التبعية المفترضة ولآليات عملها وللتنسيق بين القوتين وكيفية تفويض السلطات عبر الرتب العليا.
ثالثاً أن هذه القوات أنشأها النظام السابق كقوة حماية له ولاستخدامها في حرب دارفور، ثم قنن لها بقانون فصل خصيصاً وأجازه المجلس التشريعي القائم آنذاك. والآن بعد سقوط ذلك النظام يصبح منطقياً أن تعاد صياغة العلاقة مع قوات الدعم السريع إما بدمجها بالكامل في القوات المسلحة ونظمها وهيكليتها، أو بصدور قانون جديد يحدد وضعها ودورها ووجودها ضمن المؤسسة التي تضبط وضع كل القوات النظامية.
في كل الأحوال السودان لا يحتمل وجود كل هذه الجيوش، ولا يريد أي إنسان عاقل فيه أن يكون هناك سلاح خارج منظومة القوات المسلحة. ومع التوترات الراهنة يصبح التأجيل خطراً حقيقياً لا يمكن علاجه بالبيانات التي تحاول نفي وجوده، أو بإقامة متاريس وحواجز جديدة حول مقر القيادة العامة للجيش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.