ظهور الرئيس البشير على الشاشات لأول مرة منذ ( انقلاب ابريل 2019 ) ، أعاد للكثيرين مشاعر العزة والكرامة ، وحرك فيهم قيم الوطنية الصادقة تجاه هذا الوطن المكلوم المأزوم .. كانت نبرات صوته كافية لجعل قلوب الكثيرين تخفق فرحا وكأن عقارب الساعة قد عادت بهم إلى الوراء ؛ ليصحو من كابوس جثم على صدورهم اربع سنوات – باسم الثورة – كانت هي أقسى وأظلم سنوات عرفها تاريخ السودان الحديث ؛ من الذل والمهانة والجوع والفقر ، والتردي في كل نواحي الحياة ، لتذكرنا بقدر لا بأس به من العيش الكريم كنا نعيشه وأمن كنا ننعم به .. معيشة لم تكن هي المثال الذي ننشده ويليق بالسودان وشعبه ، لكنها كانت أفضل مما تعيشه دول كثيرة حولنا ، وفق المتاح في ظل عقوبات خارجية وحروب مفروضة على السودان بهدف تأخيره وتمزيقه لتظل موارده لقمة سائغة للمستعمرين الجدد .. ليتنا سمعنا نصحك ( يا ريس ) بأن لا ينجر الشعب السوداني وراء نشوة ثورات الربيع العربي وغيرها ؛ التي احالت تلك البلدان إلى حطام وشعوبها إلى لاجئين في دول الجوار ، وكان السودان في عهدك من أكبر الدول التي استقبلت واحتضنت كل من أوى اليها من تلك الدول .. لازلت اذكر كلمات البشير حينما قال – سابقا – ( أخشى أن لا يجد شعب السودان من يأويه اذا تمزق وانهار ) .. لقد أعادت الينا نبرات صوته الكثير من الذكريات والمقارنات بين ما كنا فيه وما صرنا اليه ، تلك النبرات التي لطالما انتفضت مزمجرة ضد عنجهية الغرب والغطرسة الأمريكية التي لا تريد للسودان خيرا ، نبرة ظلت محافظة على سيادة السودان دون الحاجة إلى ( مجلس سيادة ) ، أعاد صوته عبر مايكروفون المحكمة الاحساس المفقود ( بهيبة الدولة ) التي ظل شعب السودان ينعم بها طوال ثلاثين عاما حافلة بتنمية هي من أعلى نسب التنمية عالميا ، بفضل استخراج النفط والذهب والبنى التحتية ومشروعات الإنتاج بدءا من استقرار الشباب والأسر المنتجة إلى المشروعات الكبيرة .. ملمح صورته ظل محتفظا بالهيبة والشموخ رغم التأثر الواضح في حالته الصحية سلبا بسبب نقص الخدمات والرعاية في محبسه ، وكان حري بقادة الدولة خاصة العسكريين أن يكرموه كقائد وكرئيس سابق ظل يدافع ويقدم لهذا الوطن ولم يستبق شيئا .. لم تفارق روح الدعابة والقفشات محياه وشخصيته الاجتماعية المألوفة البسيطة المحبوبة وهو يقول ( استمعت إلى فيديوهات عرضت في المحكمة وانا مستمتع ) .. شجاعته التي عرف بها جعلته متماسكا ثابتا وهو يعلن اعترافه بتنفيذ انقلاب 30 يونيو متحملا كامل المسؤولية عن ذلك رافعا الحرج عن إخوته من الضباط والمدنيين في التخطيط والتنفيذ ، انها روح القائد ، وروح الأب وروح الزعماء من الرجال .. لقد أتعبت كل من جاء بعدك يا بشير الخير ، كنت ضابطا عظيماً يؤدي واجبه تجاه الوطن في أحراش الجنوب ، وتقدمت بروح التضحية لتنقذ البلاد من ذلك التردي المريع ، تقدمت وانت تعرف أن الانقلاب مغامرة نهايتها حياة أو موت ، ومع ذلك قبلت التحدي لأجل هذا الوطن ، وكان بإمكانك أن تقاتل من أجل الكرسي وتريق الدماء حينما جاءك أحد ضباط القوات المسلحة ( الفريق أول البرهان) ليخبرك ان اخوانك في القوات المسلحة قرروا استلام السلطة والتحفظ عليك ، فما كان منك إلا أن قلت لهم ( على بركة الله ابقوا عشرة على البلد) .. وقف الرئيس البشير شامخا بكارزميته مخاطبا الرأي العام المحلي والدولي بحقائق نسيها الشعب السوداني ( حكامه ومحكوميه ) مذكرا إياهم بالوضع المأساوي الذي كانت تعيشه القوات المسلحة ويعيشه الشعب السوداني عن بكرة أبيه .. ذلك الوضع الذي جعل خمس مجموعات من ضباط القوات المسلحة تتحرك لإنقاذ البلاد من تلك الحالة الحرجة التي اضطرت قيادة الجيش لرفع تلك المذكرة الشهيرة .. كان البشير ذكيا وهو يعيد للأذهان مواقف مهمة ويرسل رسالة عميقة للأجيال الجديدة التي لم تعرف عن تلك الحقائق شيئا ، حقائق كانت هي السبب الأول لقيام انقلاب ثورة الإنقاذ الوطني في 30 يونيو 1989م . لقد قدم المتهم الأول ( لانقلاب الإنقاذ ) مرافعة تأريخية بذكاء منقطع النظير ، عكس من خلالها ما نسي وتناسى الكثيرون حيثيات حدوثه وظروفه وملابساته على مستوى البيئة الداخلية والخارجية للسودان .. لقد قدمت درسا وطنيا متميزا لكل حكام اليوم عسكرهم ومدنييهم بمن فيهم الحركات المسلحة ؛ الذين لم يستطيعوا جميعهم – وهم سدة الحكم – ومن وراءهم من سفارات ومجتمع دولي أن يوفروا للسودان ( 5 ٪ ) من الأمن والاستقرار والتنمية التي كان يعيشها في عهد نظام الإنقاذ المحاصر والمحارب اقليميا وعالميا .. اخيرا .. لقت جعلت الشعب يتسمر مشدوها أمام الشاشات ليستمع إلى حديثك المسؤول وهو يتوق إلى مخرج من المازق السياسي الذي دخل فيه بفعل قوى داخلية وخارجية لا تريد الا مصالحها الخاصة فقط .. لن تمر مرافعتك هذه مرور الكرام ، لقد هززت بها اليوم عروش كثيرة ، وارتجف لها كثيرون داخليا وخارجيا ، ولذلك سيسارعون للتخلص منك إما بالاعدام او بغيره حتى يتخلصوا من ظهورك المخيف كما تخلصوا من الرئيس صدام حسين رحمه الله ، او يسارعوا باخراجك من السجن لنفيك خارج الوطن أو وضعك في إقامة جبرية .. لكنك ستظل افضل من حكم السودان وقدم له ما لم يقدمه الجميع طوال تاريخه ، وستظل بصماتك الإيجابية شاهدة لك مهما حاولوا تبخيسها او تشويه إنجازاتك ومواقفك النبيلة الأصيلة التي تشبه شيم واخلاق الرجال من أهل السودان.. فك الله أسرك وتقبل منك ومن جميع اخوتك الذين تحملوا معك المسؤولية لآخر لحظة .. د. عبد المحمود النور عبد المحمود النور مواضيع مهمة علاج الحمى في الطب النبوي مشكلة مص الإصبع التفاح الأخضر .. فوائد الضغط في العمل كيف نتناول الكزبرة؟ ميكب خدود البشرة الداكنة