حميد ذلك الشامخ الانسان، فقدناه ومازالت ارض ابداعه بكر، فقدناه ومازلنا نطمح ان يمكث بيننا قليلاً، فقدناه ومازالت شعلة النشاط متقدة داخله، فقدناه ومازالت داخله الف قصيدة وقصيدة، فقدناه على عجل وكأنه كان على موعد مع عوالم اخرى غير عالمنا الذي احببناه وعشقناه فيه. تنطوي الأيام مسرعة مسرعة لنجد انفسنا وجها لوجه مع (20 مارس)، لنجد انفسنا نواجه نفس لحظات الألم ونفس لحظات الفراق المر، وكأن الزمن قد اقرضنا فرحاً و سيخلصه منا عذاباً، فسنوياً يكون العذاب نصيبنا حيث يجرنا الزمن للخلف لتلك اللحظات الصعيبة العصيبة يوم ان تلقينا الخبر فنزل علينا كالصاعقة، وطلبنا من محدثنا عبر الهاتف اعادة ما قال عله يقول غير الذي قال، فيعيد نفس الذي قاله ويؤكد لنا أن حميد قد رحل، وتظلم الدنيا في اعيننا ونصمت ونصمت وكيف نتحدث وحميد قد صمت، صمت من نحدث نيابة عنا لعقود وعقود. ونستجمع قوانا ونسأل عن مكان مواراة جثمانه الطاهر الثرى، وتأنينا الاجابة ان البنداري هي مرقده الاخير، ان البنداري ستضم بين حناياها حميد الرجل الفنان، يومها البنداري التي زرناها لوداع كثيرين قبله لم تكن هي تلك البنداري التي نعرفها كانت وكأنها هي ليست هي، بل نحن لسنا نحن. وتنادينا وبعض الاصدقاء لنرحل إلى هناك، ووصلنا إلى هناك وما خفف وطاة الحزن علينا أن كل السودان كان هناك، الكل يعزي بعضه البعض لان حميد كان حبيب الكل .. أجل كل السودان كان هناك، لان حميد لم يكن لنوري فقط، ولان حميد لم يكن لمروي فقط، ولان حميد لم يكن للشمالية فقط، بل لم يكن لحزب، ولم يكن لجهة دون غيرها، بل كان حميد من الجميع وللجميع، لذلك كانت الاذاعات والتلفزيونات و .. والصحف و الغبش والتعابا والترابلة وأيضاً بين جموع المشيعين كانت السرة بت عوض الكريم وحمتو وست الدار والزين ود حامد ونورة وعيوشة والتومات وراشد والحسين و بنيات الجرف .. و .. جميعهم شاركوا في وداع حميد وجميعهم قالوا له كان بدري عليك. ونصر ان نساهم في حمل (العنقريب) من مكان الصلاة للقبر في طريقه لمثواه الاخير، لاننا نريد ان نقبر ارجلنا من اجل حميد، ولانه حميد وهب حياته للاخرين ومساعدة الكبير والصغير، ولا تسع ساحة البنداري للمصلين عليه، وكما ان الاحياء فيهم السعيد والشقي فأيضاً بين الموتى هناك السعيد و الشقى، وجثمان اخر يصادف وجوده جثمان حميد ونصلي على حميد ونصلي على ذلك السعيد الاخر الذي اسفعه القدر بكمية هائلة من المصلين والداعين الله له ولحميد بالرحمة والمغفرة و .. و ... و الجنة بإذن الله. وبعده غفلنا راجعين لمنزلنا ونوقف العربة في الشارع لنأخذ بعض الاغراض، وينظر الينا من يشاهدنا باستغراب لماذا ما حذانا هاكذا .. لماذ بنطالنا متسخاً مقبراً هاكذا ونتجاهل ذلك لان اليوم ما نعانيه من ألم وفراق لا نجد معه مكاناً لمثل هكذا الاشياء، وفي طريق عودتنا نجتر الزكريات عندما زرته برفقة صديق وتناولنا العشاء معه بمنزله بالحاج يوسف، ويوم ان زرته بمطبعة الاشقاء ببحري، واه على تلك اللحظات عندما قدمته ليلقي قصائده التي يحن اليها الجمهور كما تحن الام الغائبة عن رضيعها وكانت تلك ليلة فريدة جمعتني بحميد المبدع وحميد الانسان وحميد الحبوب في ليلة ابداعية لا تنسى، وكيف ان حميد كان هو هو بساطة وتواضع جم في المنزل ومكان العمل وبين جمهوره، حميد الذي منذ قدومه للسودان كنا نكون اينما يكون نتتبعه لننهل من معين ابداعه فحيثما حل نحل، سينما بحري .. كازينو النيل الازرق .. مسرح صحيفة المشاهد، و .. و .. وقد انتهي ذلك اليوم الحزين ونحن لا نكاد نصدق ان حميد قد رحل. حميد ذلك الرجل الشامخ مستودع الخصائل الجميلة والصفات الفريدة، حميد الذي تتكشف كل يوم انسانيته، حيث يتبين لنا كيف أنه كان ينفق سراً على اسر وأفراد وجماعات، وكيف أن حميد كان يقف مع كل المحتاجين ويقضي حوائجهم دون أن يعلم احد، وكيف ان حميد كان يشارك مجاناً في كثير من البرامج لمساعدة الاخرين، والدلائل توحي لنا ان حميد لم يكن همه المال ولم يكن يكترث له، بل كان همه الاكبر تقديم يد العون للاخرين والمبادرة بفعل الخيرات والوقوف خلف كل مشاريع الخير والمبادرات الخيرية، وهذه احد الصفات الجمة التي كان يتمتع بها حميد ولا تتسع المساحة لذكرها هنا فقد عاش حميد بها ومات بها. ندعو لك بالرحمة والمغفرة والجنة ياحميد بكل صفاتك، حميد الإنسان، حميد النقي، حميد رسول السلام، حميد المبدع، حميد من حمل العامية السودانية لكل العالم، حميد التواضع، حميد البساطة، حميد التربال، حميد ياكمين بشر ... افتقدناك كثيراً. # محنى سعيد .. الف مبروك للعروسين عوض حمد وحنان حسن خلف الله وبيت مال وعيال، وتمتد التهاني للخالة فوزية ابشنب والاستاذ مصعب حسن والمحامي محمد حسن يسرى والاء وكل الاسرة الممتدة. عمود منحنيات