حديث المدينة دموع ادريس..!! عثمان ميرغني روت صحف أمس قصة (دموع) السيد إدريس عبدالقادر.. رئيس الوفد الحكومي المفاوض في أديس أبابا.. بكى في أحد مساجد الخرطوم بعدما استمع لخطبة الإمام الذي اتهم الوفد المفاوض بالخيانة.. ودافع إدريس أمام المصلين عن موقفهم لكن الدموع (اندفعت) لا لتعبر عن موقف عاطفي.. بقدر ما تعبر عن حالة (Fatigue) .. إحساس بالإجهاد التفاوضي.. إدريس ظل مع مجموعة من زملائه يفاوضون ويفاوضون لأكثر من خمس عشرة سنة متواصلة.. حتى أصابهم الإجهاد التفاوضي.. للدرجة التي لم يتحمل فيها (مفاوضات المسجد) المفتوحة مع الجمهور.. فخرت أدمعه.. وسبب الإجهاد التفاوضي.. أنه ومنذ بداية عمل المبعوث الأمريكي جون دانفورث في العام 2001.. ووفدنا المفاوض من لدن مفاوضات سويسرا التي أنجبت أول إعلان لوقف إطلاق النار في حرب الجنوب (كان الإعلان محدوداً بمنطقة جبال النوبة).. لم يتغير حتى اليوم.. ظلوا يديرون هذه المفاوضات في مختلف الحقب وبنفس واحد.. وربما ليس في ذلك مشكلة كبيرة.. لكن المشكلة الأكبر أن الحكومة مارست أكبر حملة (تتفيه) لدور (المستشار).. مسؤول رفيع في حكومتنا قال لي: إن أكثر ما أدهشه في اجتماع له مع السيد سلفاكير لما كان رئيس جنوب السودان قبل الانفصال أنه لاحظ وجود مستشارين اثنين.. أجنبيين.. يجلسان خلف سلفاكير ويكتبان على جهاز الكمبيوتر المحمول (لابتوب). إدريس عبد القادر نفسه روى لنا أنه لاحظ خلال مفاوضات أديس أبابا وجود مستشارين (أجانب!) مع الوفد المفاوض لدولة جنوب السودان.. حسناً.. هم يديرون شأنهم ب(مستشارين) أجانب.. فضلاً عن مستشاريهم الوطنيين من بني جلدتهم.. فماهو دور (المستشار) عندنا.. لنبدأ من أعلى الهرم.. في القصر الجمهوري.. من هم حملة صفة (المستشار)؟؟ هل يستشيرهم أحد.. هل يشيرون هم على أحد؟؟ بل من الأصل هل هم تبوأوا المنصب لأنهم فعلاً حملة مؤهلات (مستشار) أم لأنهم حملة بطاقات قبيلية أو جهوية أو أي صفة ما تجعل منصب (مستشار) مجرد موقف (Parking) للتخزين.. والتمتع بجاه حكومي من أجل الجاه. لا أكثر ولا أقل. لا أريد أن أحصى لكم عدد المستشارين في هياكل الدولة.. ليس في القصر وحده .. بل حتى في الوزارات.. لكل وزير دستة مستشارين ليس مطلوباً منهم أي (شورة).. وللولاة مستشارون.. وللمعتمدين.. بل وفي حالة تاريخية نادرة اكتشفت أن أحد المستشارين عين لنفسه مستشارين. نتيجة مثل هذا الهدر (الاستشاري)، ضياع قيمة وفعالية (المستشار) فيذهب وفدنا المفاوض في كل الجولات ولكل الموضوعات.. معتمداً على خبرته وتجربته ومعلوماته.. وتضيق دائرة (الشورة) إلى أقصى مداها.. ويزيد الأمر سوءاً عندما يؤتى بمستشارين من الصنف الذي يتحسس ما يريده طالب (الشورة) فينفخ في اتجاه الرياح.. وتكون النتيجة النهائية حالة الإجهاد التفاوضي.. (Fatigue).. التي تجعل كبير مفاوضينا ينهمر بكاءً.. الأجدر أن تعيد الحكومة لمنصب المستشار هيبته وقيمته.. ألاّ يعين مستشاراً إلا من يحمل صفة مستشار.. وهي ليست صفة أكاديمية ترتبط بالشهادات ولا الخبرات وحدها.. بل أيضاً قيمة إنسانية تتربط بشجاعة المستشار.. يقدم رأيه مهما كان صادماً لرأي الجهة الأعلى. فهو (مستشار).. لا (نجار) ينجر النصيحة حسب طلب الزبون.. وقبل ذلك مطلوب حصانة ل(المستشار).. حتى لا يفقد وظيفته من أول نصيحة.. لا تعجب!! التيار