احتفل السودانيون بالاستقلال عن بريطانيا في الأول من يناير 1956 بينما بدأت دولتهم تكابد ويلات الحرب قبل ذلك بعام، اغسطس 1955 وهو تاريخ انطلاق الحرب الأهلية من مدينة توريت. منذ ذلك الوقت وحتى توقيع اتفاقية أديس أبابا 1972 كانت حرب الجنوب تدور ساخنة، وقد أغدق الخارج وصرف الأموال الطائلة على العمل العسكري والسياسي للقوات المتمردة. من سوء حظ السودان انه ما ان بردت جبهة الجنوب بتوقيع اتفاقية أديس أبابا 1972، حتى فتحت الأحزاب الشمالية(باستثناء الحزب الشيوعي) النار من ليبيا، وصرف القذافي عليها بجنون، وفتح لها خزائنه للحصول على السلاح والتدريب والحركة والاقامة. عاد الجنوب إلى تمرده مرة أخرى في مايو 1983 وتدفقت الأموال والسلاح على الحركة الشعبية حتى من الاصقاع البعيدة مثل كوبا. واغدق الغرب والشرق بسخاء على حركة قرنق لمدة عشرين عاما. وعندما اختار الجنوبيون الانفصال كان لهم جيش متكامل لا ينقصه سوى الطائرات. قبل ان يأتي الدور على دارفور كانت الأحزاب الشمالية المنضوية تحت لواء التجمع المعارض تتلقى الدعم المادي واللوجستي بما يعينها على العمل المعارض، ولا يمتلك أحد الجرأة ليقول ان التجمع كان يمول نفسه. جاء الدور على دارفور، وانفتح الإقليم على أموال وأسلحة ومنظمات ومخيمات وآلة إعلامية عالمية وتبرعات لم تستثن التلاميذ في مدارس نيويورك. وتناسلت الحركات المسلحة كالنبت الشيطاني كل حركة لها أسلحة ثقيلة وخفيفة وجنود وضباط ومرتبات، وجهات تصرف عليها بلا حساب. ترى كم إجمالي المبلغ الذي صرفه الخارج على المعارضة من اغسطس 1955 وحتى يوم الناس هذا الذي ما زال الحلو وعبدالواحد يحملان فيه السلاح؟. كم صرف على شراء البنادق والمدافع والدبابات والعربات والحركة والصيانة والتدريب والسفر والإقامة والعلاج؟. يمكن تخمين المبلغ الذي صرفته المعارضة في التدمير مقابل ما صرفته الحكومات في التعمير إذا علمنا شيئين: الأول: كل دول جوار السودان(باستثناء مصر) تورطت سرا وعلانية في دعم العمل المسلح المعارض للخرطوم.(ليبيا، تشاد، افريقيا الوسطى، زائير، يوغندا، كينيا، إثيوبيا، أريتريا). الثاني: انه من جملة خمسة وستين عاما بعد الاستقلال كان الخارج يصرف على المعارضة لما يزيد عن خمسين عاما. صرف الخارج على قوات الانانيا تسليحا وتدريبا وغذاء وكساء ونثريات سفر. وصرف على الجبهة(الوطنية) وهذا هو اسمها للمفارقة، وصرف على الحركة الشعبية، وكذلك على التجمع المعارض، وعلى حركات دارفور، وما زال يفعل ذات الشيء للحلو وعبدالواحد، ول(تدريب الشباب) و(حماية المرأة) و(ترسيخ الديمقراطية)و(حرية الصحافة). هكذا يصرف العالم بسخاء على العمل المعارض في السودان، وهكذا يتهالك الوالغون في أموال التدمير.