زمان مثل هذا الفيلم الهندي.. الرقم القاتل (1) الصادق المهدي الشريف توفي نهاية الأسبوع الفائت رجلٌ وامرأةٌ بسوق مدينة الرنك، إضافة لوفاةِ ثلاثةٍ آخرين بمدينةِ ملكال، بجانبِ وفاةِ ثمانيةِ مواطنين بمدينةِ واو. وحدثتْ الوفيات التي تتكتم عليها (حكومة جنوب السُّودان) نتيجة الصعق بتيار كهربائي مصدرهُ مكالمة تلفونية مجهولة عبر الهاتف الجوال، وتظهر الهواتف مكالمة من هاتف غريب يبدأ بالأرقام «426666000 +». هكذا بدأت الشائعة، بهذه المعلومات الغريبة، ثُمَّ تدحرجت الشائعة مثل كرةِ الثلج لتصل في أرقام القتلي إلى المئآت... في مستشفيات الخرطوم والسلاح الطبِّي... ولا يتورَّع رواة القصة من القسم المغلظ. مداخلة: والذي حبك الشائعة تعجل بإظهار الرقم المتصل، فلو أنّه لم يذكر الرقم لكانت الشائعةُ أقوى وأشدُّ مضياً. نعودُ لنقول إن الهلع قد تأجج بعد أن بثت بعضُ إذاعاتِ موجاتِ التردد القصير (FM) الخبر بذات الطريقة الشعبية التي يتداولهُ بها الناس دون أيِّ تبصرٍ أو تمحيصٍ. ومعلومٌ للكلِّ إنَّ تكنولوجيا الاتصالات تُعتبر من التقنيات الحديثة بل وسريعة التجديد، وقد استوعبها السودانيون بسرعة كبيرة لا تتناسب مع نسبة الأمية المنتشرة في البلاد والتي تصل إلى 62%... فأصبح المشتركون يتواصلون بالصوت والرسائل القصيرة والرسائل متعددةِ الوسائط بسهولةٍ ويسرٍ كأنّما كانوا يفعلون ذلك طوال حياتهم، على عكس شعوبٍ أخرى ما زالت تعاني من التعامل المُيسر مع هذه التكنولوجيا كما أنّ الإستخدام الهدَّام (الإجرامي) لتقنية الموبايل في السودان رغم وجودها... إلا أنّها لم تصل إلى الوضع الذي عليه بعض الدول من حولنا. ولكن ما زال هناك بعضُ الغياب للتوعية التقنية التي يُفترضُ أن تقدمها شركاتُ الاتصالات لمشتركيها على الأقل، فاليوم العالمي للاتصالات يمرُّ بشكلٍ كرنفالي دون وجود توعية حقيقية، وكذلك فإنّ الهيئة القومية للاتصالات (والتي لم تحظ باستقرارٍ إداري) ما زالت عاجزة عن الوصول إلى دور جوهري في تبسيطِ تقنيةِ الاتصال وإيصالها الى المواطنين. الراديو مثلاً هو جهاز استقبال للموجات الصوتية فقط، وأجهزة الاتصال التي تستخدمها الجهات الشرطية والأمنية هي أجهزة إرسال واستقبال لتلك الموجات، وعلى ذاتِ المنوالِ فجهازُ الموبايل - في أبسط صُوَرِهِ - هو جهاز إرسال واستقبال لموجات الصوت والبيانات... فقط بترددٍ مختلفٍ، ولا يستطيعُ - تقنياً - استقبالَ موجاتٍ أصغر أو أكبر من تلك المحددة لوحدةِ استقباله. والجهة التي تتحكمُ في منح الترددات هي الهيئة القومية للاتصالات، بينما الجهة التي تعايرُ مطابقة الأجهزة المستوردة (الداخلة الى البلاد) مع المواصفات الهندسية ومواصفات السلامة العالمية هي الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس. فإذا وُجدت أيّ أجهزة تُسببُ أضراراً للإنسان في الأسواق السودانية فإنّ الجاني هو هيئةُ المواصفاتِ والمقاييس... وليس حتى الجهة التي سببت الأضرار أو الجهة المُستورده، لأنّ هذه هي مهمة الهيئة. لذلك توقعتُ أن تنتفض هيئةُ المواصفات لكرامتها التي تمرغت في التراب الأسبوع الفائت، بشائعات تشككُ في مهنية واحترافية إدائها. لكنّها لم تنتفض ولم تتحرك... بل تحركت بصورةٍ موازيةِ لها الهيئة القومية للاتصالات (وهي أيضاً ذات مسؤولية مباشرة عمَّا حدث) فأصدرت بياناً نافياً لما قيل. لكنّ أغرب ما في الأمر هو أنّ شركات الاتصالات نفسها لم تحرِّك ساكناً... رغم أنّ الشائعة كانت تمثلُ فرصةً ضخمة لتلك الشركات. لكن... يتصلُ الحديث. التيار