الحصانة هي المناعة ومشتقة من حصن، وحصن المكان يحصن حصانة فهو حصين وهو منيع، والحصن كل موضع حصين لا يوصل إلى ما في جوفه. أما مبررات الحصانة فلا خلاف بين فقهاء القانون في أن ما يقع من ذوي الحصانات من أعمال يحظرها القانون الجنائي تظل أعمالاً غير مشروعة، حتى إن كان الفاعل لا يعاقب عليها، إلاّ أنّ الصفة التي منحت لمرتكب الفعل الإجرامي ومراعاة للمسؤولية الملقاة على عاتقه تفرض هذا التدخل لكن من دون أن تمنعه، وتفرق جل الأنظمة بين «الحصانة الموضوعية» التي تمنع المتابعة والعقاب ويطلق عليها «الحصانة المطلقة أو الشاملة»، وبين الحصانة التي تؤجل فقط تحريك الدعوى العمومية إلى حين الحصول على إذن من جهة معينة حتى يتمكن الشخص الذي تشمله الحصانة من ممارسة مهامه في أحسن الظروف، وحماية هذه الممارسة من أي تدخل من شأنه عرقلة نشاطه، وبذلك يظهر الارتباط الوظيفي بين الحصانة أو ممارسة المهام، وهذا ما يستنتج معه أن الحصانة من النظام العام ولا يمكن التنازل عنها من الطرف المشكو ضده، لأن صاحب القرار في ذلك هو الجهة التي يتبع لها الشخص المشمول بالحصانة. والحصانة لا يمكن تطبيقها على جميع الأفعال التي يحظرها القانون، وإنما تشمل أفعالاً محددة ومعينة، وفي حالة تجاوزها تتوقف هذه الحصانة عن إنتاج آثارها ويسري الحكم نفسه على التدابير والإجراءات الجنائية التي يمكن للنيابة أو الإدعاء العام أن تتخذها أو تأمر بها في مواجهة مرتكب الجريمة، وحدث ذلك في حادثة قتيلة الديم على يد «8» نظاميين اتهموا بقتل مواطنة إثر إصابتها بعيار ناري أدى إلى وفاتها، الأمر الذي تطلب رفع الحصانة عن النظاميين وتقديمهم إلى المحاكمة القانونية، بالإضافة إلى القرار الأخير الذي صدر قبل عدة أيام عن طلبات تقدمت بها وزارة العدل لرفع الحصانة عن «45» من منسوبي جهاز الأمن خلال العام الحالي، وتم رفع حصانات «42» شخصاً، وبين جهاز الأمن أنه في عام «2007م» تم رفع الحصانة عن «7»، وفي عام «2008م» رفعت حصانة «29»، وخلال «2009» تم رفع الحصانة عن «36» شخصاً، فضلاً عن رفع حصانات «18» في عام «2011م». ووقتها اثنى مدعي عام السودان عمر أحمد محمد على جهاز الأمن باعتباره إحدى الجهات المنفذة لرفع الحصانات. وشدد ممثل جهاز الأمن والمخابرات اللواء إسماعيل أحمد على ضرورة التزام الجهاز بما جاء في القانون الخاص بأمر طلبات رفع الحصانات، مشيراً إلى أنه تتم مخاطبة الجهة المعنية بأمر رفع الحصانة «فوراً دون إبطاء» على حد تعبيره، منوهاً بأن الاستجابة السريعة لرفع الطلبات هي الأساس في أمر الحصانات، وسبق أن أكد المدعي العام عمر أحمد محمد علي وجود إشكالات تواجه العمل من أجل رفع الحصانات عن المسؤولين وأفراد القوات النظامية خلال التطبيق ما يترتب عليها تأخير كبير في تطبيق القانون وإعاقة لسير العدالة، ودعا إلى أهمية وضع ومعالجة التعقيدات التي تصاحب إجراءات رفع الحصانة، وذلك تسهيلاً للمواطنين وانسياب مجرى العدالة، فيما سبق أن قال وزير العدل محمد بشارة دوسة إنه فوض جزءاً من سلطاته لبعض المسؤولين والمستشارين لمنح إذن رفع الحصانات عن الجهات الدستورية. وأعلن دوسة عن تشكيل لجنة لمراجعة القوانين المنظمة لمسائل الحصانة، فضلاً عن تشكيل لجنة عليا من الجهات المختصة تعمل على تبسيط إجراءات رفع الحصانة. وأكد الوزير أن الدولة يجب أن توازن بين هذه الحصانات. ومن جانبه رفض نائب رئيس القضاء عبد الرحمن شرفي فكرة وجود حصانات مطلقة، ووجه انتقاداً للمادة «60» من دستور السودان الانتقالي لسنة «2005م» التي تمنح الرئيس ونائبه الأول حصانات مطلقة، مبيناً أن الحصانات الموجودة في البلاد هي حصانات جزئية و «ضارة» ويجب أن تسد ذريعتها لأنها تعيق الوصول للعدالة، وشدد على محاسبة «كل من يتجاوز الخطوط الحمراء»، وقال إنه لا حاجة للحصانات الدبلوماسية، وينبغي التفرقة بين الجهات التي تعقد معها اتفاقيات والأفراد، مشيراً إلى ضرورة تحديد سقف زمني للبت في أمر رفع الحصانة وتفويض سلطة منح الإذن لأفراد قوات الشرطة لمدير عام الشرطة ومديري شرطة الولايات بالنسبة لمنسوبيهم، بالإضافة إلى ضرورة الاقتداء بالشريعة الإسلامية لإقرارها الواضح لمبدأ المحاسبة والمساءلة القانونية.