السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    وفد المعابر يقف على مواعين النقل النهري والميناء الجاف والجمارك بكوستي    الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة يكشف عن إحصائيات بلاغات المواطنين على منصة البلاغ الالكتروني والمدونة باقسام الشرطةالجنائية    وزيرا الداخلية والعدل: معالجة قضايا المنتظرين قيد التحرى والمنتظرين قيد المحاكمة    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الشان لا ترحم الأخطاء    والي الخرطوم يدشن أعمال إعادة تأهيل مقار واجهزة الإدارة العامة للدفاع المدني    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    مصالح الشعب السوداني.. يا لشقاء المصطلحات!    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    دبابيس ودالشريف    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش ك"ضحية" للانقلابات العسكرية !! مهداة إلى: أبناء الشعب في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية .. بقلم: عزالدين صغيرون
نشر في سودانيل يوم 04 - 01 - 2021

إذن، فلنتكلم بصراحة ووضوح طالما نحن لا نتحدث عن جيش إمارة واق الواق، ونحن نتطلع لبناء دولة حديثة، عجز الأسلاف منذ أكثر من قرن عن إرساء دعائمها. بل وأعملوا جهدهم على إجهاض كل إمكانية لقيامها، رغم أنها كانت معطاة، كأنما هبة من السماء تنزلت مجاناً، بلا تعبٍ أو نصب.
معروف في شرع الدولة الحديثة أن الجيش مثله مثل سائر مؤسسات الدولة لا دين له. وإنه يدين بالولاء لتراب الوطن وشعبه والدستور الذي توافق عليه الشعب، وأنه يتمتع بحصرية استخدام السلاح دون سائر مؤسسات الدولة من أجل حماية تراب الوطن وأمن شعبه. وأنه يقف على مسافة واحدة من صراعات الأحزاب واتجاهاتها الفكرية، لا يميل، ولا يعادي، ولا ينتصر لإحداها على الأخريات. وإن انصراف قياداته لا ينبغي أن يتعدى رفع كفاءة أفرادها القتالية من كل النواحي التقنية والمعنوية لحماية الوطن وأمن مواطنيه من أي اعتداء خارجي يهدد الدولة. أما حفظ الأمن الداخلي فيناط بالشرطة المدنية عبء القيام بمسؤوليته.
(2)
والقاعدة التي تحكم حدود كل هذه المؤسسات، هي أن الشعب هو السيد، وهي في خدمته. وذلك لسبب بسيط وبديهي، وهو أن أفراد هذه المؤسسة ليس لهم وظيفة خارج هذا الإطار الأمني، فهم غير مكلفون بالزراعة ولا التعليم ولا الصناعة ولا النجارة والتجارة وغسل العربات "وتلميع الأحذية" وإدارة المطاعم والفنادق. وإنما تصرف عليهم الدولة، من الضرائب التي تجبيها الحكومة من المواطنين الذين يقومون بتلك النشاطات والأعمال، ليتفرغ العسكر والأمنيون لتأمين حدود الدولة وحماية شعبها من أي اعتداء خارجي.
ولأن عقد توظيف العسكر والأمنيين يتضمن بنداً ينص على التضحية بالروح تنفيذاً للأوامر. لذا يغدق عليهم شعبهم من الحوافز والامتيازات ما لا يمنحه لغيرهم. ليس تفضيلاً لهم، أو لأنهم الأخيار المصطفين على سائر مواطني الدولة – كالمعلمين على سبيل المثال – ولكن قياساً بمخاطر وظيفتهم. وهم في ذلك مثلهم مثل عمال المناجم الذين يعملون تحت الأرض، غير مجبرين على الانخراط في الجيش أو الأمن، إنما هو خيار ذاتي واختيار شخصي، فإما على أحدهم أن يقبل بالعمل تحت هذه المخاطر، أو أن يبحث عن عمل أقل خطورة كموظف في بنك، على سبيل المثال، أو أي مجال آخر، ولن يجد من يعنته أو يجبره للعمل في السلك العسكري.
على هذا النحو ينبغي أن يفهم "الجياشي" أو "الأمنجي" أو الشرطي موقع مؤسسته في منظومة الدولة الحديثة ومهامها الدستورية. وأن يعرف طبيعة عمله ووظيفته وحدود سلطات هذه الوظيفة.
(3)
لكن يبدو أن الأمر في السودان "طلقيبة" يسير على هدى فهم خاطئ تماماً، وعلى نقيض لمنطق الدولة الحديثة، وكأننا نعيش في عصور ما قبل عصر التنوير، حيث الحاكم هو ظل الله في الأرض الذي لا راد لمشيئة إرادته أحد. يملك الدولة والأرض والشعب والجيش.
وقد ظلّ جيشنا يلعب هذا الدور، حيث حلّ في كل مفاصل تاريخنا منذ ما بعد الاستقلال وإلى اليوم مكان الحاكم بأمر الله، له الملك وحده لا شريك له.
وعندما تسأل: ما الذي رسَّخ عند قيادات وأفراد المؤسسة العسكرية هذا الفهم الذي يصل عندهم إلى حدّ القناعة والعقيدة. فإنك ستجد الإجابة في مجموعة متكاملة من العوامل التاريخية السياسية والاجتماعية والنفسية، مما سنعرض له لاحقاً.
ولكن الشاهد بين يديك الآن، أن السودان ومنذ الاستقلال، ظل تحت حكم الجيش لأكثر من نصف قرن، تراجعت الدولة خلالها من سيء إلى أسوأ، وتردت خلال حكمه من حضيض إلى أحط منه. وما هذا بالقول الذي على عواهنه يرسل.
إذ تكفي مراجعة تاريخية عاجلة لما كان عليه اقتصاد السودان ومستوى معيشة مواطنية، ومستوى خدمته المدنية من انضباط وحرفية وكفاءة ونزاهة، ومدى تعافي مجتمعاته وتسامحها وعلاقات مكوناتها رغم اختلافها الديني والعرقي والثقافي، في فجر الاستقلال. وكيف ظلت تتراجع، ويصيب التدهور والعطب والانحلال والانحطاط كل ناحية من هذه النواحي، مع دورة كل حكم عسكري، حتى انتهينا إلى ما يشبه اللادولة اليوم، التي لم يعد أحداً يعلم ما مصيرها غداً.
(4)
ما هو أخطر من ذلك أن هؤلاء العسكر الفخورون اليوم بسيطرتهم على مفاصل الدولة السودانية لا يعلمون بأن المتضرر الأول والأكبر من هذا الخراب أصاب الدولة كان هو الجيش نفسه وسائر الأجهزة الأمنية.
وأن ما سيصيبه من محاولاته المستميتة من أجل السيطرة على الدولة الآن، لن يؤدي سوى إلى مزيد من إضعافه وتدهوره.
وإن ما أصاب الجيش من التخريب وما لحقه من التشويه، كاد يطمس صورة الجندي السوداني الزاهية في ذاكرة الشعب، بل كاد يمحو الصفحات المضيئة في تاريخه التي كانت مصدر فخر وإلهام لشعبه، عندما بلور البطل علي عبد اللطيف بوعيه المتقدم ورسخ مفهوم القومية في الذاكرة الوطنية للسودانيين. وعندما استشهد الأبطال الشجعان عبد الفضيل الماظ ورفاقه وهم يواجهون المستعمر بسلاحه في ملحمة شجاعة بعد أن أدوا له التحية العسكرية وهو في سجنه.
ورغم أن الفريق إبراهيم عبود قام بتدشين سلسلة الانقلابات العسكرية في السودان، إلا أن الناس ما زالوا يحفظون له طهارة يده، وزهده في الحكم عندما قال الشعب لا.
لقد كان سجل القوات السودانية المسلحة منذ ما قبل الاستقلال ناصعاً بالمفاخر، ليس فقط بسبب ما أشتهر عن شجاعة الجندي السوداني التي شهدت بها شهادات الكُتاب الأجانب فحسب (1). بل وبما يتمتع به من نبل وسلوك أخلاقي، أبرزتها كتابات الليبيين وهم يؤرخون لوقائع الحرب العالمية الثانية في ليبيا، وما تميز به سلوك المقاتلين السودانيين من نبل وسمو أخلاقي دفعهم لأن يحافظوا على شرف الليبيات اللائي تعرضن لما تتعرض له النساء في الحروب من تحرشات وانتهاك عروض.
فهل نقارن سلوكهم هذا بما ارتكبته قواتنا المسلحة تحت حكم المتأسلمين بحق المدنيين والمدنيات في جبال النوبة ودافور والنيل الأزرق وكردفان وفي الشمالية وفي قلب العاصمة أمام قيادتهم العامة من قتل وإحراق للبيوت والخيام واغتصاب تجاوز الحرائر ليطال الشباب؟.
إن ما خسرته المؤسسات العسكرية والأمنية في ظل حكم قياداتها يحتاج إلى عمل كثير وتضحيات جسام من قياداتها، حتى لا تخسر ما تبقى من كيانها الذي تأذى كثيراً، وحتى لا تخسر ما تبقى من احترام الشعب الذي تفننت في التنكيل به. ولهم أن يتصوروا مدى إمكانية تناسي أسر ضحايا مآسي ما لحق بهم في كل مكان من السودان إبان ما يزيد على ثلاثة عقود إلى اليوم، ليغفر لهم.
الحق أقول: لم تكن الفجوة والهوة بين الشعب وجيشه وأجهزة أمنه بمثل ما هي عليه اليوم من جفوة وعدم ثقة وغبن.
ولو علموا ذلك – والخير أن يعلموا – لسارعوا إلى إصلاح مؤسستهم بأنفسهم جذرياً حتى لا يتم ذلك بيد عمرو الداخلي أو الخارجي، لأن في ذلك تهديداً مباشراً لأمن الدولة كلها، بما يرقى إلى تهديد وجودها في ذاته.
(5)
إن الجيوش حين تترك مهمتها الأولى في الدفاع عن وحدة التراب الوطني والمحافظة على سلامة مواطنية من التهديدات الخارجية، لتنصرف إلى نشاطات أخرى كالسياسة ومحاولة الحكم بالسيطرة على مفاصل الدولة بغلبة السلاح، أو بالتجارة والنشاطات الاقتصادية التي تجعل منها منظومة اقتصادية مستقلة موازية للاقتصاد الكلي للدولة إنما تحقق ذلك خصماً على قوتها الحقيقية، لأنها تحوَّل كبار الضباط إلى طبقة مغلقة ذات مصالح خاصة، وهذا ما فطنت إلى نتائجه المدمرة الصين حين أصدرت القوانين التي تكف يد الجيش عن التدخل في في النشاطات التجارية.
أما الحجة التي يروج لها بعضهم بأن هذه الممارسات الضارة ببقية القطاعات التجارية والصناعية والزراعية في الدولة، إنما تخصص من أجل ترقية الصناعات الحربية فلا محل له في إعراب الدولة الحديثة، لأن الإنتاج الحربي يخضع لسلطة الدولة وبتمويلها، فهو لا يتم من وراء مؤسسات الدولة السيادية والتنفيذية، ومن ثم هو لا يتمتع بالسرية المطلقة، حتى إذا كان الجيش يشتري معداته من القطاع الصناعي الخاص مثلما هو جار في أمريكا على سبيل المثال، إذ لا بد من أن تجاز قيمة المشتريات من مجلس النواب في جلسة سرية.
فالسرية هنا لا تعني تغييب ممثلي الشعب، وإنما تعني وسائل الإعلام أثناء تداول الموضوع. وبعد موافقة نواب الشعب ينشر الخبر في تقارير يطلع عليها الرأي العام، حتى يكون المواطن على دراية بما يُقتطع من أمواله على تسليح جيشه.
فطالما انشغلت طبقة كبار الضباط بمراكمة هذه الثروات، فإنها ستنشغل عن مهمة ترقية القوات المسلحة والاهتمام بكفاءة أفرادها. وكما يقال (صاحب بالين كضاب)، مصداقاً للحديث النبوي الذي يروى بأن الله لم يجعل لامرئ من قلبين في جوفه.
ونتائج محاولة سيطرة الجيش على مفاصل الدولة وعسكرتها الكارثية في الحالة السودانية لا تخفى على أي مطلع على تاريخ الدولة السودانية المعاصرة.
(6)
فإذا كانت المحافظة على تراب الوطن بحماية حدوده والحفاظ على وحدة أراضيه على رأس مهام الجيش والأجهزة الأمنية التي تبرر وجودها في الأصل، فإن نجاح الجيش السوداني تحت الحكم العسكري يسجل دون درجة الصفر في رصيده.
لقد كتبت من قبل:
1/ مع حكم العسكر الأول فقدنا مع اتفاقية السد العالي أكثر من خمسة آلاف كيلومتر "هدية" للشقيقة مصر، كان من تبعاتها إغراق عشرات بل مئات القري والمواقع الأثرية والتي هي تراث إنساني للبشرية بكاملها.
2/ تلاه حكم نميري الذي أتاح للشركات الغريبة أن تتخذ من السودان مكبّاً للنفايات النووية، ثم أشاح بصره بعيداً عن حسم النزاع مع مصر وأثيوبيا على الخلافات الحدودية معهما وأدخلها في ثلاجة عدم الأهمية.
3/ وتبعها مع البشير والحكم العسكري الثالث "نزع" إقليم كامل (مثلث حلايب وشلاتين) الذي يتبلغ مساحته (20580 كلم مربع) وتلك مساحة تبلغ خمسة وعشرين ضعفا مساحة البحرين .. وضعف مساحة قطر .. ومرة وربع مساحة الكويت. ورغم هذا الاغتصاب القسري للأرض، ما زلنا نتحدث عن العلاقات "الأزلية" – هذا المصطلح الغيبي/ الماورائي – بين الشعبين الشقيقين
4/ وتتجه شرقاً لتكتشف بأن "جيراننا" الأحباش يحتلون خصيب الفشقة، الذي تبلغ مساحته ما بين (600 ألف فدان إلى مليون فدان) علي طول الحدود البالغة 168 كيلومترا ويعتبر من أخصب الأقاليم الزراعية في القارة منذ 30 عاماً. أضف إليها الاختراقات الاستيطانية لعصابات الشفتة الأثيوبية للأراضي الزراعية تحت سمع وبصر حكومات بلدها المتعاقبة.
5/ هذا دون أن تحسب ما كلفه حكم العسكر المتأسلمين برئاسة البشير بحروبهم الدينية التي تمخض عنها ذهاب دولة كاملة الدسم، تفوق مساحتها 600 الف كلم، ويتعدى ذلك مساحة أكثر من ثلاثين دولة من ضمنها: الدنمارك سويسر وهولندا وبلجيكا وأرمينيا والبوسنة وكرواتيا والسلفادور والنمسا والمجر والأردن والكويت وقطر وجيبوتي ولبنان وتوغو وسيشل وسنغافورة وغامبيا وهونج كونج.(2).
وثمة الكثير من التفاصيل – لا يتسع لها المجال هنا – التي يثير بعضها التعجب، ويثير أكثرها الغضب من مواقف حكوماتنا العسكرية من هذه الوقائع.
هذا عن سلامة حدود ووحدة وسيادة الأراض السودانية.
فماذا عن الأمن الداخلي الذي بررت به القوات المسلحة، عبر لجنتها الأمنية، مشاركتها في إدارة المرحلة الانتقالية، بل وأطلقت يد مكونها لتسمية وزيري الدفاع والداخلية في الحكومة المدنية من العسكريين الذي يختارهم المكون !!.
في هذا الملف تجاوز فشل المكون العسكري حدود الصفر ليصل إلى شبهة المشاركة والمساهمة في الفوضى الأمنية التي ضربت أطنابها عموم الجهات السودانية الأربع.
ويقف تقاعس الأجهزة الأمنية في أحداث شرق السودان وغربه، وفي موقفها من عصابات النهب المسلح في العاصمة خير شاهد على ما يتجاوز شبهة الإهمال واللامبالاة، إلى التواطؤ والقصد. كما تقف تجاوزات الجهات الرسمية المعروفة والمجهولة غير المعروفة في اختطاف واعتقال وتعذيب وقتل المدنيين في جهات مجهولة وبعربات لا تحمل لافتات ما يؤكد "تهلهل" الجسم المسؤول عن الأمن وعجز القيادة العسكرية عن السيطرة على فلوله المتعددة، وبالتالي تفقد هذه القيادة شرعيتها بسبب العجز عن القيام بمهامها الدستورية.
(7)
إلا أن أكثر الشواهد وضوحاً على أن الجيش السوداني هو المتضرر الأكبر بين مؤسسات الدولة من الانقلابات العسكرية. يجسدها لك ما يحدث داخل الجيش نفسه. حيث يقوم قائد الانقلاب، أو منظومة الضباط التي تقوم بالانقلاب، بإحالة دفعات كاملة من الضباط الأكثر أقدمية للتقاعد، فيما يتم ترفيع وترقية ضباط أصغر سناً وخبرة وأقل كفاءة، بين المشاركين في الانقلاب، أو المؤيدين له، لرتب عسكرية أعلى، دون الخضوع لمعايير الكفاءة والخبرة والأقدمية المعمول بها.
وقد أحال عمر البشير للتقاعد أعدادا من الضباط الأكفاء ابتداء من الدفعة 12، دفعة القائد العام الفريق أول بحري فتحي أحمد علي، والي دفعته 18. وقد فعلها قبله جعفر نميري. مما يفرغ الجيش من كوادر صرفت عليها الدولة من مواردها الكثير لإعدادها وتأهيلها. ومن الطبيعي والمنطقي أن يؤدي هذا إلى تدنى مستوى الكفاءة والحرفية والخبرة العملية في أي مؤسسة في العالم.
إن تأثير مثل هذا النمط السلوكي على مستويات أداء المؤسسات إنه ينسف أي أرضية ممكنة لإرساء التقاليد المهنية، لأنه يؤدي إلى هدر رأس المال التراكمي للخبرات المهنية، وكأنه يقوم بتجفيف منابعها المعرفية والعملية وبتصحيرها من الداخل.
وبالتالي، ومع كل انقلاب تبدأ المؤسسة من الصفر، لافتقارها إلى الرصيد المعرفي والعملي المتراكم. وربما تبدو هذه المسألة بشكل أكثر وضوحاً في القطاع الإعلامي، مما يحدث في المؤسسة العسكرية التي تتميز ببعدها عن الأضواء.
فعقب كل انقلاب عسكري يتم إغلاق صحف "العهد البائد"، وإقصاء قياداتها وكوادرها الصحفية والإعلامية، التي لا تعبر "عن العهد الجديد"، أو لأنها لا تتفق مع خط الانقلابيين الفكري، أو تتناقض قناعاتهم السياسية مع القناعات الجديدة وغيرها من الأسباب. ومن ثم تلجأ السلطة الجديدة إلى تعيين كوادر صحفية وإعلامية، تستوردها كيفما اتفق من خارج المحيط المهني، بمعايير الموالاة للنظام أو لخطه الفكري، أو تلك التي يمكنها أن تتوافق معه، أو تبرر له، أو تطبِّل له. أو بين أولئك الذين يجدونها فرصة للشهرة والوجاهة وسبيلاً للثراء. أو أولئك المتعطشون للسلطة. فيرتقي أولئك قمة الهرم الإعلامي والصحفي بلا رصيد معرفي أو خبرة عملية، ويبدأ معهم تاريخ جديد للصحافة من الصفر، لا علاقة له بما راكمته الأجيال السابقة في تاريخ المهنة من تجارب وتقاليد.
ليأتي انقلاب جديد يختار أو يخلق من العدم، فريقه الخاص الجديد من الصحفيين، كيفما اتفق، ، ويبدأ معهم تاريخ جديد للصحافة، لا علاقة له بما كان قبله من تجارب وخبرات وتراكم مهني ومعرفي وتقاليد.
(8)
ومن يتأمل حال جيشنا، وما ألحق به من أضرار، منذ اليوم الأول لانقلاب البشير الذي بلغ قمة العقوق والخيانة للمؤسسة التي آوته ورفعت من شأنه ضابطاً بها. حيث وصلت الاستهانة بالجيش أن ينفذ أفراد مدنيون من خارجه انقلاباً عسكرياً من داخل معسكرات وقيادات القوات المسلحة وهم يرتدون ملابس عسكرية. ولا أعرف تحقيراً وإهانة واستهانة بهيبة جيش في العالم أكثر مما فعل الإسلامويون بجيشنا، الذي تتزين حتى جدران معسكراته الخارجية بلافتات تحذيرية "ممنوع الاقتراب والتصوير"!.
ثم ما تم من تسريح لطلبة الكلية الحربية، وإحلال طلبة موالون للاتجاه الاسلامي. وما أعقب ذلك من كشوفات للتقاعد والصالح العام للضباط من مختلف الرتب الذين لا يدينون بالولاء للاتجاه الإسلامي، ولم يعرف عنهم سوى الولاء لقسمهم العسكري، والتزامهم بالقوانين واللوائح والتراتبية العسكرية. مما أفرغ الجيش من أكفأ وأصلب كوادره بين مختلف الرتب. الأمر الذي زاد المؤسسة "هلهلة"، وجاء زمن كان فيه ضابط برتبة متوسطة مثل شمس الدين إبراهيم يهابه ضباط برتب عليا، حيث كان بيده أمر الترقيات والرفت والحكم بالإعدام!.
ولذا لم يكن صعباً، ما كان بحكم المستحيل أن ينشأ جسم مليشياوي موازٍ لجيش الدولة يُمنح قادته أعلى الرتب العسكرية دون تأهيل عسكري إلا ما يتمتع من خبرات حروب العصابات المسلحة وتُمنح الشرعية. وتخصص لها معسكراتها الخاصة، ومعتقلاتها ومخازن أسلحتها. ثم تُمنح صلاحيات لا يتمتع بها الجيش، ومرتبات لا تكاد توازيها مرتبات أفراد القوات المسلحة، ولها مصادرها المالية الخاصة التي لا علاقة لها بولاية الحكومة. وتتمدد صلاحيات أفرادها فيقومون بأعمال الشرطة وأجهزة الاستخبارات، لها سلطة اعتقال المدنيين واختطافهم والتحقيق معهم وقتلهم تحت التعذيب. إلى جانب قيامها بالعمليات القتالية المشروعة على الحدود، وغير المشروعة في حروبها القبلية.
وما كان كل ذلك يحدث لولا الانقلابات العسكرية التي لم تكتف بتخريب الوطن كله، بل وأعملت تخريباً في كيانها ذاته، وأفقدته هويته ووظيفته الوطنية.
مصادر وهوامش
(1) أنظر: الأمير عمر طوسون، بطولة الأورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك"، مطبعة صلاح الدين بالإسكندرية، 1352ه - 1933م. حيث سطر مآثر الضباط والجنود السودانيين في تلك الحرب عام 1863.
(2) عزالدين صغيرون، جيش أي دولة هذا: وأرضنا تنقص من أطرافها مع كل "مارش" !!"، موقع صحيفة سودانايل، بتاريخ: 24 تشرين2/نوفمبر 2020.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.