د. قطبي المهدي من الشخصيات التي لها باع طويل في عالم السياسة، ولديه محطات كثيرة في حياته كل منها أهم من الأخرى، ودائما الرجل سواء أكان في منصب أو خارجه لديه الكثير من التفاصيل التي تعكس مدى قربه من صناعة القرار في البلاد، ذهبنا إليه وفتحنا معه كافة الملفات التي يدور حولها الراهن السياسي، وتطرقنا إلى حياته الشخصية وخرجنا منها بمفاجآت قد تفسر أسئلة كثيرة حول غموض قطبي وحول علاقاته المثيرة للجدل ببعض الشخصيات المهمة على الساحة. وفي ما يلي تفاصيل حوار مختلف مع شخص مؤثر في الأحداث بالسودان. * رؤيتك لمسار الحوار الوطني بعد أن أطلقه الرئيس في خطابه؟ - قد يكون الوقت مبكرا للحكم على هذا، لكن الاستجابة الأولى في تقديري جيدة، هناك أزمة ثقة كبيرة جدا، لم أكن أتوقع استجابة سريعة، الحوار يتناول قضايا أساسية وحساسة ومهمة بالنسبة للجميع، وبالتالي من المفروض أن تكون هناك ثقة كبيرة بين الأطراف، وعلى الحكومة أن تثبت لكل هذا الأطراف جديتها في كل ما يتعلق بمآلات الحوار، وأعتقد أنه إلى أن يتم الاتفاق على آلية الحوار نفسها، يظل هنالك بعض التشكك من بعض الأطراف، لكني أتصور بشكل عام أن الاستجابة حتى الآن جيدة، والسودانيون بطبيعة الحال مدركون لطبيعة هذا الحوار الآن بمختلف توجهاتهم، فقط آمل أن يمتد الحوار على المجتمع المدني ولا يقتصر على الأحزاب السياسية، لأن الحوار يجب أن يكون شاملا مع الشعب السوداني ويشارك فيه الجميع. * لأول مرة يطرح الرئيس حوارا بلا شروط مسبقة.. لماذا الآن؟ - أعتقد أنه كانت هناك قناعة في المؤتمر الوطني أن معظم السودانيين أدركوا بشكل جيد التحديات المواجهة للسودان، وأن القضية الوطنية أصبحت هي الأساس، كثير من الناس تجاوزوا الدوافع الذاتية والحزبية، وينظرون للوضع برمته ويتجهون اتجاها قوميا في تناول القضايا، وهذا أعطى الحكومة ثقة بأن الحوار لن يكون صراعا حزبيا بين الحكومة والمعارضة، إنما سيكون صراعا بين أبناء الوطن لمواجهة التحديات التي يواجهها الجميع. * البعض يرى أن ما حدث في مصر جعلكم تتجهون لتقوية الداخل السوداني.. كيف ترى ذلك؟ - هذه القناعة قديمة بتقوية الجبهة الداخلية، فمنذ زمن السودان يواجه تحديات خارجية ومرارات، والقناعة بأن الجبهة الداخلية يجب أن تكون قوية تظل قناعة للنظام، وهي ليست جديدة في تقديري. * ألا ترى أن ما حدث في مصر سرع في دخولكم في الحوار الشامل؟ - الوضع مختلف بين البلدين، وبالتالي لا أعتقد أن ما حدث رد فعل مباشر لما حدث في مصر، لكن مؤكد أن كل هذه دروس مستفادة لا شك في ذلك، وكلما كان التفهم بين أبناء الوطن على مستوى جيد سهل هذا على الحلول، وتقوية الجبهة الداخلية تساعد على ذلك. * موقف الترابي يثير تساؤلات وتكهنات عن موقفه الذي تغير كثيرا، وهذا ما جعل الناس يحللون بأن بينكما اتفاقا غير معلن؟ - تقديري الشخصي يرجع إلى الوضع داخل حزب المؤتمر الشعبي، فالحزب بعد فترة طويلة من الصراع مع الحكومة ومحاولات لا أعتقد أنها كانت موفقة في كسب أطراف المعارضة وعدم التقدم في مسار الحزب نفسه أدخل الحزب في طريق مسدود في تقديري، وهو آيدلوجيا لا يتفق مع هذه المجموعات، وفي نفس الوقت مراراته ومشاكله مع الحكومة، فوجد نفسه في أزمة، وأتاح للحوار فرصة بأن يخرج منها وأن يكون الحزب جزءا من الحراك السياسي الموجود. * "مقاطعة"...: ولكن شيخ حسن والشعبي حدث في موقفهم تحول كبير فبعد الحديث عن إسقاط النظام بأي طريقة إلى الحوار دون شروط مسبقة. أليس هذا غريبا؟ - الآن لأنه محتاج جدا لهذا الحوار، لابد أن يتخلى عن أي شروط من أجل الحوار، أنت تعلمين أن الصراع لم يكن سياسيا بهذا المعنى، إنما كان صراعا حول القيادة، وبالتالي ليس غريبا أن تذوب كل الحواجز الأخرى بالحوار. * هناك تسريبات بأنه حدثت بينكم وبين الشعبي جلسات سرية اتفقتم فيها على تنازلات من الطرفين؟ - لم يحدث ذلك، هذه مجرد تكهنات، وأي لقاءات حدثت في إطار العلاقات الاجتماعية بين السودانيين، لكن لم يكن هناك حوار جاد بين الطرفين، كان هنالك حوار شمل بعض الشخصيات أدى في النهاية لأن ينضموا للحوار، لكن لم يكن هنالك حوار رسمي بين الحزبين، ولا أجندة محددة تم الاتفاق عليها. * وماذا عن أحاديث بأن الترابي اشترط على الرئيس خروج شيخ علي ونافع ليواصل الحوار؟ - المتتبع لتطورات الحاصلة والحراك داخل المؤتمر الوطني، لا يستغرب خروج علي عثمان ونافع من الحكومة، فهو كان نتيجة لهذا الحراك الداخلي، لا أعتقد أن ذلك له علاقة بشيخ حسن، ربما من الأشياء التي سهلت على شيخ حسن التواصل مع قيادة المؤتمر الوطني، هذا وارد، لكن لم يكن متفقا عليه بين الشيخ والمؤتمر الوطني. * ثمة حديث آخر بأن الوطني قبل شروط الترابي في مقابل اعتزال السياسة وتولي الأمانة العامة للحركة الإسلامية؟ - لا.. الأمور لم تصل إلى هذا الحد من التفاهم، لا أعتقد أن هذا صحيحا. * هل لنا أن نتوقع اندماجا بين الوطني والشعبي ورجوعا للبيت الواحد مرة أخرى؟ - أستبعد الاندماج تماما في هذه المرحلة، والمستقبل غير معروف وهو يعتمد على التطورات القادمة إذا كان الحزبان يجدان أنهما في خندق واحد، الأحداث ربما تشكل أرضية جديدة لمزيد من التواثق والاندماج ربما، لكن لا أعتقد أن هذا وارد في الوقت الراهن. * الترابي دخل البرلمان بعد 15 عاما.. كيف تابعت هذا المشهد؟ - هو دعي للقاء مع الطرق الصوفية والجماعات الإسلامية ومصادفة كان هذا اللقاء في البرلمان، جاء وحضر وهو يمثل رمزية في عودته للبرلمان والتي تعني عودته من الناحية النفسية تقرب موضوع عودته في المشاركة في الحكومة والتلاقي مع النظام الحاكم، لكن ليس أكثر من ذلك، لديه بعض النواب في البرلمان الآن. * هل مازال الترابي بالنسبة لكم الرمز والقدوة والقيمة والمرجعية؟ - أعتقد أنه مرت مياه كثيرة تحت الجسور طيلة الفترة الطويلة الماضية، وتجربة المؤتمر الوطني الفكرية قطعا تطورت في هذه الفترة في اتجاه معين، وتجربة الشعبي ذهبت في اتجاه آخر، والترابي في هذه الفترة كان له كثير من الاجتهادات الفكرية والسياسية، وثمة مفارقة كبيرة جدا بينها وبين الخط السياسي الفكري للمؤتمر الوطني، فأعتقد أنه أصبح هناك تباين الآن، ولكن عندما نتحدث عن الماضي نعم في المؤتمر الوطني كانوا يقرون أن الترابي أستاذهم وشيخهم وقائدهم، الآن (العيال كبرت) وصار لها تجربتها الخاصة، فالأمور ليست كالسابق. * ظهرت حساسية من بعض الأحزاب مع استمرار الحوار، فمنهم من يرى الأمر مجرد تقارب بين الوطني والشعبي على حسابهم، وترددت أنباء بأن الصادق المهدي لن يواصل الحوار لهذا السبب. ماذا تقول في ذلك؟ - الحوار مطروح مع الجميع، لكن حماس الشعبي وعدم وضع أي شروط للحوار، جعل الأمر يتقدم أكثر مع الشعبي، ولكن ابتداءً الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني قبلا الحوار، وأعتقد بالنسبة للمهدي كلامه واضح بأن هذا التقارب لو كان لإقصاء الآخرين فهم ضده، وأعتقد أن الحوار بالنسبة للوطني مع الشعبي ليس مقصودا به إقصاء الآخرين. * الصادق المهدي ربما يتخوف من أخونة القيادة؟ - المهدي يطرح بذلك افتراضات، ولو صحت يكون المؤتمر الوطني هزم الفكرة التي طرحها، إذا كان الغرض خلق محور بين الشعبي والوطني، ولذلك أنا لا أتصور أن هذا الافتراض صحيح، لأنه لا يمكن أن يهزم المؤتمر الوطني الفكرة التي حرص على إرسالها لكافة القوى السياسية، لكن لو حدث هذا التقارب في إطار الحوار العام فلن تكون هنالك مشكلة للصادق المهدي أو لآخرين. * رفعتم شعارا بأن الحوار لن يقصي أحدا.. هل هناك مشكلة مع الحزب الشيوعي؟ - نعم الشيوعيون يضعون شروطا كثيرة جدا مثل ما يجري في المفاوضات مع قطاع الشمال، بأن يكون عندك هدف حزبي تريد أن تحققه قبل الدخول في الحوار، وهو إقصاء الحكومة بالدرجة الأولى، هذه عقبه ونأمل من خلال الحوار أن نتجاوزها مع الحزب الشيوعي، لكن بطبيعة الحال المبادرة مطروحة وكل حزب له خيار في ما يري. * هناك تشكك كبير في نية المؤتمر الوطني إكمال هذا الحوار وهناك من يرى أنكم لم تستوعبوا خلافاتكم الداخلية وخرج منكم قيادي بحجم د. غازي صلاح .. فكيف ستديرون حوارا مع المعارضة ولماذا لم تحاورون مجموعة غازي في هذا الحوار؟ - ليس هنالك فيتو على د. غازي طالما أن له حزبا مسجلا، وأعتقد أنه من أوائل الناس الذين بادروا وحضروا خطاب الرئيس، وسيشمله الحوار بالتأكيد، فليس هنالك تحفظ ضده، بالنسبة لجدية المؤتمر الوطني أقول إن الوطني ليس محتاجا لهذا الحوار لمكسب حزبي، فهو حزب كبير وقوي ومسنود تماما وله تمثيل كبير في البرلمان، فليست هنالك مشكلة، لكن حرصا منه على إشراك جميع السودانيين في الشأن الوطني، وينطلق من هذا من موقف ثقة، فلا يمكن أن تفتح الباب هكذا، وتطالب الأحزاب بأن تشارك في انتخابات وفي كتابة الدستور، وفي لجنة الانتخابات نفسها وفي وضع قانون الانتخابات إلا أن تكون منطلقا من موقع ثقة، ولذلك فالمؤتمر الوطني جاد في الحوار. * الحوار يلزمه تهيئة المناخ ببسط الحريات وإبداء الآراء ومع ذلك هناك جريدة مصادرة كل يومين... فكيف يستقيم الوضع هكذا؟ - ضحك... وكل يومين أيضا هناك جريدة سودانية جديدة، وأعتقد أن الصحف السودانية تتمتع بحرية كبيرة، فهذا تقدير غير صحيح بأن الحريات مكبوتة في السودان، الحريات مبسوطة بشكل كبير، أعتقد أن الأجواء مهيئة والأحزاب تتحدث بحرية سواء من داخل البرلمان أم أخرى تتحدث في الصحف، لدينا حرية قد تكون غير موجودة في بلدان أخرى، وما يقال حول هذا الأمر مجرد ذرائع تعبيرا عن تشككات وعدم ثقة نتيجة لتراكمات سابقة، لكن في ما يتعلق بالحاضر لا توجد عقبة أمام الحوار على الإطلاق. هناك حرية بما يكفي لإدارة حوار، وظروف البلد معروفة، ونحن نبسط الحريات في ظروف استثنائية ليست ظروف استقرار كامل، ولذلك عندما تغلق جريدة هذا وارد. * البعض أيضا يقول إن الوجوه التي خرجت شيخ علي ود. نافع من الوطني مازالت موجوده تدير المشهد من خلف الكواليس.. ما مدى صحة هذا الحديث؟ - هذا كلام صحيح، فمنذ اليوم الأول لم يأخذني الشك في أن علي عثمان ونافع تركا العمل السياسي، هما موجودان بالحزب وفي القيادة، كل ما في الأمر أنهما تركا المواقع التنفيذية فقط لكنهما قريبان. * "مقاطعة.": قريبان من صانعي القرار؟ - قريبان جدا من صناعة القرار كما كان في الماضي.. كل ما في الأمر أنهما تركا العمل التنفيذي. * دعنا ننتقل إلى ملف مختلف؛ ماذا يحدث في الفاشر الآن، ولماذا لم يحسم المؤتمر الوطني الصراع الدائر بين اثنين من كوادره كبر وموسى هلال؟ - حتى الآن لم يتمرد أحد، موسى هلال يؤكد أنه لم يتمرد على المؤتمر الوطني ويعتبر نفسه في الوطني ولم يستقل من الحكومة، ولكن له بعض الخلافات والمشاكل مع كبر، وهذا جزء من التنافس الداخلي في الولاية، وربما يكون له خلفيات قبلية. * "مقاطعة...": وهل ينتظر الحزب تمرد موسى هلال حتى يحسم هذا الصراع الذي أربك الولاية؟ - الوالي منتخب ولذلك الحكومة والمركز يقدر هذا، وإلا كان من الممكن تغييره، وهو يواجه تمردا على الدولة، بالنسبة لموسى هلال هو زعيم قبلي وله مطالبه ويمثل شريحة كبيرة من المواطنين هناك، ولديه تظلمات من الحكومة، طبيعة الصراع ليست مشكلة بالنسبة لنا، الذي يزعجنا أن تكون هنالك مواجهات مسلحة نحن نتدخل في هذا، ونحاول الآن سياسيا حسم هذا الخلاف، واذا استدعى الأمر للانضباط الأمني فسوف يحدث وليس في ذلك شك. * هناك حديث عن وفد من الحزب للتصالح بين كبر وهلال.. هل هذا صحيح؟ - هذا في اطار الاتصالات لحل المشكلة، وهلال من قبل استدعي إلى الجنينة وجاء إليها بالفعل، وأكد أنه ليس متمردا، وأن له مطالب محددة وذكرها، فهي مواصلة لما تم من قبل من لقاءات. * ولكنه الآن يشترط أن يذهب إليه الوفد الحكومي في مكانه في كبكابية ألا ترى في ذلك تطورا في موقفه؟ - هو طلب ذلك بالفعل من منطلق أن يطلع الوفد الحكومي على الأوضاع على الأرض، لأنه له مطالب محددة، وهذه المنطقة في قبضة الحكومة وبها قوات الجيش والأمن موجودة هناك، هذا طلب عادي في تقديري لإطلاع الوفد عن مشاكله. * في تقديرك من هو الأحق في هذا الصراع كبر أم هلال؟ - في هذه المشاكل لا تستطيعين أن تحكمي هكذا، في كثير من الأحيان الطرفان لهما وجهة نظر قد تكون مقبولة، لكن الأسلوب قد يختلف، لكن مطالب أهل دارفور بصفة عامة سواء للشيخ موسى هلال أو غيره كلها مطالب مشروعة، وموقف كبر كممثل للدولة يجب أن يحترم، المهم هو قدرتنا نحن على الاستجابة لهذه المطالب، وقدرتنا على التوصل إلى تسويات في هذه المشكلة. * وما هي قراءتك للمفاوضات في المنطقتين؟ - أعتقد أن الحكومة ليست لديها أي مشكلة في التفاوض مع أهل المنطقة، ولذلك ليس من الضروري أن نذهب إلى أديس أبابا للحديث عن هذه الأشياء، لكن الحكومة وجدت نفسها بسبب قرار مجلس الأمن مضطرة للتفاوض مع قطاع الشمال، وطرحنا مشكلة المنطقتين وقلنا إننا على استعداد لأن نتحدث فيها، وأشركنا معنا أهل المنطقتين على أساس أنهم الأقدر على طرح مشاكلهم والتحدث باسمهم، لكن في تقديري أن الأمور لو كانت طبيعية، ولو لم يكن هناك تدخل وإملاءات من مجلس الأمن، فالشيء الطبيعي أن تجلس الحكومة مع أهل المنطقة، وإذا حلت المشاكل معها يبقى التمرد ليس لديه أي قضية. * الأحزاب السياسية ترى أن مفاوضات المنطقتين حوار ثنائي بينكم وبين قطاع الشمال وأنه تكرار لنيفاشا أخرى؟ - من حق الأحزاب أن تستشار وأن ترفع وجهة نظرها في هذا، لكن هذا حوار بين حكومة ومتمردين، فطبيعي إذا كان هناك شخص رفع السلاح على الدولة أن تفاوضه الدولة، والمطالب من الدولة وليس من الأحزاب، ومشكلتهم مع الدولة وليس الأحزاب، فإذا كانت لديهم وجهة نظر هم الذين يعبرون عنها في هذه الحالة، أما نيفاشا فكان قرنق جزءا من التحالف، وكان باقان أموم الأمين العام للتحالف، وقرنق كان القائد العسكري، حتى التجمع المعارض وقتها فوض الحركة الشعبية في أسمرا أن تفاوض الحكومة، وكان قرنق يطلعهم على ما يحدث، فهذه حجة غير صحيحة، في كل العالم الحكومة هي التي تفاوض المعارضين وتصل معهم لاتفاقات، لكن من حق الأحزاب أن ترفع وجهة نظرها سواء كان للحكومة أو للمتمردين، هذا من حقها. * وكيف رأيت انهيار المفاوضات في أديس أبابا بهذه السرعة؟ - المفاوضات تحمل فشلها في داخلها من البداية، لأن قطاع الشمال لم يأت ليتفاوض حول المنطقتين، وجاء يفاوض حول مستقبل النظام في الخرطوم، والحكومة تفاوض حول قضايا المنطقتين، من البداية لم يكن هنالك اتفاق حول الأجندة، ولم تكن هناك نية للوصول إلى اتفاق، قطاع الشمال يسعى لاعتراف دولي باعتبار أنه جاء للمفاوضات بقرار دولي، وبالتالي لم يكن حريصا على الاتفاق. * إذاً، ما هي توقعاتك لمستقبل هذا التفاوض؟ - الموضوع سيطول جدا، وأعتقد أن الحسم لهذا الموضوع بيد أبناء المنطقتين الحاملين للسلاح، بأن يصلوا لقناعة أنهم يخربون في المنطقتين ويؤخرون التنمية والإصلاح وأنهم لا يخدمون قضيتهم بهذا الأسلوب، ولابد أن يصلوا لقناعة بأن التفاوض السلمي ووضع السلاح هو الخيار للأمثل لهم. * هل يمكن أن يخلق التأخير في المفاوضات نيفاشا جديدة وجنوبا جديدا يمكن فصله؟ - هم يسعون إلى ذلك، ولكن في تقديري الوضع مختلف جدا من موضوع الجنوب، فالمنطقتان شماليتان وأهلهما شماليون، وهم فجعوا في موضوع انفصال الجنوب ولم يستفيدوا منه شيئا، وما يحدث في الجنوب الآن درس جيد يمكن أن يسهم في توعيتهم، بأن هذا ليس الطريق. * رغم ما يمر به الجنوب من صراع وفتح الرئيس البشير للحدود لاستقبال النازحين واللاجئين هناك، مع ذلك هناك قوات من الجيش الشعبي دخلت أبيي بالأمس.. كيف نقرأ ذلك؟ - أعتقد أن هذه القوات ليس لها ولاء كامل للحكومة، هذه القوات عمل على إنشائها وتكوينها أبناء أبيي في الحركة الشعبية وبالتالي لا أعتقد أن الوضع هناك يمثل موقف الحكومة، فهم خشوا من تعامل الحكومة مع سلفاكير في عكس قضيتهم، ويحاولون أن يثبتوا وجودهم، ولكنني لا أعتقد أنها تخلق مشكلة مع حكومة الجنوب. * وكيف تقرأ الأوضاع والمشهد الأخير بالجنوب؟ - المشهد كشف حقيقة كانت معلومة لدينا قبل الانفصال، ولكن كثيرا من المراقبين الأجانب لم يكونوا يعرفون أبعادها، وكشفت عن هشاشة الوضع الجنوبي، كان هناك تصور أن الجنوب شعب واحد وقبيلة واحدة، وله مقومات الدولة المستقلة، لكن حسب تجربتنا معظم التجمعات السكانية في الجنوب ليس بينها كثير من التواصل، علاقتهم كانت مع الشمال، وكذلك النوير والشلك علاقتهم مع الشمال، ولكن اختفاء مظلة الدولة السودانية أوضح أن كل قبيلة تعيش في منطقتها ولها تقاليدها، كنت أعرف بعض الجنوبين قبل الانفصال كانوا يرون أن الوقت لم يحن للانفصال، وأن المشوار طويل لنبني قوميتنا أولا قبل دولتنا، وهذا لم يحدث، ولذلك سيظل الجنوب في حالة اضطراب مستمر، والمجموعات لن تتعايش مع بعضها إلى أن تتبلور القومية الجنوبية، وإلى حد كبير كثير منهم رأى أن الوقت لم يكن مناسبا على الأقل، وكثير منهم قد يجد أنه حتى الوقت فات للحديث عن العودة، لكن أكيد ما حدث قضى على كل المشاعر القديمة وأصبحت إمكانية التواصل مع الشمال حتى ولو كانوا خارج حدوده واردة جدا. * الحديث عن قرار السعودية بوقف التعامل مع البنوك السودانية إلى أي مدى سيؤثر على الاقتصاد السوداني؟ - حسب نظر الاقتصاديين الموضوع يتعلق بإجراءات معينة وليست له خلفية سياسية، فلو كان الموقف سياسيا لكان شاملا، مازال لدينا تعامل مع السعودية في المجالات الحيوية الأساسية.. هذه عملية إجرائية، والدليل على ذلك أن هناك بنوكا أخرى غير سعودية اتخذت نفس القرار لنفس الأسباب. ليست لنا مشكلة مع السعودية.. لدينا مشاكل مع الغرب؛ إذا اتخذ قرارا بحصار اقتصادي على السودان نفهم ذلك، لكن مع الخليج والسعودية ليست لدينا أي مشاكل. * "مقاطعة.." وتقاربكم مع إيران.. ألا يؤثر؟ - لا.. نحن علاقتنا مع إيران قديمة وليست موجهة ضد أي أحد، وتقاربنا مع هذه الدول أكبر من تقاربنا مع إيران، وقد يكون تقارب هذه الدول مع إيران أكبر من تقاربنا نحن معها، ويستطيع الإنسان أن يقارن بين الميزان التجاري بين هذه الدول وإيران وبين السودان وإيران، فعلاقتنا مع إيران لا تتعدى علاقتنا مع دول إسلامية أخرى مثل اندونسيا وماليزيا. * توقعاتك لمستقبل الحوار الداخلي؟ - الحوار الداخلي نحن نرصد من فترة علاقتنا مع حزبي الأمة والاتحادي باعتبارهم حزبين كبيرين ولهما تاريخ وقواعد شعبية، أعتقد أنه لا يوجد خلاف كبير بيننا وبينهم.. إذا كنا نريد من هذا الحوار -كخطوة أولى- أن يؤدي إلى توافق على نظام ديمقراطي ودستور يمكن أن نصل إلى هذا؛ ليس بيننا خلاف كبير حول ذلك.. كذلك المؤتمر الشعبي. وأملنا في الحوار معهم كبير، وأعتقد أنه من الممكن أن ينجح. وهناك أيضاً أحزاب أخرى ليس بيننا وبينها أي خلاف حول هذا الموضوع. يبقى من مجموعة الأحزاب الشيوعي؛ وهو حزب له تاريخ، ولكن الآن ليس له قواعد جماهيرية، وحزب البعث نفس الشيء، هي أحزاب صغيرة، والحركات المتمردة، هؤلاء ربما لا نذهب معهم إلى شيء، لكن على الأقل المناخ العام للحوار سيكون له تأثير على وضعها، فكلما نجح الحوار في خلق نظام ديمقراطي ودستور سيكونون موجودين ضمن العملية.. بالعموم ثمة تفاؤل بشأن الحوار الداخلي.. لو نجحنا في الحوار مع الأحزاب يمكن أن نصل إلى اتفاق حول الثوابت الوطنية. صحيفة اليوم التالي صباح موسى