** نعم ، إقامة نائب الرئيس بالجنوب ليست مجدية ولا تصلح بأن تكون ثمنا للوحدة المرتجاة ، ثمن الوحدة هنا بالخرطوم ، بيد أن الخرطوم غير مستعدة لدفع هذا الثمن .. وزير الخارجية ، القيادي النافذ بالحركة ، أشار إلى ثمن الوحدة في تصريح حديث ، حيث قال البارحة لمركز كومون الإعلامي بصريح العبارة : ربط الدين بالدولة يقف أكبر عقبة أمام الوحدة ، وكذلك الإسلام السياسي ، وأهل الجنوب لن يرضوا أن يعيشوا في دولة تجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية .. هكذا يضع دينق ألور يده على ما أسماها ب( أكبر عقبة ) ..!! ** وليس دينق ألور فقط ، بل كل النخب الجنوبية المؤثرة في تشكيل الرأي العام بالجنوب ، يضعون الدولة العلمانية شرطا أساسيا من شروط الوحدة .. وذات يوم اتهمت أتيم قرنق بالإذاعة بتهمة مفادها أن النخب الجنوبية دائما تضع أهل الجنوب في الدرجة الثانية ، ولا تقدم مقترحا ناجعا يقدم هؤلاء الأهل من الدرجة الثانية إلى الأولى ، ليتساووا مع كل أهل السودان.. فابتسم أتيم ورافع عن نفسه - وكل النخب الجنوبية - قائلا بالنص : لامن الخرطوم تبقى زي جوبا والقاهرة بنتساوى مع بعض .. هكذا يطابق أتيم قول ألور ..!! ** وعلى الطرف الثاني طرح نقيض لهذا الطرح .. وعلى سبيل المثال فقط لاغير ، نقلت حديث أتيم قرنق للدرديري محمد أحمد ، أحد مهندسي نيفاشا ، سائلا : هل المؤتمر الوطني مستعد لدفع ثمن الوحدة الذي يلمح به أتيم قرنق وكل النخب الجنوبية .؟.. فتلعثم قليلا ، ثم قال : الحركة الإسلامية لن تتنازل عن مبادئها ولن تفرط في ثوابتها ..هكذا كانت إجابته ، وبالتأكيد تلك ليست إجابة الدرديري وحده ، أما البروف الأمين دفع - النافذ في دهاليز الحزب - لقد كان صريحا جدا ، بحيث رد على ذاك السؤال بلا تلعثم قائلا : لو كانت الشريعة هي ثمن الوحدة ، فلتذهب الوحدة غير مأسوف عليها .. !! ** هكذا الفكر وضده ، يتجليان ويتساجلان عند تلك العقبة ، وهذا ما تلمسه إمام الأنصار مؤخرا ، حيث اقترح قبل كم يوم طريقا أسماه بالطريق الثالث لإنقاذ أهل السودان ، بحيث فيه الحكم المدني يستمد قواعده من الدين ، وعلى ألا يطبق تلك القواعد على غير المسلمين ..هكذا الطريق الثالث ، كما يقترح الإمام الصادق..وإذا حدقت فيه تكتشف بأنه ليس طريقا ثالثا ، بل هو المعمول به حاليا بأمر اتفاقية نيفاشا ، أوهكذا وصف الدكتور عبد الرحيم علي هذا الطريق ، ولقد صدق نسبيا .. بحيث مقترح الإمام ليس بجديد ، بل هو ما ينص عليه الدستور، ولكن في واقع الحال هناك (نظام عام)؛ يجلد بالطرف (المسلم وغير المسلم ) ، وكذلك يحرم بالطرف ( على المسلم وغير المسلم ) .. في الخرطوم ، وكل مدائن الشمال ، وهذا ما يزعج النخب الجنوبية ويرغمها على البوح الصريح بلسان حال أتيم قرنق : دايرين عاصمة زي جوبا والقاهرة أو الانفصال .. !! ** وعليه ، فالأحاديث السابقة للسادة - ألور ، أتيم ، الدرديري ، دفع الله ، المهدي وعلي - هي المائدة التي يجب أن يشارك فيها الكل بالنقاش ، حتى يثمر أملا يقرب السودان إلى حيث الوحدة .. هذا إن كان أمر الوحدة مهما .. ذاك النقاش هو لب الموضوع ، وهو المطلوب نقاشه بعمق عاجلا ، هنا في الخرطوم ، حيث مطابخ صناعة القرار.. ولذلك قلت فيما قلت بأن ثمن الوحدة ليس سهلا كما يتراءى للبعض .. وأن محض جولة بمدن وأرياف الجنوب يقوم بها النائب أو الرئيس - أو حتى كل رؤساء ونواب الدنيا والعالمين - لن تثمر ثمنا من أثمان الوحدة التي في مخيلة النخب الجنوبية المؤثرة جدا على تشكيل رأي تلك المدن والأرياف .. ناقشوا الأمر هنا ، والمعجزة هي أن تثمر شجرة نقاشهم (ثمن الوحدة ) .. ولذلك ، البحث عن ثمرة الوحدة يجب ألا ينسي كل أهل السودان ترقب الانفصال ثم التفكير في كيفية ( درء مخاطره ) .. أي ، الدعوة إلى (الوحدة الجاذبة) يجب أن تكون موازية للدعوة إلى ( الانفصال السلس ) .. أوهكذا يجب أن تكون طرائق تفكير صناع القرار ، حتى لايتفاجأ المواطن ، شمالا وجنوبا ، بفقد وخسران ( الوحدة الجاذبة والانفصال السلس ) .. !! صحيفة الحقيقة