على غير ما كان يتوقعه الكثيرون من تجمع كنانة، الذي يبدو انه سيحمل في طياته الكثير من المفاجآت في سبيل سعيه لحلحلة القضايا العالقة في الملف الدارفورى، وبدأ ذلك من خلال تعهد الرئيس البشير في فاتحة أعمال ملتقى أهل السودان بإسترداد ملف دارفور من الخارج، وهو إسترداد يدرك المؤتمرون الثمن الذي ينبغي دفعه مقابل هذه العودة التى ظل يترقبها الجميع، بعد أن استعصى الملف على الوسطاء الدوليين لطيه بصورة نهائية تجلب سلاماً يغير كثيراً من شكل الصورة الكئيبة التى رسمتها الحرب في وجوه قاطني الإقليم. ويبدو ان المؤتمر الوطني قد أدرك أهمية ضرورة إسترداد الملف من الخارج، في وقت بدأ فيه مستعداً لتقديم التنازلات التى تسهم في ذلك، والتي يبدو ان المدخل لها سيكون عبر تعديل الإتفاقيات «أبوجا، نيفاشا» لإعادة المحاصصة بشكل يتم فيه ترضية أهل الإقليم الذين يطالب الكثير منهم بتمثيل الإقليم في مؤسسة الرئاسة، وتحديداً منصب نائب الرئيس الذي احتكرته نيفاشا للمؤتمر الوطنى. دلائل مجريات الحوار بكنانة تشير الى أنه يمضي وفق حسابات كثر للتنازل عن المنصب لصالح الإقليم، ولكن المؤتمر الوطنى بحسب مراقبين يسعى أن يتم ذلك من خلال فتح الإتفاقيات لدفع شريكه الآخر الحركة الشعبية، النظر كذلك في حصتها في السلطة مقابل طى أزمة الإقليم التى تتطلب معالجتها حقائب أخرى خلاف منصب نائب الرئيس. ويشير مراقبون الى ان المؤتمر الوطنى بدأ اكثر سعياً إتجاه تلك التنازلات بعد تعقيد القضية دولياً ودخول المحكمة الجنائية الدولية طرفاً فيها بإجراءاتها المدونة ضد رئيس الجمهورية، ويمضون الى أن المؤتمر الوطني يريد أن لا يظهر بموقف الضعيف عند تقديمه لتلك التنازلات، لذا سعى الى إطلاق مبادرة أهل السودان ليجد من خلالها اللافتة التى يمكن ان تظهره بتلبية موقف الجماعة أكثر من كونها لضعف فيه. يبدو أن أبوجا لم تكن بعيدة عن مراجعة الإتفاقيات التى أشير لها لتلبية مطالب الإقليم، بعد أن أدرك المؤتمر الوطنى أن ابوجا التى شكلت حينها الإختراق الأول لجهة طى أزمة الإقليم المتصاعدة منذ 2003م، أنها لم تعد الوثيقة المثلى التى تجتمع عليها الحركات المسلحة التى يتمترس كل منها عند مطالبها ورؤاها التى ترى أنها الأصوب لجهة حل الأزمة، بعد ان كانت الحكومة تصر على أن أبوجا هى الإطار الأوحد لحل مشكلة الإقليم، والوثيقة الوحيدة التى سيتم عبرها فتح التفاوض مع الحركات الرافضة لها، ولكن مياهاً كثيرة جرت وحركت غير القليل من سكون الأحداث، ما يجعل كنانة أمام تحدى وضع المركب في الطريق القويم لجهة تكوين رؤية موحدة مجمع عليها لإحداث الإختراق الحقيقي للأزمة التى يتوقع أن تستضيف الدوحة القطرية مفاوضاتها الأشهر المقبلة. ولكن يبدو أن تعديل الإتفاقيات كموقف أصبح لا مفر منه، حيث ألمح إليه القيادي بالمؤتمر الوطنى الحاج عطا المنان بقوله «إن ملتقى أهل السودان قد يخرج لحل مشكلة دارفور بالعديد من المقترحات التى قد تفضي لتعديلات دستورية أو قانونية أو هيكلية ستكون مفتاح الحل للمشكلة»، في وقت لوح فيه جلال يوسف الدقير الناطق الرسمي بإسم الملتقى الى أن الملتقى قد لجأ الى إحداث تعديلات في ما يتعلق بقسمة الثروة والسلطة المضمنة في إتفاق أبوجا، وقال لن يكون على حساب حقوق قديمة مكتسبة، وإستبعد أن تتقاطع هذه التعديلات مع إتفاقية السلام الشامل أو إتفاق الشرق. ويبدو ان هذه التقاطعات التى أشار إليها الدقير هي ما قادت للإختلاف حولها في كنانة بين أعضاء مؤتمر أهل السودان، خاصة أعضاء المؤتمر الوطنى الذين يدركون كُلفة ذلك على حصتهم في السلطة، وهو ما اقر به أمس أمين الشؤون السياسية بالمؤتمر الوطني عضو لجنة خيارات الحلول محمد مندور المهدي بوجود آراء متباينة حول ضرورة الحلول السياسية لقضية الإقليم ونائب الرئيس، وهو الخيار الذي يجد الدعم من قيادات المؤتمر الوطني من أبناء دارفور ورؤيتهم بضرورة منح أهل دارفور منصب نائب الرئيس والإقليم الواحد. وتتمسك الحركات المسلحة في دارفور بتحقيق قسمة عادلة في الثروة بحيث تمكن من إحداث تنمية حقيقية في دارفور، وكذلك قسمة في السلطة في مؤسسة الرئاسة والمطالبة بمنصب نائب الرئيس وعدد من الوزارات السيادية والخدمية تمثل نسبة سكان دارفور التى تقدر بقرابة ثلث سكان السودان، في المشاركة القومية. وإن كان ملتقى أهل السودان بكنانة يمضي بإتجاه إحداث تعديلات على الإتفاقيات وأخرى دستورية لإستيعاب تلك التطورات بمباركة من المؤتمر الوطني، فإن تلك المباركة يبدو أنها تجد الدعم من شريكه في الحكم الحركة الشعبية التى كان أمينها العام باقان أموم قد أشار في حديث سابق له قبل بضعة أشهر الى إمكانية مراجعة نيفاشا، خصوصاً ما يتصل بنسب قسمة السلطة لإستيعاب دارفور حسب ثقلها السكاني، وقد ذهبت تحليلات المراقبين لحديثه وقتها الى ان الحركة تسعى بذلك لإحداث إختراق في الأزمة، لأجل ترتيب علاقتها المتميزة مع المجتمع الدارفورى بتكويناته المختلفة. الإستعداد ذاك الذي أبدته الحركة الشعبية على لسان أمينها العام باقان والذي يجد الآن كثيراً من التأييد والدفع به في ملتقى كنانة لإعادة قسمة السلطة والثروة، التى يحتكر فيها المؤتمر الوطني الأغلبية في إتفاقية نيفاشا بنسبة «52%» والحركة الشعبية «28%»، لا يستبعد مراقبون ان يكون قد تمت مناقشته والموافقة عليه بين الشريكين قبل طرحه، فقد وصفه وقتها مسؤول الإعلام الخارجي بالمؤتمر الوطنى ربيع عبد العاطي فى تصريحات صحافية بأنها مبادرة لا بد أن تدرس جوانبها الإيجابية والسلبية، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم إخلالها بمضامين الاتفاقية أو خلقها إشكالات مستقبلية بين الطرفين. ولم تقف رغبة إعادة قسمة السلطة والثروة في إتفاقية السلام عند شريكي نيفاشا «الوطنى والشعبية» بل تمتد الى القوى السياسية الأخرى التى تشاركهم بحث الأزمة من خلال ملتقى أهل السودان ومقاطعيه، وعلى رأس تلك القوى يقف حزب الأمة وزعيمه الصادق المهدي الذي ينادي ضمن آخرين في المعارضة، بضرورة إعادة النظر فى تلك القسمة وتقنينها بإجماع وطني، والتى اشار إليها في خطابه أثناء إنعقاد أعمال اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام الثاني للحركة الشعبية وفي إطار إنتقاده لثنائية الإتفاق بين الوطني والشعبية دعا الى ضرورة إعادة النظر في تلك القسمة بقوله «الحديث عن حل لمشكلة دارفور لا يتم بالأماني وإنما بإعادة النظر في تلك القسمة التي سدت الطريق على كثيرين لإستيعابهم»، والآن الصادق المهدى يجلس في الصفوف الأمامية ضمن الطاقم الرئاسى لمبادرة أهل السودان، ومخيلته لا تبارحها اشواق إعادة القسمة الضيزى التى كان يصفها، والتى ستجد هوى شريكي نيفاشا ما يجعلها داعمة لرؤاهما هذه المرة. ويرى البعض ان إعادة قسمة السلطة والثروة ستكون على حساب المؤتمر الوطنى دون شريكه الحركة الشعبية وإن أبدت نوعاً من التنازل من تلك الحصة، لأنها تصطدم بحسب محللين بموقف القوى الجنوبية خارج عباءتها ، والتى ترفض إعادة تلك القسمة الواردة فى نيفاشا لإعتبار أنها حق للجنوب وليست ملكاً خاصاً للحركة الشعبية، وهو ما عبر عنه بيان الجبهة القومية الجنوبية الذي رفضت فيه دعوة باقان وقتها «بأن لا مساومة على حقوق الجنوبيين، ودعت الجنوبيين للوقوف ضده وطالبت الحركة الشعبية بعدم السمسرة والمتاجرة بحقوق الجنوبيين». خالد البلوله إزيرق :الصحافة