ظلت المفاوضات بين السودان وجنوب السودان رغم تطاول أمدها تراوح مكانها، كل ما تقدمت خطوة إلى الأمام تراجعت خطوات إلى الوراء. وفي كل مرة يخرج الوفدان بخلاصات مختلفة عن سابقتها وتكرار الفشل في كل جولة من المباحثات تظل قضية الحركة الشعبية قطاع الشمال هي العثرة التي تلازم سير التفاوض. ولكن ربما يثمر اللقاء الذي تم بين وزيري دفاع البلدين على تفعيل اتفاقية الترتيبات الأمنية لتأمين الحدود بين البلدين بما فيها الخط الصفري المؤقت وفق الخارطة التي وضعتها الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، إضافة إلى تفعيل الآليات التي شُكلت لمراقبة الحدود بين البلدين بتطبيق بنود اتفاقية التعاون المشتركة الموقعة بين البلدين على أرض الواقع. ويرى العديد من المراقبين، أن الحديث عن الترتيبات الأمنية قبل التوصل إلى حل للصراع في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان حديث غير واقعي، و كلما انطلقت أية جولة من المفاوضات بين السودان وجنوب السودان تنقل وسائل الإعلام خبر وصول قيادات قطاع الشمال إلى مقر التفاوض وينفض سامرها قبل الجلوس على طاولة النقاش كما حدث مؤخراً. غير أن المفاوضات مع جنوب السودان تمضي في كل مرة نحو مربع الفشل والسبب « قطاع الشمال» وخاصة أن كل القرارات والتوجهات الدولية تصب في خانة الحوار مع الحركة الشعبية قطاع الشمال و تسعى الوساطة الدولية لإدراج قضية قطاع الشمال في ملف التسوية بين السودان وجنوب السودان في ظل تصاعد أعمال العنف وموجة النزوح العالية في جبال النوبة والمآسي الإنسانية المترتبة على الصراع هناك. بينما يعتبر الخبير الإستراتيجي عباس شاقوق أن الاتفاق لا جديد فيه وعزاه لعدم جدية الطرفين في تنفيذ اتفاق التعاون الذي وقّعه الطرفان وأن عامل عدم الثقة بينهما يعيق حل القضايا العالقة. واتهم أعداء السلام في البلدين بعرقلة العلاقات بين البلدين والاستثمار في الفتن ورهن عودة العلاقات الطبيعية بين السودان وجنوب السودان بإشراك كافة المكونات السياسية بالبلدين في أي اتفاق وتغليب مصلحة الشعبين على المنفعة الشخصية ورأى أن الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الجنوبي ولقائه بنظيره السوداني لا جديد فيها، على الرغم من التفاؤل الذي ظهر جلياً من الجانبين. فيما أشار اللواء محمد أبو العباس في حديثه ل«الإنتباهة» أن الترتيبات الأمنية هي التي تكون عائقاً في مسيرة المفاوضات التي ستجرى عقب زيارة وزير الدفاع الجنوبي وتكمن الخطورة في الاتساع الأفقي بين الدولتين من مساحات شاسعة واسعة لا تخلو من التفلتات الأمنية مضيفاً أن الاتفاقيات لا تحقق الأمن والاستقرار، ولكن كيفية التنفيذ هي التي تحدد وتساعد على تحقيق الأمن والاستقرار. خاصة إذا كانت هنالك مصالح مشتركة بين الدولتين ويتم ذلك في ظل إجراءات أمنية مشددة لكثرة التوترات الأمنية بالجنوب، والمشاكل القبلية والاقتتال بين أفراد الدولة الواحدة بسبب النعرات القبلية. وهكذا تبدو النظرة التشاؤمية لكل المتابعين عن كثب لسير المفاوضات بين الدولتين، على الرغم من الارتياح الذي أبداه كل من وزيري الدفاع بالبلدين بمخرجات لقائهما مؤخراً بتسيير الاتفاقية وإنزالها إلى أرض الواقع في القريب العاجل. وعلى الرغم من ذلك تظل كل جولة من المباحثات بين السودان وجنوب السودان، محاصرة بعناصر الفشل والتراجع في ظل عجز بائن وواضح في حل معضلة الصراع في النيل الأزرق وجبال النوبة. وتبقى الحكومة السودانية مطالبة بإعادة النظر في هذه القضية الشائكة، و خاصة أن الأسرة الدولية تمضي نحو فرض رؤية جديدة أهم عناصرها الحوار مع قطاع الشمال ووضع حد للصراع في جبال النوبة والنيل الأزرق. ترى هل ستكون هذه آخر محطات التنفيذ للاتفاقيات بين الدولتين؟ . صحيفة الإنتباهة