حديث المدينة حصانة الضمير..!! عثمان ميرغني في خطابه بمناسبة تنصيبه أمس الأول قال الرئيس البشير ( أدعو أهل الرأي والقلم في مراكز البحوث والإعلام ومنابر الصحافة أن يسهموا في بناء روح المسؤولية وتسليط الضوء على الخيارات الموضوعية لمعالجة قضايانا الوطنية كافة..)، ثم تفضل الرئيس بتقديم حصانة رسمية قوية لأهل الرأي فقال (وإنني أعدكم أن أكون نصيراً لكم ولهم في إنجاز مهام هذه المرحلة التي هي من أشرف المهام وأنبلها، فقناعتي أنَّ رأي الجماعة لا تشقى البلاد به، مؤمناً بالحكمة (من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها عقولها). دعوة من الرئيس لإبداء الرأي مهما كان الرأي معارضاً لسياسات الحكومة وقناعات حزبها المؤتمر الوطني.. ومن هذا المنطلق أجد نفسي متعجلاً في مطالبة الرئيس بأن يبدأ بمستشاريه وبطانته القريبة التي (يفترض!) أنها أقرب حلقات إبداء الرأي والمشورة لديه.. فالغالب عند أهل السودان أنّ المستشارين لا يشيرون إلاَّ بما تيقنوا أنه (رغبة!) الرئيس.. وحتى هذه يؤدونها بأكثر ما يضمن بقاء الوظيفة ودوام الرضا الرئاسي عنهم. ويكاد يكون لدى كل سوداني قناعة أن لا أحد يستطيع أن يقدم مشورة أو رأياً للرئيس وهو يدرك أنَّ هذه الرأي قد لا يرضي الرئيس أو أحداً من الحلقة الرفيعة المقربة إليه.. بل ويبتلع المستشارون ألسنتهم تماماً إذا كان في ضمائرهم قناعة بعكس ما رآه الرئيس .. إذا أحسّوا بأن الجهر بمثل هذا الرأي يعرض الوظيفة للخطر.. وهناك أيضا قناعة سائدة عند البعض أنَّ وظيفة (مستشار برئاسة الجمهورية) لا يقصد بها الرأي أو الاستشارة.. هي مجرد \"تقريشة\" Parking لبعض الأشخاص الذين لم تتوفر لهم وظائف في الأجهزة الدستورية الأخرى.. فيتعيشون تحت كنف (مستشار) وهم يدركون أن لا أحد يستشيرهم.. وإن استشارهم لن يقدموا رأياً سوى الرأي الذي يوقنون أن الرئيس سعيد به.. في تقديري .. الأفضل في الدورة الجديدة للرئيس أن يعتمد أكثر على شورى المؤسسات.. يشجع الجامعات ومراكز البحوث أن تتقدم بمبادرات أو آراء أو حتى مراجعات لقرارات رسمية أخرى.. بصورة مؤسسية أو فردية .. حتى تتوسع دائرة صناعة القرار السيادي في البلاد.. وليت الرئيس يبدأ بما كتبه البروفيسور مصطفى ادريس في صحيفة \"التيّار\" .. هذا الرجل بكل شجاعة قدَّم نصائح من (ذهب) دون أن يخشى على (ذهب) السلطة وذهابها.. رجل لا يعبد بريق المنصب أو لقمة العيش.. وقليل من يستطيع فعل ذلك.. ليت الرئيس ينفذ وعده فيمنح أمثال هؤلاء (حصانة ضمير).. حتى يحفُز ذلك من هم في مناصب أخرى ليطلقوا سراح ضمائرهم.. فكثيرون في بلدي لهم أفكار نيّرة وآراء صائبة لكنهم يعيشون تحت رهق الخوف المرير على لقمة العيش.. يرفعون شعار (من أجل أبنائي) و(دعوني أعيش) .. وما أكثرهم ..!! التيار