الآن، يجدر بالمعلقين السياسيين الكف عن ترديد المقولة التي تشير إلى عزوف الجماهير عن العمل السياسي. وكذلك، مغادرة السخرية التي تصف الأحزاب بأنها بلا جماهير؛ فمساء أمس الأول (الجمعة) كانت مدينة الجريف شرق مسرحاً لفعل سياسي نشط ومحضور، تمثل في ندوة سياسية أقامتها كيانات اتحادية، اجتمعت تحت مسمى "الأحزاب الاتحادية المعارضة". صحيح، كان الكيان بلا هوية محددة سوى أنه زمرة من الناقمين داخل الأحزاب والتيارات الاتحادية، وصحيح أيضاً أن مقدم الفقرات استغرق غالبية الوقت وهو يعقب على المتحدثين، ويهجر بتشف متناولا سياسات المؤتمر الوطني، لكن الندوة نفسها استطاعت أن تجمع عددا مقدرا من الحضور، وتربطهم بالشأن السياسي العام، وكانت مؤشراً لتصاعد وتيرة العمل السياسي الجماهيري بالبلاد. بالنسبة لجميع المتحدثين في الندوة فإن المؤتمر الوطني مخطئ بنسبة مائة بالمائة في إدارته للبلاد على مدار ربع القرن، ولا يرون حلاً للمشكلة السودانية إلا باسقاط حكومته عبر التظاهرات السلمية في الشارع، على غرار ما حدث في الثمانينيات، وما حدث لاحقا في مصر وتونس واليمن. ويقول القيادي الاتحادي بابكر فيصل إن "الأحزاب الاتحادية المعارضة" لن تقبل بالحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية بغير ضمانات دولية وإقليمية، وطالب بإشراك الحركات المسلحة إلى جانب الأحزاب السياسية في طاولة الحوار الشامل، بعيدا عن الثنائية. يمضي فيصل ليشير إلى أن سياسة المؤتمر الوطني وضعت البلاد في عزلة مع جيرانها، وقال إن ديون السودان الخارجية بلغت 43 مليار دولار، وشرح كيف أنه يتعذر إعفاؤها وتسويتها، لأن 90 بالمائة منها تخص مجموعة نادي باريس، وقال إن إعفاء الديون من قبل أمريكا أو أي دولة أخرى أمر غير وارد، لأن المجموعة لا تتخذ قرارتها إلا بالإجماع، وهذا ما يراه فيصل مستحيلا. ومضى ليتساءل عن عائدات البترول السوداني التي قدرها ب 50 مليار دولار، وقال: "مع هذه المليارات، إلا أن جميع المشروعات التي قامت في السنوات الأخيرة كانت بالقروض التي ستدفعها أجيال قادمة من السودانيين". تمثل الأحزاب الاتحادية المعارضة: الاتحادي الديمقراطي الموحد بقيادة جلاء الأزهري، والحركة الاتحادية بزعامة الشريف صديق الهندي، والحزب الوطني الاتحادي، وفصيلي الخط الجماهيري والميثاق التابعين للاتحادي الأصل، والاتحادي الديمقراطي تيار الإصلاح والتغيير. وشارك في ندوتها المقامة بالجريف لفيف من القيادات الاتحادية مثل جلاء إسماعيل الأزهري وعبد الماجد أبو حسبو وآخرين. إلى جانب الأمين العام السابق لحزب الأمة القومي، إبراهيم الأمين، وتغيب عنها الشريف صديق الهندي الموجود في أديس أبابا بشأن الحوار بين أطراف الصراع في جنوب السودان. وتمهد بعض القيادات الاتحادية ليمثل الكيان نواة لوحدة تيارات اتحادية، لكن ليس هذا ما يهم القيادي الشاب جعفر حسن، فقد كان جعفر مهتما، وهو يتحدث في الندوة، بإرسال رسائل الاتحاديين إلى جهاز الأمن والقوات المسلحة وأفراد الشرطة، من ثم إلى والي الخرطوم. يقول جعفر: "الأولى بالقوى النظامية أن تنظر إلى مصلحة السودان، وعدم التدخل في الصراعات السياسية الداخلية بين الأحزاب". وقال إن رسالة التيار الاتحادي المعارض إلى والي الخرطوم هي: "كان أهل شرق النيل المتأثرون بالأمطار أولى بالمليارات موضع الاختلاسات من مكتبك". قوبلت عبارات جعفر بالهتاف العالي والتصفيق الحار من الحضور الذين وصل عددهم الآلاف، وكان طقس الندوة مناسبا لتحريضهم على الانفعال والهتاف بسقوط النظام. بالنسبة لياسر فتحي، وهو قيادي في حزب الأمة القومي شارك في الندوة، فإن الدعوة للحوار الشامل يختبئ خلفها فشل كبير، ويرى أن الحكومة مخطئة في حوارها مع قادة أحزاب سياسة لا يملكون زمام الأمر في أحزابهم، وبدا فتحي مستخفاً من التناول الإعلامي لقضايا الفساد الحكومي، والمطالبة بتقديم المتهمين إلى المحاكم، وقال إن النسيان دائما ما يغطي القضايا المشابهة، وتساءل فتحي عن مصير لجان التحقيق التي شكلت بشأن أحداث القتل في جامعة الجزيرة وأحداث سبتمبر الماضي، وقال إن الفساد يمثل منهجاً للمؤتمر الوطني، ولا يكفي أن يقدم أفرادا كقرابين. كانت الندوة مناسبة وسانحة ليستعرض القيادي أبو القاسم عثمان الطيب تاريخ مدينة الجريف شرق وعلاقتها بالحزب الاتحادي، ونال تصفيقا حاراً وهو يستعرض بدقة أزمة أراضي الجريف المتفاقمة، وقال إن الحكومة سلبت الأراضي من أصحابها لصالح الاستثمار ولم تعوضهم، وظلوا لسنوات طويلة يعانون من التكديس، وسوء التخطيط والافتقار لأبسط الخدمات. صحيفة اليوم التالي