بات في حكم المؤكد ان انفصال جنوب السودان يمثل تهديداً اقتصادياً رئيسياً للسودان جنوبه وشماله.. وستنشأ تعقيدات سياسية واجتماعية ينبغي التفكير في وضع ترتيبات ومعالجات لها قبل اعلان نتيجة الاستفتاء منعاً لنشوب حرب جديدة أو على أقل تقدير حدوث اضطرابات أمنية في كلا الدولتين. ففي الجنوب وبحسب موازنة 2009م يشكل العائد من البترول «99%» من إيرادات الجنوب .. بمعنى أن الاقتصاد في الجنوب يعتمد كلياً على البترول، لذا قد تحدث اضطرابات اقتصادية كبيرة حال انفصال الجنوب، إذ ان خطوط نقل وتصدير البترول تمر عبر الشمال ويحتاج ذلك إلى ترتيبات دقيقة تلائم الاوضاع الاقتصادية بالشمال والجنوب والاتفاق على سعر تفضيلي لنقل الخام المنتج في الجنوب عبر خطوط الأنابيب الموجودة بالشمال، وسعر تفضيلي يرضي الطرفين لاستخدام موانئ تصدير الخام على البحر الأحمر حتى لا يتضرر الجنوب الذي يعتمد كلياً على البترول ويضطر إلى البحث عن بدائل أخرى قد يعجز عن الوصول إليها لكلفتها العالية. إذ أنه سيتجه لتصدير البترول عبر موانئ أخرى مما يكلفه انشاء خطوط انابيب جديدة تحتاج لكثير من المال ولن تكتمل إلا بعد سنوات عديدة .. وفي هذه الاثناء سيدخل ا لجنوب في ازمة اقتصادية ضخمة سيدفع ثمنها المواطن الجنوبي وقد يؤدي ذلك إلى انشقاقات وحروب أهلية. وفي الشمال برغم ان عائدات البترول لا تزيد عن «45%» من الايرادات العامة إلا أن خروج البترول من دورة الاقتصاد القومي قد يكون له تأثير كبير خاصة في السنوات الأولى إذ إتجه الجنوب لتصدير البترول عبر موانئ أخرى. ولكن في الشمال توجد بدائل أخرى يمكن ان تسد العجز مثل خفض الانفاق الحكومي وزيادة العائدات من الصادرات الأخرى بالتركيز على الزراعة وتفعيل مشاريع النهضة الزراعية باستزراع مساحات من المحاصيل النقدية وزراعة محصولات أخرى يمكن تحويلها إلى منتجات صناعية تتوافر فيها الجودة العالية لتصديرها. ويمكن أيضاً التركيز على الصناعات الأخرى بحيث تستطيع منافسة الصناعات العالمية لجلب عملات صعبة.. ثم الاتجاه إلى الاهتمام بالسياحة والسودان يزخر بمناطق سياحية عديدة يمكن ان تكون مورداً اقتصادياً ضخماً إذا توافرت فيها مقومات السياحة العالمية. فضلاً عن بدائل أخرى يمكن ان يبتدعها الاقتصاديون لسد الفجوة. ولكن قد يتطلب ذلك وقتاً طويلاً يمكن ان يكون له تأثيره على استقرار الاسعار والاقتصاد عموماً. لذا من الافضل للطرفين - الشمال والجنوب- الاتفاق على تفاهمات تفضي إلى ترتيبات تعالج الازمة حال انفصال الجنوب. وفي ظني - وليس كل الظن إثم- ان الحديث الذي أطلقته بعض الاحزاب بأن يكون البترول الجنوبي للجنوبيين لتشجيعهم للتصويت لصالح الوحدة فيه كثير من الظلم والإجحاف للشمال الذي ظل يدفع فاتورة الحرب سنوات عديدة.. والأن دفع فواتير كثيرة للسلام والوحدة وقدم العديد من التنازلات.. فمن الظلم أن يستأثر الجنوب بالبترول كله بينما الشمال هو الذي سعى لاستخراج البترول وتنازل عن «50%» من الايرادات لصالح الجنوب ثمناً للسلام واستقرار الجنوب وتنميته بينما كان يمكن ان يتمسك الشمال بأن تتساوى كل الولايات في إيرادات البترول باعتبار ان الجنوب واحد من هذه الولايات في وطن واحد.. أو على أقل تقدير يكون النصيب الأكبر للمركز باعتباره مسئولاً عن تنمية الولايات الأخرى. لذا ليس من الأوفق ان يتنازل الشمال عن نصيبه في بترول الجنوب ثمناً للوحدة حتى لا يخلق ذلك مزيداً من الغبن في نفوس الشماليين الذين يعتبرون أنهم قدموا الكثير للجنوب. وما يؤسف له -حقاً- مطالبة ذات الحزب بالغاء قوانين الشريعة الإسلامية وقد أعلنها صراحة في ندوة ما يسمى بتحالف شباب قوى اعلان جوبا بأنه يجب أن تحكم العاصمة بقوانين إتحادية وليست بقوانين الشريعة الاسلامية.. زاعماً ان ذلك يمكن ان يشجع على الوحدة.. وهو بذلك يدعو لحكم علماني يحتكم إليه السودان.. تفتح فيه البارات وتتفشى فيه الجريمة والانحلال الاخلاقي.. حيث كان سائداً ذلك في عهد حكومة ذلك الحزب! ولكن هيهات.. لن يحدث ذلك ولن يعيد التاريخ نفسه بل لن يرضى الشعب السوداني ان يحكمه نظام علماني.. فهو شعب جبل على الاسلام وتغذى روحه بالايمان في كل بقاع السودان شمالاً وشرقاً وغرباً الذي عرف منذ القدم بعمق الايمان وتلاوة القرآن الذي لا تنطفئ نار تقابته.. اما الجنوب فالاحصاءات المتوافرة تؤكد ان معظم مواطنيه يعتنقون الاسلام والقليل منهم مسيحيون.. شعب كهذا لن يرَى ان تخبو نار الاسلام او تنكس راية الايمان في بلاده.. بل سيناضل ويقاتل من اجل ان تسود الشريعة الاسلامية ويحتكم لقوانينها التي ستحفظ امنه وعرضه ووطنه.. فالوحدة التي هي مسئولية كل فرد وكل مواطن في السودان وعلى الجميع ان يعمل من اجلها لن تكون الشريعة ثمناً لها أو غرباناً يقدم من أجل الوحدة.. فالسودان وشعبه الكريم لن يبيع دينه واسلامه ولن يقدمه ضمن تنازلاته العديدة لترضية شرذمة من العلمانيين الذين يريدون ان ينحدر السودان إلى القاع وتدمر قيمه وأخلافه التي عرف بها عالمياً.. فمثلما وقف بصلابة في التحديات والنكبات التي دبرتها له بعض الدول المعادية سيقف ايضاً بتحد لمواجهة هذا التآمر الرخيص وسيجتازه بنجاح!!