** عدنا .. فلنحكي - باختصار - سبب الغياب ، علما بأن الأصل في صحف بلادي هو الغياب ، أما الاستثناء فهو التواصل .. بمعنى : الصحف في بلدي حين تمسي لاتترقب الفجر ، وحين توثق شروق الشمس لا تطمع في توثيق غروبها ، ولله الحمد على كل حال ، وصدقا لايحمد على مكروه سواه .. ولاشيء يحزن في غياب الحقيقة غير حزن القارئ على غيابها ..نعم لم يكن الغياب قسريا ، بيد أن توسيع دائرة الشراكة بالحقيقة هو السبب .. فالحقيقة صدرت عن شركة يمتلكها ناشر .. وقبل أن يكتمل ربع عامها الأول ، نجحت في أن تجذب ناشرين ، ثم نجحت في تحويل طاقمها التحريري - بالكامل - من أجراء الراتب إلى شركاء عائد ما بعد الراتب ، وهنا مكمن قوة الحقيقة ، ليست الصحيفة فحسب ، بل أية حقيقة .. إذ ليس لمتوجس رأي ، وكذلك رأي الخادم ليس بذات قوة رأي الفكي ، ولذلك كان يجب تنفيذ خطة تجعل الصحفي شريكا كما الناشر في الحقوق والواجبات ، بحيث لا فضل لهذا على ذاك إلا بمقدار العطاء .. وقد يسأل أحدكم - ببراءة - ألم يكن ممكنا فعل ذلك بغير غياب ..؟.. سؤال مشروع ، إجابته بطرف لوائح مجلس الصحافة ، وقد أجابت بيانا بالعمل ..!! ** على كل حال حصل خير ، أو هكذا يجب كظم الغيظ والحزن في موقف كهذا ، ثم نتجاوز ما حدث للحقيقة من غياب إلى ما يحدث لكل الصحف منذ أول البارحة.. خبرا يتراءى للناس مفرحا صدرت به صحف البارحة ، حيث يقول الخبر نصا : سلطة الطيران المدني ومجلس الصحافة يوقعان اتفاق نقل الصحف للولايات الجنوبية مجانا ، هكذا الخبر ، يبدو غريبا ، بحيث لاعلاقة للطيران المدني بمهام وتكاليف النقل الجوي ، إذ هذا النقل من مهام وتكاليف شركات الطيران ، وتلك الشركات هي التي لديها حق تخفيض قيمة النقل أو إلغائها ، وليست سلطة الطيران المدني ، ولذلك يبدوا الخبر مدهشا .. ولكن البروف على شمو ، رئيس مجلس الصحافة ، يحل طلاسم الدهشة ، ويقول نصا : سلطة الطيران المدني ستتحمل تكاليف النقل ..وهذا يعني بأن سلطة الطيران ستدفع قيمة النقل لشركات الطيران ، أصالة عن نفسها وإنابة عن المؤسسات الصحفية .. وهنا ثمة سؤال وآخر يجب أن يطرحا بكل وضوح ، فحواها : من أي بند ولماذا ومقابل ماذا تقدم سلطة الطيران هذه (المكرمة ) للصحف ..؟ ** ثم السؤال المهم جدا ، لماذا اختارت سلطة الطيران المدني هذا الأسبوع - بالذات - وقتا مناسبا لتقديم مكرمتها تلك ..؟.. أي ، لماذا لم تقدم مكرمتها قبل أن تبعثر الصحف وثائق ذات روائح غير طيبة ..؟.. كان يجب على مجلس الصحافة التفكير مليا ثم التحديق في ثنايا هذا السؤال ، خاصة أن المجلس - بحكم المهنة - يقرأ الصحف وما تنشرها من وثائق .. كيف فات عليه ربط هذه المكرمة بما نشر عن الجهة الكريمة ..؟.. للأسف ، هذا لم يفت على فطنة المجلس ، ولذلك ليس معيبا حين نقول للمجلس : (والله عيب ) .. نعم ، معيب جدا أن يدفع المجلس صحف بلادي - المسماة بالسلطة الرابعة - دفعا إلي طريق المكرمات .. ثم يحتفي بالأمر، وكأنه فعل فعلا مشروعا..!! ** المجلس - بجهل أو بكامل المعرفة - يرتكب جريمة في حق الناس والبلد وسلطتهما الرابعة ، بقبول مثل تلك المكرمات ..غدا ستأتي هيئة المياه - مثلا - بمقترح تقديم خدمات المياه للصحفيين ، ثم تأتي هيئة الكهرباء بمجانية كهرباء بيوت الصحفيين ، وربما تأتي وزارة الصحة ومشافيها بمجانية علاج أسر الصحفيين ، وتأتي وزارة التعليم ومدارسها بعقد اتفاق تعليم أبناء الصحفيين و..و...و..هل ستتواصل توقيعات المجلس على عقود هذه المكرمات ، ثم الاحتفاء بها ..؟.. إن كانت الإجابة رفضا ، فعلى المجلس أن يرفض مكرمة الطيران المدني أيضا ، وإن كانت الإجابة قبولا، فتلك مصيبة .. ولذلك ، لسان حال الحقيقة يقول لمجلس الصحافة بكل صراحة : عفوا ، مصالح الناس والبلد أغلى من مكرمات الدنيا والعالمين ، وكذلك أقلام زملائي بالحقيقة أغلى من قيمة النقل الجوي ، وعليه : (أشطبوا اسم صحيفتهم من قائمة تلك المكرمة)...!! صحيفة الحقيقة