الاهتمام الأمريكي الرسمي بالسودان يختلف بالطبع عن غير الرسمي، فإذا كان مقال الأمس حول صداقة الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر مع الخرطوم وهي صداقة أمريكية غير رسمية، فإن الرئيس السابق الأمريكي ليس مثل الحالي. قلنا بالأمس إن كارتر يرى فرض العقوبات الأمريكية على السودان سياسة غير حكيمة وغير مثمرة. ويبدو من تصريحه هذا وكأنه يريد أن يقول إن الأفضل هو محاربة الحكومة بطريقة مباشرة وليس محاربة الشعب الذي يتضرر هو فقط بهذه العقوبات. وبعد تصريحات كارتر «اللطيفة».. صدر تقرير عن المخابرات الأمريكية «سي آي إيه» يقيم الأوضاع الأمنية والاقتصادية في السودان، وكأنه يرد على كارتر الذي اعتبر أن العقوبات ليست حكيمة ولا مثمرة، كأن تقرير المخابرات الأمريكية يقول إن ثمرة العقوبات هي التدهور الاقتصادي الذي يعيشه السودان حالياً، وهو ما تسبب في إيجاد حالة من عدم الرضا الشعبي عن الحزب الحاكم. هذه هي كلمات تقرير المخابرات الأمريكية. وكانت واشنطن أصلاً قد فرضت العقوبات على السودان عام 1997م لإنتاج مثل هذه الحالة من «عدم الرضا الشعبي».. ظناً منها أن سيناريو تجويع الشعب وإحداث حالة الغلاء في أسعار ضرورياته، سيكرر خروج أعداد كبيرة من الجماهير إلى الشارع، فيكون مصير هذه الحكومة هو مصير حكومة نميري. لكن السؤال هنا ألم تدر المخابرات الأمريكية والإدارة الأمريكية أن مركز الرئيس السابق كارتر كان من المراقبين لانتخابات سودانية أجريت في أبريل 2010م. إن الشارع السوداني ما عاد في حاجة إلى الخروج على الحكم، والبلاد تمر بما يتجاوز هذا الأمر، إلى مصالحات سياسية في إطار قضيتي السلام والحكم. وبالفعل أثمرت العقوبات الأمريكية المتمثلة في الحرب الاقتصادية ودعم التمرد ضد الدولة السودانية بفهم إنه دعم له ضد الدولة الإسلامية في السودان. وعلى الصعيد الأمني يقول تقرير المخابرات الأمريكية بأن «السودان سيلجأ إلى تكتيكات قوية لاحتواء تحركات الحركات المتمردة في إقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق لكن مع استمرار الصراع بتلك المناطق».. انتهى ومعلوم أن تحركات الحركات المتمردة يكون بالدعم الأجنبي سواء جاء من بعض دول القارة الإفريقية أو من الكيان الصهيوني في فلسطين أو من بعض الدول الغربية. والمجتمع الدولي بنفسه ينظر إلى الفظائع التي ترتكب ضد المدنيين والأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ في المناطق التي يعتدي عليها المتمردون، وهو عمل يبقى خارج مسار تغيير الحكم في الخرطوم، فهل يا ترى سيوصي الكنجرس الأمريكي بإيقاف دعم المتمردين إلى حين تكوين فكرة جديدة بعد أن يطلع على التقرير الذي قدمه له مدير المخابرات الأمريكية جيمس كلابر؟! ثم إن تكتيكات السودان القوية لو صح ما جاء في سطور تقرير «السي آي ايه» ليست وحدها التي ستقوم بإحتواء التمرد في المرحلة القادمة، وإنما هناك عوامل مساعدة بدأت بتحسين العلاقات مع تشاد وتغيير النظام في ليبيا التي تغير فيها النظام دون وجود «تمرد» تدعمه واشنطن أو إسرائيل، ومن غير تأثير العقوبات، بل إن قادة التغيير في ليبيا من الإسلاميين وليس العملاء نزلاء الفنادق خمسة نجوم. ثم تطورت الساحة في دولة جنوب السودان آخر حاضنة لحركات التمرد. وإذا انتقل التمرد إلى حاضنة يوغندية فإن تأثيره على أمن واستقرار البلاد سيكون ضعيفاً، وكذلك الحال ينطبق على الحاضنة الكينية. فهاتان الحاضنتان لن يكون الخطر منهما على البلاد كما كان أيام تمرد قرنق، فذاك قبل الانفصال. والأسخف في تقرير المخابرات الأمريكية إنه أشار إلى إقليم دارفور بوجه خاص، حيث قال إنه سيظل غير مستقر بسبب المناوشات بجانب قطاع الطرق الذي يقول إنه قد يرفع انعدام الأمن بالإقليم. أولاً كيف كان تقرير المخابرات الأمريكية بشأن دارفور قبل عام 2002م؟ فهو بالطبع من التقارير السرية التي لا تقدم إلى الكنجرس تحت أضواء الوسائط الإعلامية. إن السي آي إيه تعلم أن الحرب في دارفور قد انتقلت من الجنوب بعد أن صدر قرار وقفها فيه، ذلك لأن الحكومة في الخرطوم لم تتأثر بها وهي تستخرج النفط وتبدأ بحماس في تعمير الجنوب لإعادة إعمار ما دمرته الحروب ولبناء ما لم يشيده الاحتلال البريطاني من مرافق صحية ومؤسسات تعليمية. إن واشنطن أرادت أن توقف مشروعات التنمية التي بدأت في تنفيذها الخرطومجنوب البلاد، لأن هذا كان يعني تذويب التمرد شمار في مرقة. لكنها استعاضت عنه بتمرد جديد في دارفور. ولو كانت الإيقاد وواشنطن صادقة في إرساء السلام لصالح المواطنين السودانيين لما ارتضت أن تشتعل حرباً في دارفور بالتزامن مع مفاوضات السلام بين الخرطوم وحركة قرنق وبعد الاتفاق في نيفاشا. فقد كان ذاك اتفاقية السلام الشامل. أين هو الشمول. ثم يتحدث تقرير المخابرات عن النهب المسلح الذي تطوّر بفضل دعم المتمردين المتواصل. إذن بين التقريرين ما قبل 2002م وما بعد 2013م ثمرة جناها الغرب هو زعزعة الاستقرار في السودان من الناحية الغربية. صحيفة الإنتباهة