أحد معارفنا.. رجل عادي يعمل بالتجارة في سوق (الله أكبر)، متزوج من موظفة بإحدى الوزارات، أنجب منها ولدين وثلاث بنات. يُنفق عليهم بسخاء، يبذل قصارى جهده لتربيتهم بشكل مثالي. ونسبة لعمله بالسوق الذي يستغرق معظم وقته، يترك أمور التفاصيل الدقيقة للأسرة بيد الأم التي تأتي من عملها حوالي الرابعه ظهراً وتنشغل بأمور البيت، وينكفئ الأبناء على كتبهم الدراسية، وتسير الأمور بشكل طبيعي، مما يجعل الوالدين على أتم الاطمئنان. الوالد يجلب أمواله ويترك جزءاً منها بدولاب الملابس في غرفه نومه، وتلك المبالغ تُعتبر منصرفات البيت اليومية. كعادة الأسر السودانية التي تستبد الثقة بأفرادها، لم يكن الأب يكترث لأمر الأموال المتروكة على حافة أرفف الدولاب المفتوح بابه باستمرار، ويقول لنفسه:»إذا الأولاد ولا أمهم احتاجوا لحاجة يتصرفوا وأنا مافي». ولم يكن يكترث أيضاً ليعد النقود بين الفينة والأخرى، وعندما تنفد تنبهه الأم ويعطيها المزيد. مرت الأيام ولاحظ الأب أن المبلغ المالي المخصص للمنزل، بات ينفد بسرعة، بينما كان يقضي حوائج كثيرة في الماضي. ناقش زوجته التي وافقته على الملاحظة، ولم يجدا للأمر تفسيراً. وفي ليلة ظلماء عصيبة، تفاجأ الأب بابنه الأكبر يسرق من ماله، وكانت صدمة مروعة اهتزت لها أركان الأسرة. فالثقة التي كان يوليها الأب لأبنائه جعلته لا يعد النقود خلفهم، ولكن في ذات الوقت لام نفسه لانشغاله عن تربيتهم ومراقبتهم بأمور الدنيا وجمع المال. ما دفعني لسرد تلك القصة الحزينة، هو القضية المتداولة هذه الأيام، قضية لصوص مكتب والي الخرطوم المتحللين برد المال المنهوب، والناعمين الآن بأسرَّة غُرف نومهم الهانئة بين أسرهم وكأن شيئاً لم يحدث!. انقسمت الآراء بين حانقة على والي الخرطوم عبدالرحمن الخضر، مطالبة إيَّاه بالاستقالة، وبين من يرون أن الوالي غير مسؤول عن فساد من حوله. في تقديري، إن الوالي بالطبع لا يُحاكم بفساد من حوله لا أمام القانون ولا أمام الله سبحانه وتعالى، ولكن تكمن مسؤوليته في أن رقابة أجهزته الفنية داخل أروقة حكومة الولاية على منسوبيه، لا تقوم بواجبها بشكل جيِّد، أو أنها متواطئة مع الفاسدين، إضافة الى محاولته التنصُّل عن الأمر بإحاله الملف لوزارة العدل. والآن أمام السيد الوالي فرصة لتبييض وجهه، وهي أخذ الحق العام من مجموعة اللصوص المتحللين، ومعاقبتهم بنصوص القانون الجنائي، غير مكتفٍ بقانون الثراء الحرام.