هناك فرق لا تُعكِّروا مِزاجَهم ..! منى ابو زيد أحياناً ترد جملة (على حد تعبيره) – الاعتراضية/الحذرة - مضمَّنة في صياغة الخبر الصحفي .. – في الغالب الأعم - عندما يُصرِّح (المنقول عنه) بكلام خارج إطار النمطي والمألوف .. وقد وردت ذات الجملة – المذكورة آنفاً - في سياق نقل بعض صحف الأمس، جانباً من حديث السيد كمال عبد اللطيف وزير رئاسة مجلس الوزراء في أثناء زيارة تفقديه قام بها لمباني جهاز المغتربين يوم أمس الأول ..! إذ .. بعد توجيه انتقادات شديدة لتضمين السؤال عن القبيلة في قائمة البيانات الخاصة باستخراج الجواز لدى جهاز المغتربين .. حثَّ السيد الوزير إدارة الجهاز على اعتماد برامج علمية مدروسة لربط المغتربين بوطنهم، في أثناء عودتهم إلى البلاد لقضاء الإجازات الصيفية .. كما وجه ب (عدم تعكير مزاجهم) ..! فكرة التنويه الاعتراضي عن حد تعبير (التوجيه بعدم تعكير المزاج) تنطلق بالطبع من ثقافة مجتمعنا المحلي .. حكومة وشعباً لا يحفلان كثيراً بحكايات الأمزجة ومسائل الأحوال النفسية لبعضهم البعض .. فهموم مجتمعاتنا ما تزال محصورة في كيس الخضار .. وهدوم المدرسة .. وحبوب الضغط والسكري .. وفواتير الكهرباء .. ورسوم النفايات ..! ما نزال مهمومين بعلاج العلل البدنية والشكلانية فقط .. بينما إثارة الحديث عن الصحة النفسية في عرفنا ترف مقصور على شعوب الرفاهية، وسادة العالم الجدد ..! لكنّ الحقيقة التي لا نذكرها – إلا لماماً - هي أن معظم عللنا الجسدية تعود إلى أوجاع نفسية .. لنأخذ المزاج الذي وجّه السيد الوزير بعدم تعكيره كمثال .. عُسر المزاج (أو عكار الدم بالعامية!) مرض نفسي (عديل!) .. – بحسب علماء النفس هو نوع خفيف من أنواع الاكتئاب – واسع الانتشار (بطبيعة الحال) في أوساط المغتربين القادمين إلى السودان في إجازتهم السنوية .. حيث هبوط الروح المعنوية والشعور بشتى المشاعر السلبية كالحزن والغضب والإحباط ..! الدراسات العلمية الحديثة أكدت أنّ سوء المزاج يؤثر على تكوين البشر فضلاً عن سلوكهم .. حتى أنّ (المناوي) قد تحدث في كتابه (فيض القدير شرح الجامع الصغير) عن تأثير سوء المزاج على سِحن وملامح الناس في بلاد الزنج والحبشة ..! وفي كتابه في (الحب والحياة) يقول الدكتور مصطفى محمود إنّ المزاج والحب هما سر من أسرار الصحة والمرض .. وليس من مبالغة في قولنا إن السيد المسيح كان يُشفي بالحب ..! لا غرو .. ولا مبالغة .. فالروتين اللئيم .. والبيروقراطية التعسفية .. تلك السلوكيات الوظيفية الجائرة والمنتشرة في دوائرنا وأجهزتنا الرسمية .. لا (ترفع الضغط) فحسب .. بل تحدث جفافاً واضطرابات خطيرة في الغدد الصماء .. وعسراً دائماً في الهضم واضطرابات في عمليات الامتصاص والتمثيل الغذائي ..! (شفت كيفن ؟!) .. وقد قيل إنّ اليأس– الذي هو حال المغتربين الهائمين على وجوههم - يؤدي إلى انخفاض الكورتيزون في الدم .. وإنّ الغضب – الذي هو حالهم في أروقة السفارات ومكاتب الجهاز - يؤدي إلى ارتفاع الادرينالين والثيروكسين في الدم بنسب كبيرة ..! وإذا ما استسلم المغترب لتعبات زياراته الراتبة لمباني الرسوم ومكاتب الجبايات فسيغدو بلا شك فريسة سائغة لقرحة المعدة والقولون والذبحة .. وهي أمراض لا علاج نهائي لها .. ولا وقاية من شرها إلا باتقاء تعكير المزاج ..! وبناءً عليه .. فجملة (على حد تعبيره) غير واردة عند ذكر التوجيه الحكومي ب (عدم تعكير المزاج) .. وليت السيد الوزير يكمل جميله ويرفع الشعار التالي .. (مزاج المواطن الحُر رقعة حرام .. لا يملك أي مسؤول – مهما علا شأنه - الحق في تعكيره بإساءة استخدام السُّلطة) ..! التيار