وقف صالح حائراً وهو ينظر إلى طفلته الصغيرة وقد ارتفعت درجة حرارتها وهي ترقد على كتفي والدتها في هدوء أمام بوابة عيادة ذلك الطبيب المشهور ،فقد أصبح من العسير على صالح ذي الامكانيات المحدودة أن يقابل بطفلته ذلك الطبيب بعد أن حال دونه ارتفاع سعر مقابلة الطبيب في العيادة بعد ان تجاوزت 100 جنيه، في وقت كان فيه صالح متأكداً بأنه لن يستطيع ملاقاته في المستشفى العام رغم علمه بأنه يعمل هناك. ولم يكن أمام صالح سوى البحث عن المال الذي يمكن بواسطته ان يعرض طفلته على الطبيب الاختصاصي كما طلب منه الطبيب العمومي في المستشفى العام. لم تكن معاناة صالح سوى واحدة من حلقات ارتفاع الأسعار التي بات يواجهها المواطنون في مرافق متعددة عامة وخاصة تتحدد فيها الأسباب وتبقى النتيجة واحدة ولا أحد يتدخل للتغيير، غير كثير من أصحاب العيادات الخاصة كانت لهم وجهة نظر في الامر عبر عنها نقيب الاطباء والمتحدث باسمهم البروفيسور عبد العظيم كبلو في رده على تساؤل الصحافة عن هذا الشأن فقال«إن ارتفاع الاسعار قد يشمل كل الجوانب في الحياة اليومية المحيطة بالطبيب وبالتالي فقد زادت المنصرفات والأعباء نتيجة لهذه الزيادة لذلك كان لابد أن ترتفع الاسعار المقررة لزيارة الطبيب في العيادات الخاصة. ولكن ما ذهب إليه نقيب الأطباء لم يكن الرأي الغالب عند جميع الأطباء فقد كان لبعضهم رأي آخر كما ذكر الدكتور الفاتح عثمان والذي يمارس نشاطه التطبيبي بجانب العمل في المستشفى الحكومي في عيادة بأحد الأحياء الشعبية ،ولخص الرؤية حول الموضوع في تجربته الشخصية حينما قال لي: لا اعتقد ان هنالك مبررات مقنعة لأن يزيد الأطباء أسعار المقابلة فالرسوم المفروضة على العيادات من قبل المحليات والضرائب والزكاة لم تزد حتى الآن. ولكن من الممكن أن يكون هنالك مجموعة من الأطباء ترى أن الزيادات التي تشهدها الأسواق والحياة العامة مبرراً مقنعاً لأن يرفع هؤلاء الأطباء المقابل تجاه الخدمة التي يقدمونها للمرضى ،وأنا من هذا الاتجاه كطبيب وصاحب عيادة خاصة لأن العيادات الخاصة كاسم عمل لم تفرض عليها رسوم من قبل السلطات الحكومية حتى الآن .ولكن الدكتور كبلو كان له رأي آخر في تقديرات هذا الأمر حينما سألته عن السقف الذي تتعامل به عيادات الأطباء في تحديد رسوم مقابلة الأطباء فيها ودور الاتحاد في تحديد هذا السقف فقال لي: ان الأمر في العيادات متروك للأطباء أنفسهم في تقدير هذه الرسوم وليس للاتحاد دور في تقدير هذه الأسعار وهو أمر شاع كما لكل المهن والسؤال الذي نطرحه نحن الاطباء هنا هل هناك شخص يحدد لمكاتب المحامين رسوم التوثيق للعقود ولأعمال الأخرى أم الأمر متروك لتقدير الشخص وكذلك الأمر بالنسبة لمكاتب المهندسين في اعداد النماذج المعمارية للمباني ،إن الأمر متروك لتقدير الشخص للجهة التي تتخذ العمل وهذا الامر ينطبق على الأطباء وهو يندرج تحت سياسة السوق الحر والعرض والطلب. ثم شئ يفرض نفسه بين أحاديث من لهم علاقة بالامر من المرضى أو الاطباء من مقدمي الخدمات العلاجية في العيادات الخاصة عن المترددين على هذه العيادات الخاصةونسبتهم من العدد الكلي الذي يتردد على المرافق العلاجية العامة الخاصة ،وقد طرحت هذا التساؤل على الدكتور كبلو نقيب الاطباء فقال: ان عدد المرضى المترددين على المؤسسات العلاجية الخاصة لا يتجاوز 1% من جملة المرضى الذين يتوافدون على المؤسسات العلاجية العامة والخاصة ولذلك فان التركيز على حل المشاكل في المؤسسات العلاجية العامة يعتبر هو الأهم ويحتاج إلى تركيز أكثر من القطاع الخاص. وعلى الرغم من أن تقديرات اتحاد الاطباء في تحديد عدد المترددين على القطاع الخاص للعلاج في حدود 1% إلا ان هذا لا يُبعد أن الارتفاع الاخير في الاسعار افتقد الى ما يستند عليه سوى الارتفاع عبر نظرية العرض والطلب، والتأثر بحركة السوق التي شملت كل شئ ولكن اصحاب المؤسسات العلاجية الاخرى من مستوصفات ومستشفيات خاصة لم يشاركوا في هذه الزيادات كما ذكر لي مختار مكي صاحب احدى المستوصفات الخاصة بالخرطوم حين قال: أنا لا اعلم بأن هنالك مستوصفات خاصة قامت بزيادة الأسعار فيها بل ان البعض منها يعمل الآن على تقليل أسعار المقابلات المتكررة للمرضى في المستوصفات تتنافس في تقديم الخدمة ولذلك كان التقليل أصبح أحد أدوات جذب لطالبي الخدمات العلاجية بجانب ان خدمة التأمين الصحي عبر نوافذه المختلفة جذبت ما يصل إلى 80% من سكان العاصمة والولايات تسير في نفس الاتجاه وهذا يعني تقديم الخدمات العلاجية بسعر أقل. وقد ذهب معه في نفس الاتجاه سيد أحمد صالح المدير العام لمستشفى خاصة وقال لي: نحن لم نقم بالزيادة في الرسوم المقدمة على الخدمات داخل المستشفى منذ اربع سنوات مضت. فالأمر يخضع لعدد من التقديرات الخاصة بالخدمة العلاجية ولا نلجأ لزيادات وحتى وان كانت مبررة وتفرضها ضرورات تقديم الخدمة العلاجية الدقيقة في كثير من الحالات، غير ان المؤسسات العلاجية الخاصة بدأت هي الأخرى تحكي مجموعة من الصعوبات التي تعوق تقدمها وتجعلها تبحث عن حلول يكون في مقدمتها الزيادة في رسوم تقديم الخدمة كما ذكر لي أحد المسؤولين عن مستشفى خاص بالخرطوم رفض ذكر اسمه قال لي ان هنالك أسباب عديدة تجعل الكثير من المستوصفات تزيد أسعارها وهي الرسوم التي تفرض بشكل دائم وبصورة غير منطقية للمستشفيات الخاصة تعامل فاتورة الكهرباء فيها بصورة أعلى من القطاع الصناعي والقطاع التجاري وتفرض عليها العوائد على قيمة السرير داخل المستشفى وتصل إلى 01 جنيهات للسرير في بعض المستوصفات، وقد ارتفعت رسوم الخدمات خلال عام بمعدل الضعف وكذلك الرسوم على النفايات وكذلك الضريبة على المهن الطبية والتي تصل إلى 5%. هذه جميعها أسباب تجعل كثيراً من المؤسسات العلاجية الخاصة مضطرة الى زيادة الأسعار، ولكن ما ذهب إليه أصحاب المؤسسات العلاجية أضاف إليه الأطباء في العيادات الخاصة أمراً آخر حينما قال لي الدكتور كبلو ان الأطباء في العيادات الخاصة يعانون كثيراً من تعدد الجهات التي تفرض الرسوم وهذا امر مرهق ويذهب بالكثير من الوقت، واعتقد ان العيادات الخاصة هي وسيلة لاختصار كثير من وقت المرضى في المستشفيات العامة. وان كانت بأسعار أعلى عموماً فالطبيب لا يستطيع ان يقدم مجهوداً اذا لم يجد العائد الذي يغطي احتياجاته فالطبيب الاستشاري في وزارة الصحة لا يتجاوز راتبه (1.300) جنيه وهو أعلى درجة في التقدير الوظيفي للطبيب وطبيب الامتياز الذي يكون في بداية الطريق لا يتجاوز راتبه (500) جنيه وهو يفصل من العمل بمجرد حصوله على درجة الطبيب العمومي ليأخذ وصفاً وظيفياً آخر ويظل في حالة فصل في كل مرحلة يزيد فيها من تخصصه وقد يكون في حالة عطالة عن العمل لحين ايجاد موقع له فالنظام الخاص بتوظيف الاطباء يحتاج الى معالجات تتناسب وطبيعة المهن فليس من العدل ان يطلب من شخص تقديم خدمة وهو لا يملك قوته أو يغطي احتياجاته وليس امامه طريق سوى العيادات الخاصة وزيادة الأسعار لمقابلة ظروف الحياة. ويبدو أن واقع الحياة بوتيرتها الحالية بدت ترسخ نماذج تحتاج الى كثير من التعديل والتقويم في مؤسسات ومهن كنا نظن انها خرجت من المحراب لا يشوبها شئ، لكن ما طرأ يحتاج الى جهد كي يغير لها نفس الطريق فنظام التوظيف للأطباء يحتاج لمراجعة قبل محاسبة الأطباء ومعالجة الأوضاع في مستشفيات القطاع العام يسبق الوقوف عند بوابات المستوصفات الخاصة.