من العبارات التي ارتبطت لدى السُّودانيين خلال النصف الأخير من القرن الماضي ولكبار السن من المخضرمين الآن عبارة (فِي القُولِدِ الْتَقَيْتُ بِالصِّدِّيق) وهي عبارة ظلت لدى طلاب المدارس حضوراً للسبب الذي ظلَّ مرتبطاً بها فمن هو: الجغرافيا المحليَّة في السُّودان داخل منهج مرحلة الدراسة الأوليَّة حتى العام (1970م) والابتدائي منذ العام (1970م) حتى العام (1992م) كانت مادة الجغرافيا المحليَّة التي خُصِّصت لطلاب المدارس لجعلها واحدة من المواد المحبَّبة لهم بواسطة المنهج المبسَّط لهؤلاء التلاميذ في تلك السن المبكِّرة ولمعرفة سبل كسب العيش في السُّودان. السفر بشتى وسائل المواصلات من ضمن حالات التنوُّع التي تظهر في تلك الزيارات تنوُّع وسائل المواصلات للوصول لأولئك الأصدقاء داخل السُّودان. فالصديق عبد الرحيم ومسكنه بالقولد التي يتم السفر إليها عبر القطار والمعدِّية. أما بقية الأصدقاء فالسفر إلى مناطقهم يتنوَّع من السفر بالقطار إلى العربات الكبيرة (اللواري) مروراً بالباخرة التي يشغلها التلاميذ من كوستي ومن ثم إلى جوبا ومنها بالعربات إلى يامبيو لزيارة منقو زمبيري. الملاحظ في جميع هذه الزيارات تنوُّع وسائل المواصلات التي هي الأخرى ترتبط بتضاريس تلك المناطق. من هو الصدِّيق عبد الرحيم? هو الصدِّيق عبد الرحيم محمد الأمين المولود بالقولد في العام (1927م) بواحدة من قراها المعروفة (هوشمّار) وتعني باللغة المحلية لأهل تلك المنطقة حلة الحوش. كان من حظِّه أن هاجر إلى مصر لتلقي العلم في العام (1943م).. فبقي طالباً للعلم بها حتى أكمل دراسته الثانويَّة فعمل من ضمن طاقم سفارة السُّودان بالقاهرة بدءًا (من بابكر الديب). عمل الصدِّيق عبد الرحيم بسفارة السُّودان بأمريكا حتى هجرته الثانية إلى مصر. بقي طوال هذه السنوات فخوراً باسمه.. تم وضعه كأحد الشخصيات ذائعة الصيت في السُّودان.. وفي هذا فقد كان الحصول على الجواز الأمريكي لديه سهلاً للغاية. ولكنه أصاب صواباً باحتفاظه بسودانيَّته القُحَّة. قصة منهج (سبل كسب العيش في السُّودان) بتاريخ فبراير من العام (1937م) قرَّ رأي أساتذة معهد التربية بخت الرضا على وضع منهج سوداني خالص لتلاميذ المرحلة الأوليَّة يكون مضمونه (سبل كسب العيش في السُّودان)، فكان أساتذة بخت الرضا على قناعة بجدوى معرفة التلاميذ لجميع أساليب النشاط البشري لعموم أهل السُّودان فزاروا جميع بقاع السُّودان لمعرفة تلك البيئات والأنشطة البشريَََّة. أراد أولئك المعلمون أن يكون هذا المنهج منهجاً واقعيَّاً معيشاً فزاروا أولاً قرية القولد. التقى المعلمون مستر تريفث البريطاني مؤسس بخت الرضا والأساتذة مكي عباس وعبد الرحمن علي طه، والعمدة محمود عمدة منطقة القولد، وكان أن وقع الاختيار على الطالب حينها الصدِّيق عبد الرحيم التمليذ بمدرسة القولد الأوليَّة ليكون أحد التلاميذ الذين وقع عليهم الاختيار ليكونوا مشكِّلين منظومة (أصدقائي في السُّودان). ثقافة أهل السُّودان داخل المنهج مختلف الأنشطة الحياتيَّة وتفاصيل بيئاتها. فمن أكل الكابيدا مع الصدِّيق عبد الرحيم إلى تناول القراصة مع القرشي ود سلفاب مروراً بشرب ماء البحر الأحمر برفقة محمد طاهر في محمد قول وانتهاءً بالترحُّل مع ود الفضل في ديار المسيريَّة حيث أوان الترحال نحو العيش في كيلك ومعاناتهم مع الذبابة التعيسة. وأخيراً تكون عطبرة ذات رحلة بها الإمتاع ما يجعل السفر سعيداً إذ كانت بالقاطرة. أصبح التلميذ الصدِّيق عبد الرحيم شخصيَّة معروفة لجميع أهل السُّودان باعتباره أشهر الشخصيات التي ورد ذكرها في القصيدة الخالدة التي تعرِّف السُّودان ببيئاته وسبل نشاطاته البشريَّة. القصيدة في القولد التقيت بالصدِّيق أنعِمْ به من فاضلٍ صديقِ خرجتُ أمشي معه للساقية ويالها من ذكريات باقية فكم أكلت معه الكابيدا وكم سمعتُ أورو وو ألودا ومعه الأهل والعشيرة ثم قصدتُ من هناك ريرة نزلتها والقرشي مضيفي وكان ذاك أوان الصيف وجدته يسقي جموع الإبل من ماء بئر جره بالعجل ومن هناك قمت للجفيل ذات الهشاب النضر الجميل كان سفري وقت الحصاد فسرت مع رفيقي للبلاد ومر بي سليمان علي مختلف المحصول بالحب امتلا ومرة بارحت دار أهلي لكي أزور صاحبي ابن الفضل ألفيتُه وأهلُه قد رحلوا من كيلك وفي الفضاء نزلوا في بقعة تسمَّى بابنوسة حيث هناك ذبابة تعيسة مازلت في رحلاتي السعيدة حتى وصلت يامبيو البعيدة منطقة غزيرة الأشجار لما بها من كثرة الأمطار قدم لي منقو طعام البفرة وهو لذيذ كطعم الكسرة وبعدها استمرَّ بي رحيلي حتى نزلت في محمد قول وجدت فيها صاحبي محمد طاهر وهو فتى بفن الصيد ماهر ذهبتُ معه مرة للبحر وذقتُ ماءً كما النهر رَحَلْتُ من قول لود سلفاب لألتقي بسابع الأصحاب وصلته والقطن في الحقل نضر يُروى من الخزان لا المطر أعجبني من أحمد التفكير في كلِّ ما يقولُه الخبير ولستُ أنسى بلدة أم درمان وما بها من كثرة السكان إذ مر بي إدريس في المدينة ويا لها من فرصة ثمنية شاهدت أكداساً من البضائع وزمراً من مشترٍ وبائع وآخر الرحلات كانت أتبرة حيث ركبتُ من هناك القاطرة سرت بها في سفر سعيد وكان سائقي عبد الحميد أعجبت من تنفيذه الأوامر بدقة ليسلم المسافر كلٌّ له في عيشه طريقة ما كنت عنها أعرف الحقيقة ولا أشك أن في بلادي ما يستحق الدرس باجتهاد فابشر إذن يا وطني المفدَّى بالسعي منى كي تنال المجدا صلاح الدين عبد الحفيظ مالك