هناك فرق طَوعيَّة.. يعني جاذبة؟! منى أبو زيد ارتفاع معدلات الإعسار بين المغتربين تصدرت عناوين بعض الصحف.. فجهاز شؤون السودانيين العاملين بالخارج الذي أقام ورشة عمل حول إعسار الأسر السودانية بالمهجر أعلن عن قيام شركة تأمين تقدم خدماتها للمغتربين المعسرين (يعني أكثر من تسعين بالمائة من قطاع المغتربين!).. وقد شدد الجهاز على قضيتي التعليم والسكن.. ونضيف من عندنا بل جميع متطلبات المعيشة نفسها! عندما يشكو المغترب من تبدل الأحوال من السعة إلى الضيق وكيف أن بناء منزل أو عمل مشروع صغير من دخل الغربة قد بات في عداد الأحلام.. تلفحه الإجابة الجاهزة (العودة الطوعية).. بينما يفترض أن تتلمس الإجابة مفاتيح الخيار.. فمعظمنا يستمر في البقاء في بلاد الناس لأنه ببساطة يخاف أن يصبح مشرَّداً في وطنه! المقدرة على تسيير أمور المعيشة لمحدودي ومتوسطي الدخل في السودان (بطولة) لا يدرك عظمتها إلا مغتربو العودة الطوعية التي تنادي بها الدولة.. والتي لا تقل وعورة عن منغصات الوحدة الجاذبة! ليس هنالك (عودة جاذبة) أكثر إقناعاً من معقولية مستوى الدخل المادي ومعقولية الأسعار وغيرها من تفاصيل المعيشة.. ثم إمكانية خلق فرص ومشاريع محلية مستقبلية تدر على المغترب دخلاً مادياً ثابتاً يقيه شر نوائب الدهر عند عودته النهائية.. فمنطق معظم المغتربين في استبعاد فكرة العودة النهائية إلى البلد هو أن شيئاً أفضل من لا شيء.. وأن الدراهم القليلة التي تذهب في الإيجارات.. والمرتبات الشحيحة التي تتبخر بسبب غلاء المعيشة أفضل من المصير المجهول الذي ينتظر أولئك العائدين طوعاً إلى السودان! كيف لا وجميع أبواب الوطن مغلقة في وجهه.. بدءاً بأبواب سفارات السودان التي لا ترحب بزياراته إلا إذا أتاها (دافعاً).. وانتهاء بأبواب الاستثمار المغلقة.. ورحلة الروتين والعراقيل الإدارية و(الدفع )الطويل.. الثقيل! أما الحكومة فحتى الآن ليس لها حضور فاعل في علاقة المغترب السوداني بالدولة التي يغترب فيها.. مثلاً.. ليس لها دور إيجابي في عقود اتفاقيات العمل المبرمة بين آلاف الكوادر المهاجرة وأجهزة الدول التي يعملون فيها! ومع ذلك هي أي الحكومة أول من كان ولا يزال يمد يده للمطالبة بحقه في أموال المغترب الذي لن يستطيع الاستجابة لنداءات العودة الطوعية حتى يأمن على رزقه في هذا البلد.. وهو لن يأمن على رزقه حتى تعترف الدولة بحقه عليها.. قبل أن تطالبه بحقوقها عليه! في دول الاغتراب والمهجر كوادر مهملة.. وثروات مهدرة.. تحتاج إليها البلاد.. ويمكن لوجودها أن يصنع الفارق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المطلوب.. لكنها تبقى بالخارج لأنها لا تستطيع تحمل تبعات استقرارها بالداخل.. نحتاج إلى اختصاصيين في علم النفس الاجتماعي يحاضرون الدولة وليس الشعب عن أثر (العودة الجاذبة) في تحقق (الوحدة الطوعية)! التيار