من حيث الوزن السياسي والقوة والمكانة الإقليمية والدولية، فان يوغندا لا يمكن مقارنتها بالسودان. فالسودان جسر عربي إفريقي وإمكاناته وموارده اكبر بمئات المرات من جارته يوغندا، وحضوره الإقليمي والدولي – رغم عدم رضاء القوى الكبرى عنه – حضور غير منكور، ويصعب التقليل منه، فهو الآن يتصدر اهتمامات المجتمع الدولي كونه بلداً يواجه تحدياً كبيراً من المؤكد أنه قادر على تجاوزه كما اجتاز من قبل عشرات التحديات التي كان الكثيرين يرون أنه لن يجتازها. من هذه الزاوية التي قصدنا تصدير هذا المقال بها فان السودان في وضع متقدم بكافة المعايير – عن يوغندا جارته المثيرة للجدل ولهذا لم يكن أبداً أمراً مستغرباً أن يبعث السودان مبعوثاً دبلوماسياً – موجود أصلاً في كمبالا – لتمثيل الخرطوم في قمة الاتحاد الأفريقي، فالجانب اليوغندي هو الذي بادر بإساءة مواقفه تجاه السودان، إذ إننا نعلم كيف بادرت يوغندا قبل أشهر بالتصريح بأن البشير إذا وطئ أراضيها للمشاركة في القمة الإفريقية فسوف تعتقله!! تنفيذاً لمذكرة محكمة الجنايات الدولية. مع أن يوغندا لا تملك توجيه الدعوة ولا تنظيم المؤتمر والمؤتمر نفسه ليس خاصاً بها وإنما خاص بالاتحاد الإفريقي وفوق كل ذلك فهي خالفت صراحة موقف وقرار قاطع من الاتحاد الإفريقي بحث دول الاتحاد بعدم التعاون مطلقاً مع محكمة الجنايات الدولية. ولهذا فان تغيب الرئيس البشير عن القمة في كمبالا ليس مرده إلى الموقف اليوغندي فهي لا تستطيع ولا تجرؤ مطلقاً علي تنفيذ تهديداتها فالرئيس البشير بموقفه هذا إنما أراد إرسال رسالة إلى كمبالا مفادها أنه اكبر من أن يستجيب لابتزاز رخيص من جارة أقل شأناً من بلاده. ولكن تكون رسالة البشير صادقة ولا يستطيع أحد المجادلة بشأنها، فأنه كان قد عاد للتو من قمة (س ص) المنعقدة في العاصمة التشادية أنجمينا، والأخيرة هذه موقعة على ميثاق المحكمة وبها مكتب خاص بالمحكمة، فلو كان الأمر يتعلق بمخاوف أو هواجس من جانب القيادة السودانية لما ذهب البشير إلى أنجمينا. وبذا يمكن القول أن الخرطوم أرادت ترسيخ مفهوم مهم جداً في ذهن كمبالا وهو أن السودان لا يخشي أحداً كائناً من كان ولكنه يحترم أولا يحترم من يريد. وقد كان بإمكان الرئيس ابتعاث نائبه، أو وزير خارجيته أو أي مسئول ولكنه لم يفعل لأن الجانب اليوغندي – وليس الاتحاد الإفريقي – هو المعني بالرسالة وهو المقصود بهذا التمثيل العادي. خلاصة ما أردنا أيضاحه هنا هو أن السودان وضع أمام يوغندا الأمر واضحاً، فقد بادءته هي بالسؤ حتى أطلقت تصريحاتها بشأن أعتقاله ثم تراجعت – بسذاجة دبلوماسية واضحة – وأرسلت (وزير دولة) لتصحيح ما صرحت به، وها هو الآن يضع يوغندا في حجمها الطبيعي حتى تعي الدرس وتدرك أن رؤساء الدول ليسوا محلاً لمثل هذه الألاعيب الدبلوماسية التي تجاوزها الزمن ويكفي الرئيس اليوغندي موسفيني سؤاً للنية أنه تغيب عمداً عن حفل تنصيب الرئيس البشير وحضر تنصيب الفريق كير في جوبا!!