لم يكن تخريجاً عادياً ذلك الذي اتخذ من مبني الأكاديمية العسكرية العليا الفخيم صبيحة أمس، مسرحاً له. فرغم استهلاك وصف بهيج، وإلحاقه بكثير من الفعاليات المماثلة حتى وإن لم تكن كذلك، إلا أن ذلك الوصف ينطبق تماماً على الاحتفال الاستثنائي المزدوج لتخريج دورة زمالة الإدارة العليا رقم (1) وافتتاح مبنى الأكاديمية العسكرية العليا بأم درمان في حضور الرئيس عمر البشير الذي بدا أمس على درجة عالية من الارتياح وهو يرى و يتابع تفاصيل الاحتفال الذي رُتِب له على نحو لافت فيما يبدو، ارتياح ربما كان مبعثه أنه كان ذات يوم أحد الخريجين من ذات الدورة والحاصلين على ذات شهادة الزمالة. اقتسم الترتيب للاحتفال وزارات الدفاع ومجلس الوزراء و تنمية الموارد البشرية. حيث أخذ نحو (450) دارساً من زمالة الإدارة العليا مواقعهم في إحدى القاعات جيدة التأثيث وهم يضعون على أجسادهم (روبات تخرج) تقاسم ارتداءها معهم بالأمس الرئيس البشير والوزير كمال عبد اللطيف، بعد أن وضعوا على، أو بالأحرى في رؤوسهم الكثير من المعارف التي اكتسبوها خلال الفترة الماضية. البشير.. التغيير في حديثه أمام خريجي دورة زمالة الإدارة العليا رقم (1) صبيحة أمس أكد الرئيس عمر البشير من جديد أن الاهتمام بالقيادات العليا والوسيطة كان هدفاً مدروساً لأن القيادة الواعية والمدركة لمسؤولياتها والمستشعرة لعظيم دورها في التغيير هي التي تصنع التاريخ. وأضاف موجهاً حديثه للخريجين: (لذلك فقد أردنا أن تكون البداية بكم، وكلنا ثقة في أنكم أهل لهذه المسؤولية وقادرون على القيام بواجب التغيير بحنكة واقتدار). وأشار البشير لتعويله أكثر فأكثر على الإنسان السوداني في قيادة التغيير ولذلك وجه بأن تشتمل الخطة الخمسية الثانية للدولة التي يجري الإعداد لها حالياً على خطة متكاملة لتنمية الموارد البشرية تستوعب مطلوبات التغيير القائمة على كفاءة المؤسسات وفاعلية القيادات حتى تتم إعادة بناء الخدمة العامة على قيم جديدة أساسها المسؤولية والكفاءة والأمانة لتعمل مع بقية أجهزة الدولة على استكمال برنامج النهضة ولتكون أجهزة الدولة خادمة للمواطن لا سيدة عليه. على كلٍ، استخدم الرئيس البشير بالأمس كلمة تغيير أكثر من مرة. وتبدو المفارقة واضحة من استخدام هذه الكلمة في الداخل، واستخدامها في الدول التي شهدت ما يعرف بالربيع العربي، فالتغيير هناك يقوده الشارع، أما هنا فيبدو أن الرئيس بنفسه هو من يقود التغيير من أجل أن تكون أجهزة الدولة خادمة للمواطن لا سيدة عليه. ويظل المواطن سيد نفسه. كمال عبد اللطيف.. جني الثمار لما كانت قضية التدريب وبناء القدرات بالخدمة القومية تشكل واحدة من أولويات وزارة تنمية الموارد البشرية، فقد كان من الطبيعي أن يكون هناك شعور بالرضاء عندما تجنى الوزارة ثمرة تدريب بهذا الحجم غير المسبوق المتمثل في تخريج (450) دارساً في دورة زمالة الإدارة العليا رقم (1) بعد أن ظلت تجني ثماراً أخرى، نضجت بعد عام ونيف من الغرس المدروس. الوزير كمال عبد اللطيف، قدم كلمة ضافية في حفل التخريج وقد قاطعة الحضور غير ما مرة بالتصفيق من فرط استحسانهم لما جاء فيها من أفكار وعبارات منتقاة ضخت شيئاً من الدفء في قاعة التخريج شديدة التكييف. وقد أحصى عشر ميزات لم تكن متوافرة في ما سبق من دورات وهو الأمر الذي وفّر حيثيات معقولة لوصفه لتخريج دارسي زمالة الإدارة العليا يوم أمس، بالحدث التاريخي غير المسبوق فيما وصفه الرئيس بيوم من أيام الله المباركات. شكر الوزير كمال كلاً من وضع بصمة في مسار إنجاح مسيرة إنجاح وزارة تنمية الموارد البشرية التي لا تهدأ.. فما أن تنجز ملفاً ما، حتى تنتقل لآخر بحيوية شباب يمثلون غالبية موظفيها. وبوفاء نادر لم يغفل الوزير حتى الجنوبيين الذين غادروا الوطني، والوطن نفسه مثل ألسون مناني مقايا وداك بيشوب. وبالطبع لم ينس شكر الإعلاميين الذين يعتبرهم شركاء أصيلين في ما تم من نجاح. وباسم الخدمة المدنية المنتشرة في كافة أصقاع البلاد، قدم تعهدات بأن يكونوا حرباً ضروساً ضد الفساد والمفسدين وسيفاً بتاراً فى يمين الرئيس ليبتر به كل يدٍ تمتد بالسوء للمال العام وليقطع به كل عنق يتطاول على حقوق ومكتسبات أهل السودان. وكان كمال عبد اللطيف قد تغزل على نحوٍ صريح في القوات المسلحة السودانية التي تستحق، وأكثر. مشيراً إلى اشراقاتها التي أضاءت قامتنا جميعاً. افتتاح في أرض المعركة على مقربة من جسر الإنقاذ، وفي تلك المنطقة التي شهدت هزيمة قوات العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم رغم سلاح العقيد القذافي الذي ارتد إلى نحره مؤخراً، نهضت الأكاديمية العسكرية العليا تتويجاً لمسيرة من التطور على مدى تاريخ القوات المسلحة وذلك بهدف تأهيل وتنمية القدرات ومهارات كبار ضباط القوات المسلحة وكبار قادة الخدمة المدنية، وزيادة الوعي بقضايا الإستراتيجية والأمن الوطني إلى جانب المساهمة في كل ما يتعلق بالدراسات العسكرية العليا والبحث العلمي، وتمنح الأكاديمية العسكرية العليا درجات علمية عديدة منها زمالة كلية الحرب لخريجي كلية الحرب العليا الذين اجتازوا دورة الحرب العليا، وزمالة كلية الدفاع الوطني إضافة إلى ماجستير الدراسات الإستراتيجية وزمالة الأكاديمية العسكرية العليا للذين اجتازوا دورتي الدفاع الوطني والحرب العليا. وتضم مباني الأكاديمية مبنى رئاسة الأكاديمية وأماكن سكن للدارسين وقاعات دراسية فخيمة وقاعة وملعباً للألعاب الرياضية وغير ذلك من المباني التي جعلت الأكاديمية بادية الوسامة والجمال. الزمالة.. قرار وزاري في العام 2008م بدأت الدولة تفكر جدياً فى تحقيق نقلة مهمة بالتوسع الأُفقي في إعداد القادة التنفيذيين بالدولة وأجهزتها القومية والولائية من خلال الأكاديميات الوطنية القائمة. وقاد هذا التفكير الاستراتيجي لتبنى نوع جديد من التدريب والتأهيل للقيادات العليا بالدولة أطلق عليه زمالة الإدارة العليا بهدف توفير بيئة تدريبية صالحة تجمع القيادات العليا بالدولة للتزود بالمعارف والمهارات والسلوكيات الإيجابية وتبادل الآراء والأفكار والتجارب فى مختلف قضايا التنمية وذلك لزيادة الوعي بوظائف الدولة الرئيسة ودولاب العمل الحكومي وتوجيه وتنسيق وإدارة عمليات التنمية بكفاءة وفاعلية. يقوم برنامج زمالة الإدارة العليا على العديد من المحاور التدريبية التي تناقش وتعالج الكثير من القضايا الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتأصيلية تصب جميعها في إعداد رصيد قومي من الكفاءات القيادية العليا لقيادة سفينة التنمية فى مختلف المواقع الاتحادية والولائية بالبلاد. حيث يتوقع أن يُسهم الخريجون من هذه الدورة في تنمية قيادات الخدمة المدنية فيما يتصل بالأساليب الحديثة والمعرفة المهنية وتطوير اتجاهات وسلوكيات الإدارة وتشكيل وعي متقدم لدى هذه القيادات يمكنها من التطوير وتقويم ومراجعة الأداء وإحداث التغيير الإيجابي المنشود وصولاً لما فيه خير البلاد. وقد أصبح الحصول على الزمالة شرفاً يحرص الجميع عليه بعد أن أصبحت تمنح بقرار مجلس الوزراء كما حدث أمس عندما مُنح كل الدارسين المتخرجين زمالة الإدارة كدليل كفاءة يؤهل للتنافس والترقي من الدرجة الرابعة فما فوق.