بدأ تحالف من محامي حقوق الإنسان والأكاديميين ومنظمات غير حكومية رائدة انتقادهم صراحة لاختصاص وسلوك مدعي المحكمة الجنائية الدولية أرجنتيني الجنسية لويس مورينو أوكامبو. وثار قلقهم عقب إعلانه الشهر الماضي سعيه لأمر اعتقال ضد الرئيس السوداني بسبب الإبادة الجماعية وعقب انهيار المحاكمة الأولى للمحكمة التي استمرت خمسة أعوام. ويخشى أنصار المحكمة من أن أسلوب إدارة مورينو أوكامبو يعمل على تقويض مصداقية المحكمة وقدرتها على مقاضاة أولئك المسؤولين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وقد كان أوكامبو متهماً باستعداء كبار الموظفين كما كان متهماً بسوء قراءة الوضع في السودان حيث دعا أحد الأكاديميين المحكمة أن تنظر في طرده من الخدمة. وقد امتزج هذا القلق بالطريقة التي فصل بها مورينو أوكامبو مستشاره الإعلامي الذي طرح شكوى ضده بسبب سوء السلوك الجنسي الذي مارسه أوكامبو مع صحفية من جنوب إفريقيا، ولكن الشكوى التي أنكرها أوكامبو والمرأة المتورطة معه استبعدتها المحكمة باعتبارها تهمة غير مؤسسة بصورة واضحة. ولكن محكمة تابعة لمنظمة العمل الدولية كافأت الشهر الماضي المستشار الإعلامي كريستيان بالمي بمرتب سنتين باعتباره تعويضاً مقابل الفصل الخطأ وكذلك 25000 يورو «19700 جنيه أسترليني» مقابل الضرر الأخلاقي حيث اكتشفت محكمة منظمة العمل أن المدعي لم يتبع الإجراء القانوني وأنه تعدى بصورة خطيرة على حقوق بالمي. ومن المرجح أن تدعو المنظمات غير الحكومية التي تؤيد المحكمة إلى وسيلة مراقبة جديدة نتيجة ذلك. ورفض أوكامبو الذي كان يتحدث إلى صحيفة القارديان الانتقادات التي تقول إنه منحاز حيث قال إنه يؤمن بالإجراء القانوني ودافع عن الطريقة التي عالج بها القضيتين الجداليتين. لقد كان هناك تذمر صامت داخل مجموعة حقوق الإنسان حيال المدعي على مدى عامين، فلقد تم انتخابه بالإجماع للوظيفة عام 2003 من قبل أكثر من 70 موقعاً على معاهدة روما التي أنشأت المحكمة أمام المعارضة الشرسة من قبل إدارة بوش. وقد بلغ المدعي الشهرة في أوج «الحرب القذرة» التي شنتها العصبة الأرجنتينية المسيطرة على الحكم ضد خصومها بين عامي 1976 و1983. فمن وظيفة كاتب بمكتب المدعي العام أقحم إلى دائرة الضوء وعمره 31 سنة عام 1984، وأصبح في السنة التي تلت انهيار النظام العسكري مدعياً صغيراً في المحاكمة التاريخية لكبار الرموز المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تضمنت اختفاء 30000 شخص. ومن ثم تم تعيينه مدعياً عاماً في بوينس آيريس حيث اشترك في محاكمة ضباط الجيش المسؤولين عن حرب جزر الفوكلاند عام 1982 وأولئك الذين أثاروا الانتفاضات العسكرية في الثمانينيات. لقد وجد أوكامبو الثناء من البعض، فجيوفري روبرتسون الذي جلس قاضيَ استئناف في المحكمة الخاصة بسير اليون وصفه بأنه «محامٍ يقظ ومحترم وذو سجل رائع في مقاضاة الجنرالات الأرجنتينيين اللاإنسانيين». لكن تحولاً كبيراً للموظفين مخبوري التجربة بدا ينظر إليه باعتباره عرضاً للمشاكل الضمنية، فقد قال ريتشارد ديكر مدير برنامج العدالة الدولية في منظمة مراقبة حقوق الإنسان: (نحن قلقون بشأن ظاهرة الحرق التي تحدث وسط المحققين ذوي التجربة الذين غادروا المكتب منذ عام 2005 فببساطة لم يكن هناك ما يكفي لمعالجة مطالب هؤلاء المحققين وهناك فهم بأنه جهودهم لم تقيم تقييماً كافياً). لكن أحداث الشهر الماضي هي التي أثارت النقاد، فأولاً كان هناك حكم صدر مسبقاً ضد أوكامبو حيث أمر هذا الحكم بإطلاق سراح أول متهم جرائم حرب يمثل أمام المحكمة، فقد حكم القضاة بأن الجنرال العسكري الكونغولي توماس أوبانقا لم يحظ بمحاكمة عادلة لأن المدعي استخدم خطأً الاتفاقات السرية لمنع البينة التي ربما تشير إلى براءته حول الاتهامات بتجنيد الأطفال. وقال مورينو أوكامبو: (أنا لا اتفق مع القضاة فلديَّ قضية قوية وهذا هو السبب الذي يجعلني استأنف الحكم). ومن ثم أعلن في الشهر الماضي سعيه لأمر اعتقال ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير بسبب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب للخمس سنوات من الذبح والنهب في دارفور. لقد كان قراراً تاريخياً وهو أول قرار ضد رأس دولة يؤدي مهامه وغير طبيعي لأن الأوامر في العادة تعلن فقط مجرد أن وافق ديوان المحاكمة المسبقة رسمياً. وقد شجبت الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي القرار في الحال وعارضته الصين حليفة السودان. وقال أليكس ديوال الأكاديمي البريطاني الذي انتدب سابقاً لفريق وساطة الاتحاد الإفريقي في دارفور: (لقد خرجت من المؤتمر الصحفي وأنا في حالة من الصدمة، لقد رسم أوكامبو صورة لا يعترف بها دارس، فهو أساساً ينادي بتغيير النظام وهو يصدر بياناً سياسياً ومن المذهل أن يأتي من المدعي الرئيس للمحكمة الجنائية الدولية). إن المدعي وهو يطرح قضيته بمفردات صارخة كهذي يجعل من السهل على منتقديه أن يرفضوه باعتباره سييء الاطلاع وتحركه رغبة للشهرة وأنه يجعل من الصعب على محامي العدالة في دارفور أن يواصلوا التحدي لمحاسبة أولئك المسؤولين عن الجرائم على أنهم ليسوا أقل فظاعة من الإبادة الجماعية. لقد وصف أنطونيو كاسيسي رئيس لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة حول دارفور التي رفضت تهمة الإبادة الجماعية هذا القرار بأنه «مربك». ويقول مارك كلامبيرغ الأكاديمي السويدي الذي يعمل في المحكمة إن المحكمة يجب أن تنظر في إعفاء المدعي. إن مورينو أوكامبو يعتقد أنه فعل الشيء الصحيح، حيث قال: (لا يمكنني اختيار الطريق السهل، فلا أحد يعلم ما هي بينتي، فدعوا القضاة يقرروا). سيف الدين عبد الحميد :الصحافة