الرأي23 البحث عن أسس جديدة للوحدة الوطنية أ.د.الطيب زين العابدين يقترب موعد استفتاء تقرير مصير أهل جنوب السودان الذي حدد له التاسع من يناير 2011م، (حوالي أربعة أشهر ونصف الشهر إذا قام في موعده) للاختيار بين الوحدة و الانفصال، والشريكان في هذا الوقت الحرج يختلفان ويتبادلان التهم في كل قضية تتعلق باستكمال تنفيذ بنود اتفاقية السلام الشامل وإجراءات الاستفتاء، وكل واحد منهما يتهم الآخر بالعمل ضد الوحدة. وحصيلة هذا الوضع المتأزم أن يكون التفاوض حول قضايا ما بعد الانفصال التي نصّ عليها قانون الاستفتاء (الجنسية، المياه، البترول، العملة، الأصول والديون الخ...) محل عراك شديد؛ لأن كل طرف سيكون في حالة نفسية متشددة تدفعه لاستعمال كل كروته ضد الطرف الآخر. والنتيجة الطبيعية لهذا التمادي في الخصومة أن يقع الانفصال الذي تدعو له الحركة الشعبية ويخشاه المؤتمر الوطني، وسيكون انفصالاً متوتراً قد يؤدي إلى حرب بين الطرفين بسبب الاشتجار حول قضايا الانفصال وعلى رأسها مسألة الحدود ومشكلة أبيي. وذلك هو أسوأ السيناريوهات الممكنة في تاريخ السودان الحديث والذي يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى المؤتمر الوطني ثم الحركة الشعبية. وبما أن الانفصال ستكون له تداعيات ومخاطر جمّة، فإن من الحكمة أن يفكر أولي الرأي والنظر في مخارج للبلاد من هذا المأزق التاريخي قبل أن يقع الفأس على الرأس. وهذه المقالة مساهمة متواضعة في هذا الاتجاه نريد بها إثراء الحوار حول قضيتي الوحدة والانفصال، لعل ذلك يؤدي إلى بلورة أفكار عملية تكون مقبولة لشريكي الحكم في البلاد تقينا من شر السقوط في الهاوية التي سيدفع ثمنها الجميع. والسبب الذي يدعونا للبحث عن أسس جديدة للوحدة هو أن الأسس التي وضعتها اتفاقية السلام الشامل ليست عادلة ولا متوازنة ولا تصلح أن تكون معادلة مستدامة بحال من الأحوال، ومثل ما رفضتها الحركة الشعبية لأنها لم تلب طموحاتها في خلق السودان الجديد، ينبغي لأهل الشمال أيضاً أن يرفضوها لأنها غمطت حقوق المسالمين منهم الذين لم يحملوا السلاح في الحكومة. وليس سراً أن المعادلة السياسية القائمة اليوم هي نتيجة مباشرة لاستعمال القوة العسكرية في السعي لاكتساب السلطة التنفيذية: بدأت المعادلة بانقلاب عسكري في يونيو 1989 أدى إلى سيطرة الإسلاميين على مقاليد الأمور والذين دخلوا في حرب استنزاف طويلة مع حركة التمرد الجنوبية، وتمكنت الحركة الشعبية من السيطرة التامة على جنوب السودان بعد اتفاقية السلام في 2005؛ لأن سلطة الإنقاذ فشلت في هزيمة الحركة عسكرياً، ووجدت عناصر الحركة في كل من أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق وضعاً مميزاً في السلطة والثروة نتيجة لمشاركة بعض أبناء تلك المناطق في الحرب ضد الحكومة المركزية، ولقيت دارفور حظاً من السلطة والثروة في اتفاقية أبوجا نتيجة لحمل بعض فصائل دارفور السلاح ضد الحكومة وما زالت بقية الفصائل تطلب المزيد، ووجدت جبهة الشرق أيضاً شيئاً من السلطة والثروة بسبب رفعها السلاح في وجه الحكومة. وكانت النتيجة وضع سياسي وإداري مختل بكل ما تحمل الكلمة من معنى: الحركة الشعبية تحكم الجنوب كاملاً وتشارك بنسبة الثلث في الحكومة الاتحادية، والحكومة الاتحادية تحكم الشمال فقط ولا صلة لها بالجنوب، وهناك وضع إداري خاص لكل من أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور والشرق، وهناك ثلاثة جيوش نظامية وعدد من المليشيات لكل منها مناطق نفوذها وانتشارها. وهذا وضع شاذ وغير مسبوق في تاريخ البلاد، ولا أعرف له مثيلاً في العالم، ومن ثم يحتاج هذا الوضع المختل إلى تغيير هيكلي كبير بصرف النظر عن قرار الوحدة أو الانفصال في جنوب السودان. وأجمل الرأي حول أزمة السودان الحالية تحت ثلاثة مقترحات: الوحدة الطوعية المتوازنة، العلاقة التكاملية بين دولتين، علاقة التعايش وحسن الجوار بين دولتين. 1- الوحدة الطوعية: تقسيم السودان إلى تسعة أقاليم على أساس ذات المديريات التي عرفت سابقاً (دارفور، كردفان، الأوسط، الشمالية، الشرق، الخرطوم، أعالي النيل، بحر الغزال، الاستوائية). يكون لكل إقليم مجلسه التشريعي وحكومته التنفيذية، وللمجلس التشريعي في كل إقليم أن يختار مستويات الحكم الأدنى (الولائي والمحلي) ويمنحها الصلاحيات التي يراها. وتكون للأقاليم الشمالية الستة حكومة موحدة وبرلمان موحد ذو سيادة تشريعية على الإقليم، وكذلك لأقاليم الجنوب الثلاثة حكومة موحدة وبرلمان موحد، ويتكون من برلماني الشمال والجنوب برلمان اتحادي ذو صلاحيات تشريعية في المسائل المشتركة مثل الدفاع والأمن والحدود والمياه والعلاقات الخارجية. ويقوم على رأس الدولة مجلس خماسي يمثل أقاليم السودان المختلفة ويتناوب على رئاسته عضو في كل سنة، وتكون له صلاحيات رمزية مثل رؤساء الدول في الأنظمة البرلمانية ومثل ما كان عندنا بعد الاستقلال، ويعمل المجلس بتنسيق تام مع حكومتي الشمال والجنوب. ليست هناك حكومة اتحادية ولا خدمة مدنية اتحادية ولكن يحدث تعاون بين حكومتي الشمال والجنوب في ذات المسائل المشتركة المخولة للبرلمان الاتحادي وأية مسائل أخرى يتفقان عليها. ويكون تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التي قد يجيزها برلمان الشمال على أساس شخصي كما تنشأ مفوضية مشتركة ترعى حقوق الأقليات الدينية والثقافية في كل البلاد، تكون مسؤولة لمجلس رأس الدولة وللبرلمان الاتحادي. يكون لكل من حكومتي الشمال والجنوب قوات عسكرية نظامية تتعاون فيما بينها في الدفاع عن سيادة الوطن وحفظ الأمن على الحدود. 2- العلاقة التكاملية التبادلية: هي علاقة سلمية تعاونية بين دولتين منفصلتين لهما أجهزة إدارية مشتركة ترعى مصالحهما المتداخلة مثل: المياه، البترول، الحدود، الأمن، الاستثمار، التجارة الحدودية الخ... ويتمتع مواطنو الدولتين بالحريات الأربع في الدولة الأخرى (التنقل والإقامة والعمل والتملك). 3- علاقة التعاون وحسن الجوار: هي علاقة سلمية تعاونية بين دولتين منفصلتين بينهما اتفاقيات سلام وتعاون وحسن جوار حسب الأعراف الدولية، ويجوز لهما منح الحريات الأربع لمواطني كل من الدولتين في البلد الأخرى. الصحافة