بعد أن تم إقرار تطبيق سياسة رفع الدعم عن المحروقات، والتي عرفت بالاجراءات الاقتصادية لتفادي ما أعلنته الحكومة من الانهيار الكامل للاقتصاد، إذا لم تتم عملية المعالجات واتخاذ القرار الصعب برفع الدعم.. بدأت الصورة تتضح وتتخذ شكل التطيبق المباشر، مما انعكس على كافة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأدى ذلك الى ظهور احتجاجات من المواطنين تحسبت لها الحكومة وتوقعتها، ولكن جاءت عنيفة وقوية، وسقط فيها عدد من الشهداء خلال الاحتجاجات وبدأت الحكومة والأجهزة الشرطية في إجراء التحقيقات لمعرفة الحقيقة والمحافظة على أمن البلاد، وفي ظل كل هذه التداعيات نظم مركز دراسات المجتمع ندوة حول المبادرات الإيجابية بعد تنفيذ الاجراءات الاقتصادية، وإيجاد الحلول السريعة لمعالجة الصدمة والأثر الاقتصادي لدى المواطنين .. الخرطوم في خطر: البروفيسور حسن الساعوري أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين أول المتحدثين في الندوة قال: إن كل تفاصيل ما حدث خلال الاسبوع الماضي من احتجاجات شعبية وتأثيرات اقتصادية، كانت لها خليفيتان الأولى أمنية والأخرى اقتصادية.. قائلاً: إنه حذر من قبل أكثر من عام ونصف من تداعيات الأوضاع في ولاية الخرطوم من ناحية أمنية.. وأشار الى أنه بنى ذلك على أثر بلاغات وإعلانات الأجهزة الأمنية بضبطها لحالات تهريب للأسلحة داخل الخرطوم، قدرها بحوالي15 حالة ضبط لتهريب السلاح، وأعد ذلك مؤشراً خطيراً لعمليات تضر بأمن السودان والبلاد إذا حدثت اية اضطرابات في ولاية الخرطوم.. مما جعله يشير الى وجود خلايا نائمة تعمل من أجل الفوضى، وتنظر متى تتحرك لتنفذ مخططها، ولكنه عزا فشل هؤلاء المتربصين- بحسب قوله- الى يقظة الأجهزة الأمنية التي تمكنت من مراقبتهم وإفشال مخططهم.. أما الخلفية الثانية فأشار إليها بأنها مرتبطة بانفصال الجنوب، وتأثر ذلك على الاقتصاد السوداني، ووصف ذلك بعام الصدمة الأولى وأن الناس تجاوزت الأثر بامتصاصها، ولكن بعد مرور عامين ونصف العام لم يتحمل الناس وطأة الاقتصاد الثقيلة، وارتفاع الأسعار وانزعجوا كثيراً من حديث رفع الدعم التدرجي، وأن الاقتصاد ما فيه خيارات أخرى غير ذلك، وإلا والانهيار وبات المواطن يترقب لمدة ثلاث أشهر مداولات الحكومة بهذا الشأن وحوارها مع الأحزاب وإعلانها بأنها سوف تنفذ سياسة رفع الدعم، مما جعل من المشهد السياسي والاجتماعي أكثر سخونة، وترقباً وانتظاراً، وسط تداول مقولة إن هذه الخطوة مستحيل تجاوزها ولابد من اتخاذها لحل المشكل الاقتصادي حتى ظن البعض أن الحكومة تريد أن تستهلك أكبر كمية من الجازولين والبنزين لتزيد من دخلها بحسب قوله، لأن الحديث طال والقرار لم ينفذ، وأشار إلى أن الحكومة كانت تتوقع اضطرابات بنسبة 100% بدليل أن الأجهزة الأمنية جمعت كل (اللساتك المستعملة للعربات) حتى لا يستخدمها المعترضون في الاحتجاجات في اشعال النيران في الطرقات.. مؤكداً أن ما حدث بعد ذلك من احتجاجات المواطنين وخروجهم كان منطقياً ومقبولاً ولا غضاضة فيه وقانونياً ممكن.. لكن ما أضر هو التخريب والنهب والسرقة.. وهنا يوصف الساعوري المشهد الاحتجاجي ويقسمه الى فئتين فئة تظاهرت سلمياً وأخرى تظاهرت بعنف وسرقت ونهبت وحرقت، مما يوحي بأنه أمر مدبر وليس تلقائي.. وقال: إن اللافت للنظر في هذه الاحتجاجات لم ترفع شعارات أو لافتات حزبية تطالب بإسقاط النظام، وبهذا هي ليست مظاهرت سياسية محتجة ومطالبة بحل اقتصادي.. وختم بأن أحزاب المعارضة فوتت على نفسها الفرصة لضرب الحديد وهو ساخن، لتكون في مقدمة الاحتجاجات وتنظمها سياسياً- بحسب وصفه- حتى لا تكون بهذه الفوضى والتخريب والتدمير، وقتل بعض المواطنين.. وطالب الساعوري بفتح تحقيقات مباشرة حول حوادث القتل في ظرف اسبوعين، محذراً بقوله، وإلا سوف تنفجر العاصمة فهي مازالت في خطر. الحلول والمعالجات من وجهة نظرة اقتصادية من جانبه قدم البروفيسور ابوالقاسم ابو النور المحاضر بجامعة الخرطوم ورقة اقتصادية.. تناول فيها أساس المشكل الاقتصادي السوداني في إطار التداعيات الأخيرة للاجراءات الاقتصادية والحلول والمعالجات لها ووصف بأن مصادر الحكومة لإيرادات الأموال في العادة هي خمس مصادر متمثلة في الضرائب والقروض والرسوم والصادرات المالية، وأن كل هذه الأموال والإيرادات المالية تنفق في الخدمات المختلفة، وهي ضروريات للمجتمع.. مشيراً الى أن الدعم الاقتصادي يجب أن يذهب الى الإنتاج وأن الأزمة الاقتصادية قسمت الناس الى (أصحاب مواهي، وأصحاب غير مواهي، وتجار، وأفندية، وأصحاب دخل ثابت، وآخرون بغير دخل ثابت)، وأن الفئة الأكثر تضرراً هي الموظفون والعمال أصحاب الأجور الزهيدة.. مشيراً إلى أن المعالجات تكمن في ضرورة إعادة ترتيب ظروف الإعانات للذين تضرروا، وكذلك عمل مسح ميداني لهذه الفئة المتضررة، لأن هيكلها الاجتماعي قد حدثت فيه تغيرات جذرية بسبب التحولات الاقتصادية، وطالب البروف ابو القاسم بضرورة توسيع مواعين الدعم الاجتماعي، تحت ظل هذا التغيير الاجتماعي للفئات المتضررة، ويتم ذلك عبر قنوات خاصة ولفترة وجيزة لتفادي الصدمة الاقتصادية لهم، ودعا الى مراقبة السوق والأسعار المنفلتة وهكيلة الأسواق والسيطرة عليها عبر السلع وثابت أسعارها، حتى لا تستمر عملية الغلاء الطاحنة للمواطنين والفئات الأقل دخلاً لحين استرداد الاقتصاد لعافيته .!!