حديث المدينة سيد أحمد خليفة.. عثمان ميرغني أخيراً.. استسلم الأستاذ سيد أحمد خليفة.. وضع القلم.. وسلّم الراية.. وودّع (الوطن) الصحيفة والبلد.. أحد رُوّاد الصحافة السودانية بكل يقينٍ، حَفَرَ مجده في صخور الصحافة بظفره.. شَقّ طريقه فيها من أدنى وظيفة إلى أنْ أصبح رئيساً للتحرير، ثُمّ ناشراً يمتلك صحيفة (الوطن). وكان من الصحفيين السودانيين القلائل الذين عملوا في الصحافة العربية (صحيفة المدينة في الشقيقة المملكة العربية السعودية، ثم صحيفة الشرق الأوسط في لندن).. لكنه كان الصحفي السوداني الوحيد – حسب معلوماتي – الذي عمل مراسلاً حربياً في الحرب العراقية – الإيرانية (1980 -1988م).. ثم خَاضَ في وحول الصومال فترة طويلة وأبدع في تغطية أخبار القرن الأفريقي لدرجة أن صُنف خبيراً في شؤون القرن الأفريقي، وكانت الإذاعات والفضائيات من مختلف أنحاء العالم تستضيفه لتحليل الأوضاع في القرن الأفريقي والصومال على وجه الخصوص.. وللأستاذ سيد أحمد خليفة قُدرة كبيرة على صناعة العلاقات العامة والخاصة.. فكان قريباً جداً من الرئيس الصومالي الأسبق محمد سياد برّي، بل كان مستشاره الخاص وأمين سره.. ومن أخطر الأعمال الصحفية التي قَامَ بها سيد أحمد خليفة، بعد انهيار حكم سياد برّي وهروبه واختفائه عن الأنظار في قلب الأحراش والأدغال.. استطاع سيد أحمد خليفة أن يحدد موقع اختفاء الرئيس في الغابات.. واستأجر سيد أحمد خليفة طائرة خاصة صغيرة طار بها من نيروبي وهبط في قلب الغابة في مجازفة عالية الخطورة، إذ كاد حرس الرئيس يطلقون النار على الطائرة لولا رؤية سيد أحمد خليفة يترجّل منها.. ولو كان للموت منطق أو سبب.. لكان سيد أحمد خليفة في أحضانه منذ عقود من الزمان، خلال عمله مُراسلاً حربياً وفي تغطياته للأوضاع في الصومال.. وله صورة تاريخية يحرص على وضعها في مكتبه.. يظهر فيها وهو يكتب تقريره الصحفي على ضوء شمعة، وهو مختفٍ داخل خندق.. صورة ولا أروع تبين إلى أيّ مدىً كان هذا الرجل صحفياً من أخمص قدميه إلى قمة شعره.. أذكر عندما كنتُ عضواً ب (لجنة التدريب وتطوير المهنة) بمجلس الصحافة، إنني اقترحت على المجلس أن يقدم سيد أحمد خليفة في دورة تدريبية خاصة للصحفيين.. وقلت لهم: ليس مطلوباً منه سوى أن يجلس مع شباب الصحفيين ويحكي لهم، كيف كان يُمارس التغطية الصحفية من قلب الميدان العسكري، ومن أعماق الخنادق.. فمثل هذه الخبرة لا تتوافر في الكتب ولا في كليات الإعلام.. خبرة هي رحيق لا يمكن الحصول عليه إلاّ كما تحصل النحلة على عسلها من زهور الحديقة.. رحم الله أستاذنا سيد أحمد خليفة بقدر رحمة الله التي وسعت كل شئ..!! التيار