حديث المدينة ولت الانقلابات.. وجاءت الحركات!! عثمان ميرغني بمناسبة الذكرى السنوية.. نشطت الذاكرة الصحفية أمس في غالبية الصحف لاجترار أحداث الثلاثة أيام الدموية.. من 19 يوليو.. حتى 22 يوليو 1971.. الانقلاب الذي قاده الرائد هاشم العطا ضد رفيقه الرئيس النميري ونجح في الإمساك بالسلطة لثلاث ليال قبل أن يتهاوى مع دوي دموي هائل.. أفجع الشعب السوداني الذي رأى بأم عينيه بضعة وعشرين ضابطاً عُزل عن السلاح يُغتالون في وضح النهار بدم بارد.. وعندما عاد نظام الرئيس النميري للحكم.. لم يألُ جهداً في سفك دماء من استطاع إليه سبيلاً من قادة الحزب الشيوعي.. بعد ملاعنات ومهاترات سُميت (محاكمات) في القاعدة العسكرية بضاحية الشجرة (جنوبي الخرطوم).. محاكم عسكرية كانت مقاصلها جاهزة قبل النطق بأحكامها.. تلك كانت السابقة الوحيدة في التاريخ السوداني أن ينجح الجيش في الانقلاب على الجيش.. فكل الحكومات العسكرية أسقطها الشعب.. في ثورة أكتوبر 1964 ثم انتفاضة أبريل 1985.. لكنه بالطبع لم يكن آخر انقلاب عسكري.. ففي فجر الخامس من سبتمبر عام 1975 نجح المقدم حسن حسين في احتلال الإذاعة وبث البيان رقم واحد.. لكنه سقط بعد ساعة واحدة من استلامه السلطة.. ربما بسبب تخلف بعض من تواثقوا معه.. عن أداء الأدوار المكمِِّلة للانقلاب في وحداتهم العسكرية.. وكان ذلك آخر انقلاب (جاد) قبل أن ينقض الجيش مرة أخرى في 30 يونيو 1989 على الحكومة الحزبية التي كان يرأسها السيد الصادق المهدي.. وينجح في البقاء في السلطة.. هل كان الجيش هو مدبر كل تلك السلسلة الطويلة من الانقلابات؟؟ لا.. بالطبع.. لم تكن المؤسسة العسكرية صانعاً لأي انقلاب سوى الأول منها.. الذي نفذه الفريق إبراهيم عبود بناء على طلب رسمي من الحكومة الحزبية التي يرأسها السيد عبد الله خليل.. إذ طلب من الجيش الانقضاض على السلطة فرفض الجيش.. فأصر عليه.. إلى أن استجاب قائد الجيش لطلبه.. وتسلموا سلطة ما طلبوها.. بقية الانقلابات كانت من تدبير الأحزاب المنقلَب عليها.. كانت اللعبة الحزبية تقوم على مبدأ ..( فيها أو أطفيها).. تشكل الأحزاب الحكومات وتفضها.. حكومة تلو حكومة .. تارة يدخلها حزب وأخرى يخرج حزب.. إلى أن يخرج حزب مغاضب.. أو يغضب حزب مخارج.. فيلجأ للباب الخلفي.. ويخرج للناس باللباس العسكري مع البيان رقم واحد.. الآن.. ولى زمن الانقلابات العسكرية.. وجاء (زمن الحركات) المسلحة.. التي تقتات بدماء السودانيين تحت مختلف الرايات و الشعارات.. حتى تبلغ النصاب الشرعي الذي يؤهلها للسلطة.. فتدخل القصر الجمهوري في أي منصب متاح.. انتهت الانقلابات.. وجاءت الحركات.. وكلا الطريقين يؤدي إلى القصر أو القبر.. القصر إذا نجح.. والقبر إذا فشل..!! وكل شعب السودان .. ينتظر.. يوم لا يكون للقصر إلا باب واحد!! التيار