(كلام عابر) بين الرق والشعر عبدالله علقم [email protected] الشعر هو حالة إبداعية تجمع بين الرقي الإنساني والسمو النفسي والشعراء يرون بخيالهم ما لا يراه الآخرون ويتصيدون المعاني والكلمات الجميلة، نفوسهم فيها نقاء وصفاء ومشاعرهم فيها رقة وانجذاب ، والشعر خبز جوهري لأبناء شنقيط ، وهم والشاعرية توم وجود ولهذا سميت موريتانيا بلد المليون شاعر ، للمبالغة لأن كل سكان موريتانيا لا يتجاوزون الثلاثة ملايين، وقد جاء هذا التميز الشعري نتيجة لما يعرف بالمحاظر ، وهي المدارس المتنقلة أو المعلمين المتنقلين الذين يرافقون السكان في حلهم وترحالهم في البوادي والصحاري التي يعيش فيها عدد كبير من هؤلاء السكان، وتعنى هذه المدارس بقواعد اللغة والأدب والدروس الدينية، لكن الشعر الموريتاني رغم ذلك يظل في مجمله أقل درجة من شعر المشرق العربي من الناحية الفنية وأقل انتشارا وذيوعا بين الناطقين بالعربية. والرق هو أحط حالات العلاقات الإنسانية في المجتمعات ، وقد مرت الإنسانية على مدار التاريخ بقرون طويلة من استعباد الإنسان للإنسان وكانت مجتمعات وحضارات كاملة في التاريخ تعتمد على جهد المستعبدين حتى أصبحت العبودية والرق اليوم شيئا في ذاكرة التاريخ إلا في بلد المليون شاعر التي تجمع في تناقض غريب بين رقة الشعر وتخلف الرق، ربما هي البلد الوحيد في العالم الذي ما زال الرق نظاما اجتماعيا يتحدى كل الدنيا رغم إلغاء العبودية رسميا عام 1981م ثم صدور قانون آخر عام 2003م بنفس المعنى،وهي قوانين تكرس لظاهرة الرق وتعترف بها إذ أنها تعرض التعويض المالي من الدولة لمالك العبيد لكي يحرر عبيده. المجتمع الموريتاني ما زال مقسما طبقيا ، فعلى قمة الترتيب الطبقي تجيء طبقة (حسان) وهم أهل الشوكة والسلاح، ثم (الزوايا) وهم أهل العلم والتعلم ثم (اللحمة) وهم أهل المال والثروة ، ثم (المعلمين) وهم الصناع التقليديون ثم (إيغاون) وهم أهل الفن والغناء ويأتي (العبيد) في أسفل الهرم الاجتماعي وكلهم من سود البشرة الذين تعود أصول معظمهم إلى السنغال. ويقول رئيس فرع المنظمة العربية لحقوق الإنسان في موريتانيا إن القضاء على العبودية في موريتانيا يتطلب وجود آليات لتطبيق القوانين وإرادة سياسية جادة. الحالة الموريتانية تمثل العقل العربي في أسوأ درجات التناقض مع الذات والجمع بين الضدين..سمو الشعر ووضاعة العبودية، وهي حالة لا مثيل لها في هذا القرن الحادي والعشرين.