تفتقر لأبسط مقومات الحياة يطلق عليها مدينة الفتح ولكنها لا تمد إلى التمدن والتحضر بصلة، بلا شبكة مياه ولا كهرباء فكيف تستحق أسم (مدينة) مدينة الفتح تقع في حدود ولاية الخرطوم العاصمة القومية (التي تضم أفخم صالات البيلياردو والمولات والأبراج التي تناطح السحاب) تتبع لمحلية كرري - سكانها بسطاء يعانون في البحث عن قطرة ماء والتي تحملها براميل الكارو ويكابدون في رهق ومشقة من أجل توفير لقمة العيش ، وفي المساء يطويهم الظلام الدامس وبالرغم من ذلك كانت حياتهم هادئة بسيطة ولكنها أصبحت في كف عفريت عندما أجتاحت السيول والأمطار ولاية الخرطوم مؤخراً فأنقلبت كل الموازين، فأصبحوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ومعظمهم في العراء بلا إيواء أو غطاء - تهدمت منازلهم فأصبحوا يعضون على بنان الندم. ما تحمله السطور القادمة هو ما جاء على لسان بعض ساكنيها ورئيس لجنتها الشعبية والأمين العام لجماعة أنصار السنة بالمنطقة بمدينة الفتح (1) مربع (9). لم تقدم لنا مساعدات: المواطنة عائشة محمد آدم تسكن في راكوبة مع أطفالها الخمسة تهدم منزلها جراء السيول والفيضانات ولم يبق لها ظل تستظل به من هجير الشمس وتقول (ثم تسجيلي من قبل اللجنة الشعبية ولكن لم تر أية مساعدة). ولم تذهب المواطنة عائشة بابكر بعيداً عن قول جارتها عائشة محمد آدم فهي أيضاً تضررت من السيول والأمطار ولكنها لم تجد من يقدم لها يد العون بعد أن تم حصرها في قائمة المتضررين، كذلك تتفق معها المواطنة السارة محمد والتي تسكن في غرفة واحدة تأويها وبفعل السيول تهدمت هذه الغرفة وأصبحت في العراء. التوزيع بالواسطة: لم تخف المواطنة مستورة حسين المتضررة من السيول والأمطار في نبرة حديثها للمحسوبية التي أعتمدت التوزيع وأضافت (للأسف الشديد تم تسجيلي ضمن المتضررين بواسطة اللجنة الشعبية ، ولكن لم أستلم أي دعم أو مساعدة). أما الشاب زاكي الدين بشير فقد ذكر أن تقديم المساعدات كان عن طريق الديباجات لجزء من الناس ولم يعم كل المتضررين. التوزيع بالليل: في حين أن حليمة محمد أحمد أقرت أن المساعدات تكون بواسطة الديباجات ويتم توزيعها بالليل ونتفاجأ في الصباح باستلام بعض المتضررين للمساعدات التي كانت من المنظمات وليس المحلية. أما هدية عبدو فتقول إن منزلها تهدم ولكنها لم تتلق أي دعم إلا عن طريق جماعة أنصار السنة المحمدية. والمواطنة مسرة الضو أحمد تحسرت على منزلها المنهار بأكمله وتسكن في العراء مع طفلها. سارة حسين لم تخف دموعها وهي أم لخمسة أطفال جرفت السيول منزلها تسكن في راكوبة لا تقي من حر ولا برد وتنظر بعين التفاؤل فمن يعيد لها البسمة لاطفالها. أما حاجة الزينة مكي محمد فقدت المأوى الذي يأويها بعد أن تهدمت الغرفة وأنهارت الحمامات فأصبحت مكتوفة الأيدي أمام محنتها. والمواطنة بسمات أحمد محمد الأمين تقول بنبرة حزينة (تهدم منزلي بالكامل لم أجد نفسي إلا في العراء بلا خيمة تأويني أو مشمع أستظل به). مدينة يلفها الظلام: الأستاذ/ عيسى صباح النور علي الأمين العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمدينة الفتح التابعة لمحلية كرري، يقول إن الفتح يلفها الظلام بلا كهرباء إلا عن طريق المولدات حيث يتراوح إيجار اللمبة الواحدة بين سبعة جنيهات إلى عشرة جنيهات أسبوعياً، أما مشكلة المياه فهي معاناة من نوع آخر عبر براميل الكارو حيث استقر سعر برميل الكارو إلى اثني عشر جنيهاً بعدما شهد ارتفاعاً في فترة السيول والأمطار لأن المنطقة أصلاً بلا شبكة مياه مما يؤكد أن المعاناة يومية متجددة. أما بالنسبة للخسائر التي أحدثتها الأمطار مؤخراً فقد أكد أن الاحصائيات تشير إلى تهدم ثلاثة وسبعون مربع (حصر عبر المناديب) وأن جملة الأنهيار الكامل للمنازل بلغ الفان وثمانمائة وعشرون منزل والانهيار الجزئي بلغ أثنتي عشر ألف وثلاثمائة وتسعة وسبعون منزل. دعم المحلية ضعيف جداً. ويواصل الأستاذ عيسى حديثه عن دعم المحلية فقد قال إنه كان ضعيفاً جداً ولم يكف المتضررين مقارنة بعدد الأسر المتضررة (سبعة وعشرون مشمعاً) للمربع الواحد بعدد يفوق الستمائة أسرة متضررة بالمربع بالإضافة إلى شوال ذرة وعشرون كيلو سكر وعدد سبعة بطاطين وشيء من المعينات البسيطة للمربع بأكمله (فهل هذا يكفي الكم الهائل من المتضررين؟!). أما عن الوضع الصحي فقد أوضح بأن الوضع الصحي متردي والبيئة صارت خصبة لتوالد الذباب والناموس أما عن حملات الرش فوصفها بالضعيفة ولم تفعل شيئاً مقارنة بحجم الكارثة. دعم المنظمات: قام صندوق إغاثة المرض الكويتي بتوفير عدد ألف سلة لعدد ألف أسرة تحتوي على مواد غذائية وتموينية وكذلك قافلة للمنتدى الإسلامي وقد أشار إلى فقد في الأرواح في موسم السيول والفيضانات. لا حياة لمن تنادي: الأستاذ/ مصطفى آدم مصطفى رئيس اللجنة الشعبية قطاع معاذ بن جبل شمال (أربعة مربعات) هي مربع (9-01-31-41) والذي تقدم باستقالته احتجاجاً على تجاهل المحلية لرعاياها وتركهم في وضع مأساوي. وقد أوضح أن الفتح تنام وتصحو على العطش إذ يبلغ سعر البرميل الواحد أكثر من عشرة جنيهات بواقع (52) جنيهاً لعربة الكارو (البرميل الدبل) وأضاف أن إحدى الشركات جاءت لإكمال العمل في عشرة آبار محفورة ولكنها لم تتمكن من مزاولة عملها لعدة عوائق مع العلم أن المحلية قد التزمت بإزالة هذه العوائق ولكنها لم تف بوعدها والتزامها، وأشار إلى كبر حجم الكارثة بالفتح (1) والتي تضم أثنان وأربعون مربعاً والفتح (2) والتي تضم مائة وخمسة مربع ولم تجد أدنى اهتماماً من المحلية عبر وحدتها الادارية حيث كانت نسبتها من الإيواء لآلآف الأسر للإيواء عدد مائة خيمة رفضوا إستلامها كما أنها لم تراعي هذه الوحدة توزيع المشمعات بنسب عادلة. وفي هذا الصدد وجه صوت شكر إلى سعادة السفير الصيني بتقديم معينات للمتضررين (في حين أن الوالي ومسؤولي المحلية لم يكلفوا أنفسهم بالنزول من العربات لتفقد رعاياهم). كما وجه صوت شكر إلى الهلال الأحمر وأنصار السنة المحمدية الذين قدموا مساعدات مقدرة وأقاموا عيادات صحية. وأستنكر الأستاذ/ مصطفى رئيس اللجنة الشعبية عملية توزيع بعض المعينات بواسطة شرطة بسط الأمن الشامل المنوط بها حفظ الأمن بدلاً عن اللجان الشعبية التي تقوم بالتوزيع بمؤسسيه. وتطرق إلى تدني صحة البيئة بالمنطقة مشيراً إلى تكاثر الذباب وتوالد الناموس قائلاً أن الرش اليدوي لا يكفي ولم تحلق طائرة رش واحدة في سماء الفتح. وقد أوضح الأستاذ مصطفى أن هناك تردي مريع في صحة البيئة بسوق (7) من جراء المياه الراكدة الآسنة التي تتسبب في كارثة هدم المنازل بمربع (7) لأن السوق قام بصورة عشوائية دون تخطيط ولا توجد به مصارف لتصريف المياه بالرغم من الايرادات التي يدخلها للمحلية ولكنها لم تعد تخطيطه من جديد. وللحد من حجم الكارثة اضطر بعض المواطنين إلى كسر (زلط النفايات) لتصريف المياه حيث لا توجد مصارف نتيجة لخلل هندسي. وقال إن هناك أكثر من سبعين من حفظة كتاب الله وهم الآن في العراء بعدما تهدمت الدور التي كان تؤيهم وهم من مختلف ولايات السودان كما أنهارت دورات المياه التي تنذر بكارثة صحية كبيرة. وكرر مصطفى مناشدته للمسؤولين أن يعملوا على رش الذباب والناموس حتى لا ينفجر الوضع الصحي - وكذلك توفير معابر (عبارات) لعربات الكارو من العبور إلى داخل الأحياء لتوفير المياه. وقد حذر الأستاذ/ مصطفى من إنفجار كارثة جبل يقال له جبل الجير أو أبووليدات الواقع شمال الاسكان من مياه الصرف الصحي التي تدفن تحت الجبل. وفي ختام حديثه قال إن والي الخرطوم د/ عبدالرحمن الخضر قد وعد عدة مرات بتوصيل شبكة المياه والكهرباء، وأن المواطنين مازالوا في انتظار الإيفاء بهذه الوعود.