حديث المدينة سياسة تحريرية..!! عثمان ميرغني العنوان الرئيسي في أي صحيفة (المانشيت)، ليس مجرد عرض جاذب للخبر الأهم في عدد اليوم.. بل هو عرض ل(السياسة التحريرية) للصحيفة.. ولذلك أحرص كثيراً على المشاركة في وضعه مع قسم الأخبار.. إلا في المرات القليلة النادرة التي أكون فيها بعيداً عن الصحيفة وما من سبيل للمشاركة في وضع (المانشيت).. وفي عدد الجمعة أمس كان العنوان الرئيسي الثاني ( يوغندا تدعو البشير لحضور قمة كمبالا).. وبكل أسف لم أُشارك في صياغة هذا العنوان لأنه يتصادم مع السياسة التحريرية لصحيفة \"التيار\" .. فدعوة الرئيس البشير لأي قمة أو عدم دعوته ليس خبراً يستحق العنوان الرئيسي.. وسأوضح لكم الأسباب.. في أي وضع عادي.. لا تمثّل دعوة رئيس لقمة أو (عدم) دعوته خبراً يستحق (المانشيت).. فهو خبر صغير يُمكن وضعه في مربع صغير في صفحة الأخبار الداخلية لا الأولى.. لأن إجراءات دعوات الروؤساء لحضور القمم ليست خبراً في حد ذاتها فهي مجرد روتين إجرائي لا يجب أن يحظى بأي شكل (إحتفالي!) .. وظلت صحفنا السودانية تُمارس – ربما بغير قصد - خطأ كبيراً عندما تحرص على وضع خبر دعوة البشير لأي قمة إقليمية أو دولية في (المانشيت).. فأصبحت كأنما هذه الصحف تربط بين (ِشرعية!) الرئيس الدولية .. وعدد بطاقات الدعوة التي توجه إليه لحضور المؤتمرات القمة.. فأعطى ذلك الفرصة لدول أخرى لتستخدم (بطاقة الدعوة) سلاحاً سياسياً ضد السودان.. فتوجه الدعوة للرئيس ثم تتبعها بتصريحات تلغيها.. كما حدث في جنوب أفريقيا.. دعوة للرئيس البشير لحضور افتتاح المونديال.. بعدها تصريحات تُعلن أنه إذا لبى الدعوة سيكون عُرضة للتوقيف.. بحكم التزام جنوب أفريقيا بتوقيعها على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية.. قبل عام أيضاً وجهت يوغندا دعوة للرئيس البشير لحضور قمة إقليمية .. وبعدها بيوم قال أحد وزراء يوغندا أن البشير إذا جاء فلن يكون متاحاً منع (الشرطة!) اليوغندية من القبض عليه.. ولاحظ جيداً لكلمة (الشرطة!).. وتكرر الأمر مع نيجيريا.. ثم في قمة المؤتمر الإسلامي في تركيا.. وأخيراً وليس آخراً في يوغندا – مرة أخرى – في القمة الأفريقية القادمة.. مهما كانت خلافاتنا السياسية.. فإن الأمم المتحضرة الرشيدة لا ترضى بإهدار رمزيتها السيادية.. ولا أحد يرضى مطلقاً أن يكون رأس دولته موضعاً للاستصغار الدولي.. فضلاً عن أن يكون شريكاً في ذلك من باب (عدوٌ عاقل .. خيرٌ من صديق جاهل..) .. ولهذا فإن سياستنا التحريرية تقوم على أن دعوة/عدم دعوة الرئيس البشير للقمم الاقليمية أو الدولية ليس خبراً يستحق (الاحتفاء) به في المانشيت.. إن جاءت الدعوة فمرحباً .. وإن لم تأت ففي 60 .. وسيكون خطأ كبيراً من الحكومة لو وافقت على مشاركة الرئيس البشير في قمة الاتحاد الأفريقي في كمبالا .. ولو كُتبت بطاقة الدعوة بماء الذهب.! فالملابسات التي اكتنفتها الدعوة حملت ما يكفي من الإساءة غير القابلة للاعتذار.. التيار