نتفق ونبصم بالعشرة مع الرئيس البشير أن انفصال الجنوب عن الشمال لن يكون سلساً، وسيكون دامياً، وسيفجر حرباً, لكثرة التقاطعات والأسافين التي يمكن أن تدق في أي نقطة من النقاط الحدودية الممتدة، ولهذا لن يهنأ الذين يظنون في الجانبين شمالاً وجنوباً أن الانفصال سيريحهم من عناء الحرب، وسيفاديهم رهق السنوات، هم في هذه الحالة حالمون وواهمون، والإشكالات التي سيخلفها الانفصال أكبر وأكثر من الإشكالات التي بسببها نشأت الحرب، فالتمزقات التي ستنشأ بسبب ترسيم الحدود من المؤكد أنها ستترك آثاراً وبيلة، وستوغر الصدور، ولا يمكن حبس مواطنين اعتادوا لعشرات السنوات التجوال بحرية بحثاً عن المراعي، هم غير معنيين سواء وقعت شمالاً أو جنوباً، ولكن الانفصال إن قيض له أن يقع سيشطر البلاد شطرين وسيقسمها جزأين، ولن يكون بوسع الرعاة مهما كانت وعود الساسة ومهرهم المواثيق، لن تكون شفيعاً لهم ولن ينجوا من إجراءات عقابية، لأنهم توغلوا في أرض دولة أخرى ذات سيادة، ودخولها يتطلب أوراقاً ثبوتية. ثم أن قضايا ما بعد الاستفتاء والتي تتطلب اتفاقاً ووفاقاً لا نراه حالياً، ومن ثم فإن ترسيم الحدود وتقسيم الثروة وبترول أبيي والدين الخارجي، هذه كلها قضايا قابلة للانفجار، ولتجديد المواجع من جديد، لكن إذا ما اختار أهل السودان الوحدة فسيمكن تفادي كثير من هذه الإشكالات. وأحسب أن هناك أكثر من طرح موضوعي لو قبله أهل الجنوب، فسيتيح لهم فرصة اختيار الوحدة، بعيداً عن الانفعال والمؤثرات العاطفية وحالة الهيجان السياسي، والفوران الحركي، فلو أن الحركة الشعبية، قبلت بمهلة تمارس من بعدها حق تقرير المصير، في هذه الفترة تقيم جدوى الوحدة، وهل الانفصال يمثل بديلاً أفضل؟ ويمكن التوافق في هذه الفترة أن يتمتع الجنوبيون بحكم الإقليم والمشاركة في ذات الوقت في حكم الشمال كما هو حادث حالياً، وأكثر من ذلك يمكن التوصل إلى أن يستأثر الجنوب بحصته كاملة من البترول. ونسأل أيهما أجدى للجنوبيين, أن يخرجوا من حكم الشمال مرة واحدة والانكفاء جنوباً أم الأفضل لهم أن يستأثروا بالميزتين، وأن يجدوا نفوذاً في الحكمين، الجنوب بكامله وبعض الشمال. وإذا كان القول المأثور قد دعا لأخذ العبرة من الآخرين وأكد على أن (العاقل من اتعظ بغيره)، فإن النظرة الثاقبة والبصيرة النافذة توجب علينا، أن ننظر في تجارب من حولنا، وإلى جوارنا، إلى تجربة إثيوبيا وإريتريا تحديداً، فإريتريا خاضت غمار حرب طويلة المدى من أجل التحرير وإقامة دولتها المستقلة، ودفعت ثمناً لذلك كلفةً باهظة، وافتقدت خيرة شبابها، بل وافتقد الجانبان أعداداً مقدرة من المقاتلين، وظن كل طرف بعد أن وضعت الحرب أوزارها أنه آن لهما أن يستريحا من تعب الحرب ورهقها، وأن يودعا إلى الأبد بلواءها، وما لبث البلدان قليلاً إلاّ وعادت الحرب أشد ضراوة، واستعرت الخصومة بين البلدين، فالحرب قادتهما لانفصال والانفصال قادهما لحرب، ولقطيعة سياسية ونفسية واقتصادية واجتماعية، فهل نرغب في السودان في تكرار ذات السيناريو، والسير على ذات الدرب، ونجرب ذات الكأس؟. صحيفة الحقيقة