السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان فإنه كان على حق لأن ذلك التوقيع كان فرصة لوقف حرب ضروس أكلت الأخضر واليابس، بيد أنه اليوم على حق كذلك حينما يتساءل عما إذا كان ذلك التوقيع مجرد فرصة لالتقاط الأنفاس ومرحلة "تمرين نفسي" للقبول بالانفصال الآن. يذهب المحللون مذاهب شتى في الجواب على هذا التساؤل، ويسلكون طرائق مختلفة في تحديد العوامل التي ترجح كفة خيار الانفصال أو الوحدة، ومن يتحمل مسؤولية الانفصال إن وقع تمرين بطيء المحلل السياسي والكاتب الصحفي بجريدة الأيام السودانية تاج السر مكي ينفي أن تكون نيفاشا تدريبا نفسيا بطيئا على الانفصال، ويرى أنها "كانت بذرة وحدة من حيث أهدافها العامة وخاصة لدى طرفها الأصيل، الحركة الشعبية" التي دعت إلى "مشروع السودان الجديد" القائم على التعددية وعدم هيمنة الشمال. ويشيد مكي في تصريح للجزيرة نت بالاتفاق الذي حقق هدفه بوقف الحرب وسمح بتقرير المصير للجنوبيين، والذي أفسده المؤتمر الوطني -بحسب رأيه- بتلكؤه في إجازة ما تسمى قوانين التحول الديمقراطي ومنها قانون الأمن العام وقانون الصحافة والمطبوعات والقوانين الجنائية وكذلك قانون النقابات، وهو ما منع الأحزاب السياسية من الاتصال بجماهيرها. بيد أن القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم ربيع عبد العاطي ينفي أن يكون حزبه أفرغ الاتفاقية من مضمونها، ويرى أن الحركة الشعبية هي من ماطل في قبولها بالهياكل التنفيذية التي أقرتها الاتفاقية، كالمفوضيات واللجان المشتركة والقوات المشتركة وترسيم الحدود والانسحاب جنوبا، وذلك بمعارضتها كل ما يطرح ثم العودة لاحقا للقبول به. ويقول عبد العاطي في تصريح للجزيرة نت إن ذلك كان ناتجا عن "عدم تماسك في مراكز اتخاذ القرار في الحركة"، التي "عجزنا أن نفهم رأيها وفي أي اتجاه تسير ومن يتخذ القرار فيها". وحدة جاذبة وبحسب القيادي في المؤتمر فإن حزبه عمل جادا من أجل وحدة جاذبة بل تخلى في أحيان كثيرة عن جوانب من السيادة كالسماح لحكومة الجنوب بالقيام ببعض المهام الاتحادية كإصدار التأشيرات من مكاتب الاتصال التابعة لها في بعض الدول، وذلك كله من قبيل "ادفع بالتي أحسن". من ناحيته يرى المحلل السياسي ومدير جامعة أفريقيا العالمية الدكتور حسن مكي أن اتفاق نيفاشا "وضع السودان على مفترق طرق"، وإن كان في ديباجته دعا الطرفين للعمل على وحدة جاذبة. وبحسب حسن مكي فإن "الاتفاق كان عتقا للجنوبي مما كان يتوهمه من أن الشماليين يمارسون وصاية عليه وأنه مواطن من الدرجة الرابعة". بذرة قديمة أما المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين حسن علي الساعوري فيرى أن نيفاشا لم يكن بذرة للانفصال ولا لتقرير المصير، وإنما كان "مسايرة" لمؤتمر القضايا المصرية 1995 في أسمرا والذي اشتركت فيه كل قوى المعارضة حينها وأجمعت على ضرورة الاستفتاء لتقرير مصير الجنوبيين. من ناحيته يعتقد تاج السر مكي أن الولاياتالمتحدة حينما صاغت نصوص الاتفاقية ورعتها، فإنها كانت مقتنعة أصلا بضرورة وحدة السودان لشعورها بأن تلك الوحدة هي السبيل للاستقرار الذي هو المدخل الوحيد للاستثمار. بيد أنها -بحسب رأيه- بدأت تقتنع مؤخرا بأن الانفصال قائم لا محالة، فما الذي سيحمله يا ترى ذلك التغيير في الموقف الأميركي لمستقبل السودان ووحدة أراضيه إن كان ثمة تغيير؟