* أكثر قبائل السودان الشمالي تصالحاً مع نفسها في مسألة الهوية -حسب ظني - هي قبيلة النوبيين.. * فأبناء هذه القبيلة يشرفهم جداً انتماؤهم لحضارة تضرب جذورها في عمق التاريخ بمقدار سبعة آلاف من الأعوام.. * حضارة تُعدُّ سابقةً للحضارة الفرعونية وممهدةً لها.. * حضارة انداحت بجيوشها حتى الوجه البحري لمصر في عهد بعانخي.. * ثم انداحت حتى منطقة الشام وحدود القدس في عهد طهارقا.. * حضارة – بالفهم هذا – هي أقدم وأعرق وأجلّ أثراً من حضارة العرب.. * ولقبائل السودان الأخرى كافة نصيب من هذا الشرف يرجع إلى حقبة كوش.. * ولكن بعضاً من أبناء القبائل هذه يأبى إلاَّ أن (يتقزّم) وينشد شرفاً (لا وجود له!!) لدى العرب.. * بل أن منهم من لا يقبل بالتعميم, ويسعى إلى تخصيص (يرمي!!) به عند (أقدام!!) القرشيين.. * وما بين الأقواس في الفقرة أعلاه ذو دلالة من واقع ردات فعل من تلقاء المُنتَسب إليهم, أقلها وقعاً ألماً تلك التي من شاكلة: (يا رجَّال، إيش تقول؟!!).. * ولم يُجدِ نفعاً كل الذي ظللنا نصرخ به عبر الصحائف سنين عددا, (تنبيهاً) للمستعربين في (زمن الغفلة) بمخاطر التمادي في (تلقيح الجتت!!).. * ثم جاءت صدمة (الاستحقار!!) اللبناني (السافر!!) قبل أيام, ليصرخ كثير من المستعربين هؤلاء بالذي ظللنا نصرخ به ذاك في وجوههم دون جدوى.. * وضجّت الصحف والمنابر ومنتديات الشبكة العنكبوتية بهذا الصراخ.. * فقد كانت اللطمة قاسية هذه المرة لأنها جاءت على طريقة (على عينك يا تاجر)!! * أو على عينك يا (سوداني!!).. * وفي غمرة الغضب السودانوي هذا, كنا نحن نفرك أيدينا غبطةً بهذه (الانتباهة!!) التي جاءت أخيراً بعد سنوات وسنوات من (الغفلة!!).. * فأن تأتي أخيراً خيرٌ من أن لا تأتي أبداً.. * والاستعلاء العنصري العروبي تجاهنا لم يكن غائباً أصلاً, ولكنه كان يأخذ أشكالاً دون مستوى (البجاحة!!) اللبنانية الأخيرة, التي أثارت استياء حتى (المتمسّحين) ب(أذيال) العرب من مستعربي السودان.. * واللبنانيون هم أولو (بجاحة) إزاء السودان والسودانيين, من لدن رفضهم انضمام بلادنا إلى الجامعة العربية, وحتى لحظة إهانة نفر من أبناء السودان قبل أيام بمنطقة الأهواز.. * وبين هذه وتلك لا ننسى عبارة (فستق العبيد) المستهلكة بقدر استهلاك اللبنانيين للفول السوداني خلال (سهراتهم!!) بشارع الحمراء، أو خلال (تجدّعهم!!) على البلاجات، أو خلال (فرجتهم!!) على مسيرات المثليين.. * وحكومتنا (المستعربة!!) لا يُحرّك شعرة في رأسها حتى (عفص) أحذية عسكر حكومة لبنان لرؤوس نفر من أبنائها.. * ولا حتى توجيه إساءات عنصرية لهم.. * ولا حتى (سب!!) البلد نفسه الذي ينتسبون إليه, رغم أنه (محسوب) على بلاد العرب.. * لقد صمتت صمتاً (مذّلاً) لا يناسب ادعاءها عزة (العرب!!) وكرامتهم ونخوتهم.. * وصمت كذلك سفير لبنان لدى السودان مصطفى إسماعيل.. * وصمت سفير السودان لدى لبنان, عدا همهمات دبلوماسية كان أفضل (عدمها).. * وحالتا الصمت المذّل والصراخ الهستيري كلتاهما كنا في غنى عنهما, لو أننا جميعاً تحرّينا التصالح مع النفس في مسألة الهوية مثل النوبيين.. * لو أننا قلنا إننا سودانيون و(بس).. * ثم تحدينا بحضارتنا حضارة آكلي (فستق العبيد!!). صحيفة الحقيقة