فكة الريق وعوجة الطريق!! منى سلمان [email protected] كانت عقارب الساعة تشير للتاسعة والنصف صباحا، عندما سمعت (سعدية) حركة فتح باب الشارع فقامت لتنظر عبر شُبّاك المطبخ .. لمحت ضيفيهما (النور) و(صالح) يحاولان التسلل والخروج من البيت دون أن يشعر بهما أحد، فأسرعت بمغادرة المطبخ نحو زوجها (عبد الرحمن) المتكئ في البرندة.. سألته في استغراب: خليت ناس النور يمرقوا مالك؟ هداك فطوري جاهز بس أغرفو في الصحانة. نفى (عبد الرحمن) علمه بمغادرة أبناء خاله الذين قدما من الحلة لبعض شأنهما، وأسرع ليلحق بهما قبل أن يبتعدا .. أدركهما وهما يهمان بإغلاق الباب خلفهم فعاتبهم على عدم جعلهم (الحالة واحدة)، وإلا كيف يتسللا من البيت وبطونهم خاوية دون أن يتناولوا الفطور قبل خروجهم لمصالحهم، ولكن (النور) اعتذر بأن (الحالة واحدة فعلا) ولكنهم يرغبون في الذهاب لأمدرمان لزيارة قريبهم (المبارك)، الذي اتصل بهم مساء الامس ودعاهم لتناول وجبة الفطور معه .. أخلى (عبد الرحمن) سبيل ابني خاله على مضض وهو يقول: ما كنتا دايركم تقوموا بي خاطري .. ما سمعتوا المثل قال ان قعدتا للحول ما تقوم بي خاطر زول ؟ لكن ما دام قلتوا المبارك عازمكم .. اتوكلوا أمشوا على بركة الله. لم يجد (النور) بأسا في أن يكذب تلك الكذبة البيضاء الصغيرة، فهم لم يتلقوا أية دعوة لتناول الفطور مع (المبارك) قريبهم المقيم بحي العرضة في أمدرمان، ولكنهما اعتذرا بحجة الدعوة للمخارجة من الحاح (عبد الرحمن)، فقد قرر الشقيقان أن يقسّما اليوم الذي تبقى لهما في الخرطوم بين اثنين من اقربائهم .. يتناولان الافطار مع (المبارك)، والغداء مع (عثمان) في حي المزاد ببحري قبل أن يعودا للحلة صبيحة اليوم التالي .. دقت ساعة الحائط المعلقة في البقالة معلنة الحادية عشر صباحا، عندما توقف (النور) و(صالح) ليستوثقا من أن البيت هو بيت (المبارك)، بعد أن استخدما ثلاث مركبات في سبيل الوصول إليه .. شعرا بالراحة والسعادة عندما أكد لهم صاحب البقالة صحة المعلومة، وقبل أن يتوجها لطرق الباب أردف الرجل: باقي لي الناس ديل مافيشين ..البيت فاضي. ثم تكرم لهم بسرد معلوماته الاستخبارية التي يتيحها له جلوسه أمام الدكان فقال: المبارك ده مرق من بدري والجماعة بتاعنو والاولاد بايتين من البارح مع أهلم .. لكن كدي دقّوا الباب يمكن يكون في زول حارس البيت .. كلّ متن الاثنين دون أن يكلمهم أحد من داخل منزل (المبارك) أو يستجيب لطرقاتهم، فتوكلا على الله ويمما شطر بحري .. ولكن لازمهم سوء الحظ عندما إكتشفا بأن (الكبري مقفول) لسبب ما، فعادا للخرطوم لركوب مواصلات بحري من هناك، ولسخرية القدر مرّت بهم الحافلة من أمام بيت (عبد الرحمن) الذي كان يهم بمغادرة البيت لبعض شأنه .. لوّحا له بالتحية عندما اقتربت منه الحافلة، وابتعدت بهم مسرعة وهو يشير بيديه وكأنه يسأل في خلعة: (مالكم بي جاي؟) .. توقفا بجوار بقالة (السعادة) وحيّا صاحبها الذي كان منهمكاً في متابعة اخبار الساعة الثالثة .. أكد لهم الرجل وصف منزل (عثمان) والذي يبعد عن دكانه ببضعة بيوت.. طرقا على الباب بقلوب واجفة من تكرار ما حدث معهم في أمدرمان، ولكن يا للسعادة فقد فتح الباب (عثمان) بنفسه. تمدد (النور) و(صالح) على سريرين متقابلين في الديوان وسط عبارات الترحيب والاشتياق التي حفّهما بها (عثمان)، ثم نادى على زوجته (رقية) لتسلم على اقربائه من الحلّة .. بعد المسالمة والمطايبة سألها: غداك جاهز وللا نرسل نجيب البارد؟ أجابته رقية ب (غدانا قرررب يجهز .. والبارد بيصدمهم ويحميهم الأكل)!! ظل الاثنان يعبّان من جك الموية الباردة كلما (قرصت) معاهم، بينما اندمج (عثمان) في الونسة والسؤال عن أخبار أهل الحلّة فردا.. فردا، دون أن يجدا الشجاعة الكافية لمصارحته بأنهم (ما فاطرين وعلى لحم بطونهم منذ الصباح). جاء الفرج أو هكذا خيلت إليهم (كواريك) بطونهم الخاوية، عندما نظر (عثمان) فجأة لساعته وقال بإنزعاج: معقول الساعة بقت خمسة ونص؟ شوف بالله الونسة سرقتنا كيف؟ ثم صاح: يا رقية ... رقية .. حكايتك شنو ؟ غداك لسه ما جهز؟ فاجابت من الداخل: جاااهز .. تعال شيلو.... بجي راجعة.. الرأي العام