وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    قرارات اجتماع اللجنة التنسيقية برئاسة أسامة عطا المنان    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    مناوي : حين يستباح الوطن يصبح الصمت خيانة ويغدو الوقوف دفاعآ عن النفس موقف شرف    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب أكتوبر أحدثت تغييراً كاملاً في الاستراتيجيّة العسكريّة الاسرائيليّة
نشر في النيلين يوم 05 - 10 - 2009

6 أكتوبر 1973 أو العاشر من رمضان هو يوم العزة والكبرياء والكرامة المصريّة العربيّة، فقد اجتاحت جحافل المغاوير من أبناء الشعب المصري الصامد، خط بارليف الرملي الذي بنته اسرائيل ليكون حزاما لحمايتها من التحركات العسكريّة المصريّة، فقد أذابت قوات الأشاوس المصرية هذا الجبل الرملي في ساعات قليلة وفتحت الطريق عبر قناة السويس لدخول القوات المصريّة إلى مشارف سيناء ورفع علم مصر عالياً خفّاقاً يعلن للملأ بأننا - نحن العرب - لن نرضى بالذل والاحتلال مهما كان نوعه وهويته. هذا اليوم - كما يسمونه في اسرائيل بيوم كيبور - كان يوما أسوداً على اسرائيل. فقد انقلبت موازين القوى في ساعات، وهزّ زلزال 6 أكتوبر أركان اسرائيل من أقصاها الى أدناها، وانتهت بذلك أسطورة جيش اسرائيل الذي لا يُقهر. ويبقى يوم السادس من أكتوبر يوماً فاصلا في ذاكرة تاريخ مصر الحديثة وكان نقطة تحول، حيث تبعثر غرور القوة ودعاوى الهيمنة والتفوق وأسطورة الجيش الذي لا يُقهر أمام الإرادة المصريّة وإيمان المقاتل المصري العربي بعدالة قضيته والذود عن حياض أرضه. وبنصر أكتوبر استعاد المواطن المصري الثقة بالنفس ورفض محاولات تكريس روح اليأس، وبهذا الانتصار العظيم عبرت مصر والأمة العربيّة - بقيادة قواتها المسلحة المصريّة والقيادة السياسيّة - العبور العظيم الذي أذهل العالم بالتفوُّق والأداء والقدرات على التخطيط والتنفيذ وتحقيق الانتصار الذي أدى إلى تغيير في المعايير والاستراتيجيات العسكريّة في العالم. وللسعي من أجل السلام لا بد من الحرب ولا بد من الانتصار فيها حتى تتكافأ موازين القوى ويخضع العدو للتفاوض والتحاور بعيدا عن الافتراء والهيمنة. وهكذا كان بداية مشوار السلام: التفاوض والتحاور من مكان المنتصر وليس المهزوم، بعد انتهاء العقليّة الاسرائيليّة المعتجرفة.
وبالعودة إلى ذاكرة حرب أكتوبر 1973م كانت البداية بعقد اتفاق عسكري بين مصر وسوريا في السادس والعشرين من نوفمبر 1970م لتوحيد الجهود العسكريّة للدولتيْن تحت قيادة واحدة يرأسها وزير الحربيّة المصري. وفي سبتمبر 1971م تم تشكيل القيادة العامة للقوات المسلحة الاتحاديّة من ضباط مصريين وسوريين لتنسيق الأعمال القتاليّة بين الجبهتيْن. وفي العاشر من يناير 1973 تم تعيين وزير الحربيّة المصريّة قائداً عاماً للقوات الاتحاديّة. وفي الثاني من مايو 1973م اجتمعت القيادتان المصريّة والسوريّة للاتفاق على الإطار العام للسياسة العسكريّة التي سيتم الالتزام بها، وتحقيق الإعداد الشامل للحرب على كافة الأصعدة الداخليّة والسياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة. كما تم إعداد خطة خداع استرايتجي شاملة وطويلة بالتنسيق مع كافة أجهزة الدولة إعلاميّة، دبلوماسيّة وعسكرية. وقد كان لنجاح السياسة العسكريّة المصريّة في تنسيق العمل العسكري مع سوريا أكبر الأثر في تشتيت جهود العدو بين جبهتيْن مع بدء الهجوم المصري على جبهة بطول القناة تمتد حتى 125 كم في معركة العبور التاريخيّة.
أعلنت القيادات العسكريّة المصريّة خطوطها لإدارة معركة العبور. وقام المهندسون المصريُّون بتعميم وتنفيذ وتجهيز أرض المعركة بما يضمن القدرة للقوات المصريّة على مواجهة كافة العوائق التي وضعها العدو في طريق العبور. وفي هذا الإطار تم وضع الخطط التالية:
- وضع خطة محكمة للمدفعيّة المصريّة وأسلحة الرمي الأخرى لتنفيذ أقوى تمهيد نيراني لتدمير مصادر نيران العدو قبل البدء في العبور، وعمل ستار نيران قويّة تعبر تحتها طلائع العبور الأولى لفتح ممرات في الساتر الترابي على الضفّة الشرقيّة للقناة
- ابتكار وسيلة جديدة لفتح (85) ممرا في الساتر الترابي بواسطة مضخات مياه قوية وإعداد (1500) سُلّم من الحبال، ويتم حمل السُلّم بواسطة أحد أفراد الجنود الذي يتسلق الساتر الترابي، ثم يقوم بإنزال السُلّم ليتسلق زملاؤه بعده، والتدريب على تنفيذ المهمة في أقل وقت.
- تجهيز مجموعة من أفراد «الصاعقة» للعبور للضفة الشرقية قبل بدء الهجوم وإغلاق مواسير النيران بالأسمنت لتفادي إشعال العدو لسطح القناة.
- تشكيل مجموعات اقتناص للدبابات يتم دفعها إلى الضفة الشرقيّة للقناة تحت ساتر من نيران المدفعيّة قبل عبور الموجات الأولى، تنتشر في مواقع العدو وخلف خط بارليف لعمل كمائن لدبابات العدو التي ستحاول مهاجمة طلائع العبور.
- تجهيز شبكة من الطرق يبلغ طولها أكثر من 2000 كيلومتر على طول الجبهة لإعطاء القوات القدرة على المناورة، وتجهيز ساحات الإسقاط لوحدات الكباري على الضفّة الغربيّة للقناة. والاعداد لتسليح رجال مجموعات العبور الأولى بمزيد من الأسلحة الخفيفة المعتادة للدبابات وتجهيز 2500 قارب مطاطي لعبور الموجات الأولى.
- لمواجهة أيّة ضربات ضد مطاراتنا أو ممراتنا تم إقامة شبكة ممرات تبادليّة بكل مطار وقاعدة جويّة تُمكن من العمل تحت أيّ ظروف. كما تم تشكيل وحدات هندسيّة للتعامل مع القنابل الزمنيّة الخاصة بالممرات، وتوفير الكميّات اللازمة من الأسمنت سريع التصلب لرصف أيّة مساحات يتم تدميرها.
قرار الحرب:
اتخذت مصر وسوريا قرار الحرب سريّاً دون أن تتوقعه أيّة دولة أخرى، واتفقتا على ساعة الصفر التي تبدأ فيها تحرُّكات القوّات لخوض معركة التحرير، بينما كانت اسرائيل مشغولة بالانتخابات وبقضية هجرة اليهود السوفيت. وأيضا كانت الولايات المتّحدة الأمريكيّة والاتحاد السوفيتي قد اتفقا على الاسترخاء العسكري في منطقة الشرق الأوسط. وقد أصدر الرئيس السادات قراره بالحرب في يوم 5/رمضان 1393ه أول أكتوبر 1973م تحت عنوان: «توجيه صادر إلى القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربيّة الفريق أول أحمد اسماعيل علي
نص التوجيه:
عن الوضع العام، ب - عن استراتيجيّة العدو:
إن العدو الإسرائيلي كما نرى انتهج لنفسه سياسة تقوم على التخويف والادعاء بحقوق لا يستطيع العرب تحدّيها، وهذا هو أساس نظريّة الأمن الاسرائيلي التي تقوم على الروع النفسي والسياسي والعسكري، وأن نقطة الأساس في نظرية الأمن الاسرائيلي هي الوصول إلى إقناع مصر والأمّة العربية بأنّه لا فائدة من تحدي اسرائيل، وبالتالي فليس هناك مفر من الرضوخ لشروطها حتى وإن تضمنت هذه الشروط تنازلات عن السيادة الوطنية.
عن استراتيجية مصر في هذه المرحلة
إن الهدف الاسترايتجي الذي أتحمل المسؤوليّة السياسيّة في إعطائه للقوات المسلّحة المصريّة، وعلى أساس كل ما سمعت وعرفت من أوضاع الاستعداد يتلخص في ما يلي:
تحدي نظرية الأمن الاسرائيلي وذلك عن طريق عمل عسكري حسب إمكانيات القوات المسلحة يكون هدفه إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو وإقناعه بأن مواصلة احتلاله لأراضينا تفرض عليه ثمنا غاليا لا يستطيع دفعه، وبالتالي فإن نظريته في الأمن على أساس التخويف النفسي والسياسي والعسكري ليست درعا من الفولاذ محميّة الآن أو في المستقبل. واذا استطعنا بنجاح أن نتحدى نظريّة الأمن الاسرائيلي فإن ذلك سوف يؤدي إلى نتائج محققة في المدى القريب وفي المدى البعيد. في المدى القريب فإن تحدي نظريّة الأمن الاسرائيلي يمكن أن يصل بنا إلى نتائج محقّقة تجعل من الإمكان أن نصل إلى حل مشرف لأزمة الشرق الأوسط. في المدى البعيد فإن تحدي نظريّة الأمن الاسرائيلي يمكن أن يحدث متغيِّرات تؤدي بالتراكم إلى تغيير أساسي في فكر العدو ونفسيّة نزعاته العدوانيّة.
عن التوقيت:
إن الوقت الآن - من وجهة نظر سياسيّة - ملائم كل الملاءمة لمثل هذا العمل الذي أشرت إليه في (ثالثا).إن أوضاع الجبهة الداخليّة وأوضاع الجبهة العربيّة العامة بما في ذلك التنسيق الدقيق مع الجبهة الشماليّة تعطينا من الآن فرصة مناسبة للعبور».
بداية العبور
في الخامس من أكتوبر 1973 - 9 رمضان، أصدر الرئيس السادات توجيها استراتيجياً إلى السيد وزير الدفاع الفريق أحمد اسماعيل علي نصه كالاتي:
«بناء على التوجيه السياسي العسكري الصادر لكم مني في أول أكتوبر 1973 وبناء على الظروف المحيطة بالموقف السياسي والاستراتيجي، قرّرت تكليف القوات المسلّحة بتنفيذ المهام الاستراتيجيّة الآتية:
- لإزالة الجمود العسكري الحالي كسر وقف إطلاق النار اعتباراً من يوم 6 أكتوبر 1973
- تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة والمعدات.
- العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطور وإمكانيّات وقدرات القوات المسلحة.
- تنفيذ هذه المهام بواسطة القوات المسلحة المصريّة منفردة أو بالتعاون مع القوّات المسلحة السوريّة.
ساعة الصفر
في الساعة 1405يوم السبت 6 أكتوبر 1973 -10 رمضان، «يوم كيبور»، حدث الانفجار على الجبهتيْن المصريّة والسوريّة لتنفيذ العملية «بدر»، وهكذا بدأت الحرب العربيّة الاسرائيليّة الرابعة، وانطلقت القوات المسلّحة المصريّة جوا وبرا وبحرا لتنفيذ خطتها. وفي خلال ساعات أحكمت الطائرات المصريّة ضرب مواقع الرادار ومحطات التشويش الاليكتروني والمطارات ومراكز القيادة ومواقعها الحصينة في شرم الشيخ ومضيق تيران، وانفتحت فوهات 2000 مدفع لتدمير استحكامات العدو على الضفة الشرقيّة لهدم خط بارليف بواقع 1000 دانة مدفع كل دقيقة، واندفع مئات من الضفادع البشريّة لإطلاق خراطيم المياه لكي تذيب الجدار الرملي، وتحرّكت الزوارق المطاطيّة بآلاف الجنود المصريين وهم يعبرون القناة وأصواتهم تدوي «الله أكبر.. الله أكبر».
لقد هزمت حرب اكتوبر الكثير من المعتقدات والنظريّات لدى العسكريين وخبراء الاستراتيجيّة القوميّة في العالم. ودفعت الخبراء والمختصين شرقاً وغرباً إلى إعادة حساباتهم على الأسس التي رسّختها حرب أكتوبر، سواء في ما يتعلق بفن القتال واستخدام السلاح، أو في ما يختص بتكنولوجيا التسليح وتصميم الأسلحة والمعدات. وعلى المستوى الاستراتيجي استطاعت حرب أكتوبر 1973 أن تحطّم نظريّة الأمن الاسرائيلي وأن تهدم نظريّة الحرب الوقائيّة. وعلى المستوى التعبوي التكتيكي تغلّبت القوّات المسلحة المصريّة على أعقد مانع مائي ودمّرت أقوى الدفاعات والتحصينات، ودارت معارك عنيفة اشتركت فيها قوات بحجم ونوع لم يسبق حدوثه في المنطقة. أيضاً حقّقت المفاجأة ونجحت في خداع أحدث وسائل المخابرات. لذلك حفرت هذه الحرب مكانة بارزة في ذاكرة التاريخ العسكري. وهذا ما تؤكده شهادات المؤرِّخين وكبار القادة العسكريين في مختلف دول العالم، وتعليقات الصحافة والعديد من الكتب التي أرّخت لحرب اكتوبر المجيدة.
شهادة القادة الاسرائيليين:
شهادة جولدا مايير «رئيسة وزراء اسرائيل خلال الحرب»:
«إن المصريين عبروا القناة وضربوا بشدة قواتنا في سيناء، وتوغل السوريون في العمق على مرتفعات الجولان، وتكبدنا خسائر جسيمة على الجبهتيْن.. وكان السؤال المؤلم في ذلك الوقت هو ما إذا كنا نطلع الأمّة على حقيقة الموقف السيء أم لا في مجال الكتابة عن حرب يوم الغفران .. لا كتقرير عسكري بل ككارثة قريبة أو كابوس مروِّع قاسيت منه أنا نفسي وسوف يلازمني مدى الحياة».
شهادة موشي ديان «وزير الدفاع الاسرائيلي» في 9/10/1973م:
«إن الحرب قد أظهرت أنّنا لسنا أقوى من المصريين. وأن حالة التفوُّق والمبدأ السياسي والعسكري القائل بأن اسرائيل أقوى من العرب وأن الهزيمة ستلحق بهم.. هذا المبدأ لم يثبت. لقد كانت لي نظريّة هي أن إقامة الجسور ستستغرق منهم الليل بطوله، وأننا نستطيع منع الأمر بمدرعاتنا. ولكن تبيّن لنا أن منعهم ليس مسألة سهلة. ولقد كلّفنا إرسال الدبابات إلى جبهة القتال ثمناً غالياً جداً. فنحن لم نتوقع ذلك مطلقاً».
وفي تصريح له بتاريخ 8 أكتوبر 1973 قال: «إن خط بارليف كان مثل الجبن السويسري فيه من الثقوب أكثر ما فيه من السدود. إننا لم نفرح عندما حطمنا مئات الدبابات ولكن عندما سقطت خطة استحكاماتنا وفقدنا (30) دبابة في عملية واحدة أصيبت الأمّة الاسرائلية كلها بذهول»
وفي تصريح له في ديسمبر 1973 قال: «إن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال تعرضت له اسرائيل، وإن ما حدث في هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون وأظهر لنا ما لم نكن نراه قبلها. وأدى كل ذلك إلى تغيير عقليّة القادة الاسرائيليين».
من مذكرات حاييم هيرتزوج «رئيس دولة اسرائيل الأسبق»:
«إن حرب أكتوبر انتهت بصدمة كبرى عمّت الاسرائليين. ولم يعد موشي ديان كما كان من قبل، وانطوى على نفسه منذ ذلك الحين. لقد كان دائماً على قناعة بأن العرب لن يهاجموا وليس في وسعهم أن يهاجموا. وحتى في غمرة الاختراق المصري لم يعترف (ديان) بخطأ تحليلاته. لقد أصبح ديان شخصيّة على طراز (هاملت)، عرف الشك والتردُّد والعجز عن إنجاز القرار وفرض إرادته، وكانت تلك الحرب بداية النهاية لحكومات حزب العمل التي حكمت اسرائيل لمدة خمس وعشرين سنة حتى ذلك الحين، تماماً مثلما كانت الحرب سبباً في إحداث تغييرات فكريّة في عمليّة القيادة الاسرائيليّة التي بدأت تبحث عن طريق جديد وسياسة واقعيّة في التعامل مع المشكلة عبر الحلول السياسيّة».
الجنرال فارار هوكلي «مدير تطوير القتال في الجيش البريطاني»:
«إن الدروس المستفادة من حرب أكتوبر تتعلق بالرجال وقدراتهم أكثر مما تتعلق بالآلات التي يقومون بتشغيلها، فالإنجاز الهائل الذي حقّقه المصريون هو عبقريّة ومهارة القادة والضباط الذين تدربوا وقاموا بعمليّة هجوميّة جاءت مفاجئة تامة للطرف الآخر، رغم أنّها تمّت تحت بصره. وتكملةً لهذا أظهر الجنود روحاً معنوية عالية وجرأة، كانتا من قبل في عداد المستحيل».
الجنرال الفرنسي ألبرت ميرجلين، بالندوة الدوليّة عن حرب أكتوبر بالقاهرة:
«كان كافة الخبراء العسكريين والمسؤولين السياسيين واثقين من أن العرب لن ينجحوا أبداً في مباغتة الجيش الاسرائيلي، وكانت الأدلّة المبرّرة لذلك كثيرة ومتنوِّعة، على عكس ما حدث في حرب أكتوبر.
أولاً كانت هناك ثقة بالغة في أجهزة المخابرات في العالم.. خاصة التي كان يُقال عنها أنها من أفضل أجهزة المخابرات في العالم، وكان معلوماً للجميع أن الأجهزة الأمريكيّة الخاصة على صلة وثيقة بها. ثم إن مناطق الاحتكاك الخطيرة التي هي مراقبة باستمرار تتميز بأبعادها الصغيرة. لقد كان باستطاعة طائرات الاستطلاع والأقمار الاستطلاعيّة الأمريكية أن تصوِّر كل العمق في المناطق العربيّة الخلفيّة. ونادراً ما تجتمع مثل هذه الظروف الصالحة لمراقبة جهات معادية. ولهذا بدا عنصر المباغتة مستبعداً، خاصة وأن عائقاً
صناعياً من الصعب اجتيازه هو قناة السويس يحمي الخط الاسرائيلي الأول ويتيح مقاومة سهلة وفعالة..
لقد كانت المفاجأة العربية في الساعة الثانية من ظهر يوم 6 اكتوبر 1973 وحدث ما كان غير متوقع، على عكس التأكيدات المنافية من جانب كافة رجال السياسة والخبراء العسكريين والصحفيين والمتخصصين في كافة البلاد.
من أقوال الصحف العالميّة والاسرائيليّة عن حرب أكتوبر:
- (لقد غيّرت حرب اكتوبر - عندما اقتحم الجيش المصري قناة السويس واجتاح خط بارليف - مجرى التاريخ بالنسبة لمصر وبالنسبة للشرق الاوسط بأسره.
«صحيفة الديلي تلغراف البريطانية - 7/10/1973م»
- (لقد محت هذه الحرب شعور الهوان عند العرب وجرحت كبرياء اسرائيل)
«صحيفة ديلي ميل البريطانية- 12/10/1973»
- (إن الاسبوع الماضي كان أسبوع تأديب وتعذيب لاسرائيل، ومن الواضح أن الجيوش العربية تقاتل بقوة وشجاعة وعزم، كما أن الاسرائيليين تملكهم الحزن والاكتئاب عندما وجدوا أن الحرب كلفتهم خسائر وأن المصريين والسوريين ليسوا كما قيل أنهم غير قادرين من على الهجوم)
«صحيفة الفينانشال تايمز البريطانية - 11 اكتوبر 1973»
- (لقد اتضح أن القوات الاسرائيلية ليست مكونة كما كانوا يحسبون من رجال لا يقهرون. إن الثقة الاسرائيليّة بعد عام 1967 قد بلغت الغطرسة الكريهة التي لا تميل إلى الحلول الوسط. وهذه الغطرسة قد تبخرت في حرب أكتوبر. وذلك يتضح من التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الاسرائيليين بمن فيهم موشي ديان نفسه).
«صحيفة ديلي ميل 12 اكتوبر 1973»
- (واضح أن العرب يقاتلون ببسالة ليس لها مثيل. ومن المؤكد أن عنف قتالهم له دور كبير في انتصاراتهم. وفي نفس الوقت ينتاب الاسرائيليون إحساس عام بالاكتئاب لدى اكتشافهم الأليم الذي كلفهم كثيراً. إن المصريين والسوريين ليسوا في الحقيقة جنوداً لا حول لهم ولا قوة. وتشير الدلائل الى أن الاسرائيليين كانوا يتقهقرون على طول الخط أمام القوات المصرية والسورية المتقدمة).
«صحيفة التايمز البريطانية -11 اكتوبر 1973م»
- (لقد سادت البلاد قبل حرب أكتوبر مشاعر خاطئة، هي شعور صقورنا بالتفوق العسكري الساحق لدرجة أن هذا الاعتقاد قادهم الى طمأنينة عسكريّة على طريقة: سنقطعهم إرباً إذا تجرأوا على رفع أصبع في وجهنا).
«صحيفة علهمشمار الاسرائيلية- 29 اكتوبر 1973م».
- (إننا حتى يوم وقف إطلاق النار على جبهة سيناء لم نكن قد استطعنا إلحاق الضرر بالجيش المصري. ومن المؤكد أنّه حتى بدون التوصل الى وقف القتال لم نكن سننجح في وقف أو تدمير الجيش المصري. وبهذا يمكن القول أننا خلال حربنا الرابعة مع العرب لم نحقق شيئاً).
«صحيفة ها ارتس الاسرائيلية 8 نوفمبر 1973».
هذه هي حرب أكتوبر التي زلزلت الكيان الاسرائيلي خاصة والعالم الأوربي الذي يقوم بحماية هذا الكيان المغتصب الذي لا يخضع للقوانين الدوليّة ولا يرتدع بالمجتمع الدولي. فقد أصاب الكيان الصهيوني الغرور بعد انتصاره في حرب 1967 وظن أن العرب قد يئسوا من النضال والقتال من أجل تحرير أراضيهم المغتصبة. وكانت الطامة الكبرى أو البركان المدمر الذي حاق بهم في «يوم كبيور».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.