** هي طرفة قديمة ، سمعتها قبل اندلاع ما يسمونها بثورة التعليم العالي ، وهي تلك الثورة التي أثارت غبار الكم وثارت ضد حصاد الكيف .. والطرفة تحكي أن جعليا رفض إرسال ابنته إلى الخرطوم بعد نجاحها وقبولها بإحدى الجامعات ، مبررا رفضه بأن الأصل في الحياة هو أن تكون : (المرا من العتبة ولي ورا ).. ولكن نجح مجلس حكماء العائلة في دحض تلك النظرية وإقناع الأب بأن يدع ابنته تكمل رحلة تعليمها ، فاستجاب لنصائح المجلس وتوصياته ، وأرسلها مكرها إلى حيث تم قبولها .. ثم لحقها بعد أسبوع ونيف فقط من سفرها ، ليعيدها إلى القرية ، بلا حكماء بلا جامعة بلايحزنون ، أو هكذا فكر ثم قرر .. بعد سؤال المارة والسيارة ، وجد الجامعة التي فيها ابنته ، وشرع يبحث عنها حتى وجدها وسط غابة من (الحكناكيش ) ..هم يحدثونها عن تفاصيل حياة ناس (يا ماما الجزار قشر الخروف بتاعنا ) ، وهي تحدثهم عن تضاريس حياة ناس ( البنيات مرقنبو قرنبو ).. الأب وقف بعيدا عنهم ، متأملا قوة ابنته وسط نعومتهم ، ثم عاد إلى قريته ، بعد أن قال قولته الشهيرة : كان زملاكي جنس ديل إقري ساااااي ، تب ما بتجيكي عوجة ..!! ** تلك إحدى لطائف طلاب الريف حين يتباهون بقيمهم أمام زيف بعض طلاب المدينة ، وهي محض خيال .. ولكن واقع الحال بالعاصمة يكاد أن يقول غير ذلك ، حيث لم يعد كل ما يحكى خيالا ، وعلى سبيل المثال نقرأ الخبر التالي : الشرطة السودانية ألقت القبض على أكثر من عشرين عارض أزياء من الجنسين ، كذلك خبراء مساحيق التجميل ومصممي الأزياء بعد عرض نادر في الخرطوم ليل الخميس .. هكذا الخبر ، ويقول أحد المشاركين نصا : جاء أفراد الشرطة إلى النادي بعد العرض وألقوا القبض على عدد يتراوح بين عشرين وثلاثين شخصا ، ليس من العارضين فقط ، وإنما من الذين يقومون بوضع مساحيق التجميل..هكذا الحدث ، شباب - من الجنسين - يعرضون الأزياء ، ومعهم خبراء تجميل يجملون وجوههم بالمساحيق ، في قلب الخرطوم عاصمة الدولة المسماة - مجازا وشعارا - دولة المشروع الحضاري .. نعم يقول الخبر بأن الشباب الذين تم القبض عليهم من الجنسين ، ولكن الصور التي صاحبت الخبر تقول بأن تمييز جنس عن الآخر ليس بحاجة إلى نظرة عبقرية فحسب ، بل إلى إزالة الأزياء عن لابسيها أيضا ، أوهكذا تقريبا ميزت الشرطة ( الفتى من الفتاة ) .. والمدهش أن الأزياء التي هم يعرضونها ليست بحاجة إلى حشد جنسين ، أحدهما كان يكفي ، بحيث هي أزياء تليق بالجنس اللطيف منهم وكذلك تناسب الجنس الخشن منهم أيضا ، هذا إن كان فيهم ..(جنسا خشنا)..!! **على كل حال ، هذا الحدث مجرد نموذج شاء له القدر بأن يظهر إعلاميا ، حيث هناك ما خفي ، ولو وجد صحفا وفضائيات كتلك التي يمتلكها ذاك الأمير الخليجي ، لسارت الركبان بفضائح جيل ولد وتربى في ظل مشروع يلقبونه بالحضاري ، وكأن الحضارة المعنية هي حضارة تساوي ما بين الفتى والفتاة في (الشكل والمضمون )..نعم ، الشباب الذين يمسحون وجوههم بالمساحيق وشعرهم بالكريمات ليعرضوا الأزياء - التي بحاجة إلى أزياء تسترها - بأندية الخرطوم ، أعمارهم ما دون العشرين قليلا أو فوقها قليلا .. صاروا هكذا حين غابت مناهج التربية السوية في مجتمعاتهم ، فمن الذي غيب تلك المناهج ..؟..هكذا يجب أن يسأل ولاة أمر مجتمعاتنا أنفسهم ، فالمسؤولية لم تعد تقع على عاتق أسرهم فقط ، أو كما يتوهم البعض .. ماحدث في تلك الليلة وما يحدث كل ليلة ولحظة ليس بحالة معزولة ، بل الأمر تجاوز مرحلة الظاهرة بكثير ، ويكاد أن يصبح تيارا.. والذي تم ضبطهم في تلك الليلة ، ماهم إلا غيض من فيض تفيض بهم شوارع الخرطوم وجامعاتها وأنديتها تحت سمع وبصر الناس والحياة، ولكن ولاة أمر التربية - على المستوى العام - لايأبهون ، بل كما النعام يدفنون رؤوسهم في رمال الشعارات .. ما قيمة الشعارات التي لاتحسن تربية الأجيال ..؟... أوهكذا يجب أن نسأل ولاة الأمر ، حتى لايرث الوطن جيلا كاملا لايصلح غير أن يكون ..(عارضا للأزياء ) ..!! صحيفة الحقيقة