حديث المدينة القنبلة الموقوتة ..!! عثمان ميرغني رغم التوتر وضباب الأجواء في السودان الآن.. الذي وصل مرحلة عراك عنيف في السوق العربي بقلبِ الخرطوم مساء أمس الأول.. وصدامات بين بعض المواطنين من أبناء جنوب السودان مع آخرين.. للدرجة التي جعلت كثيرين يتوجسون من الأيام الحبلى بالمجهول.. إلا أنّ هناك قنبلة موقوتة أخطر ولا أحد ينتبه لها. القنبلة، هي موجة الغلاء الكاسح الذي يلتف حول عنق المواطن الآن كما يلتف الثعبان الأرقط.. كل حتميات الحياة اليومية قفزت أسعارها.. وعلى رأسها أولويات الطعام التي لا يستغنى عنها المواطن.. وبما أن الشعب أصلاً يعيش بالرمق الأخير على أطلال ما يملكه من صبر .. فإن مثل هذه الزيادات الكبيرة في الأسعار تشحن النفوس بمادة (تي إن تي).. وتجعلها جاهزة لأي شرارة اشتعال.. لتنفجر.. وقلت لكم مراراً وتكراراً.. لم يثبت في التاريخ أن الشعب السوداني بعث لحكومة برسالة إنذار قبل الانفجار.. إن هي إلا صيحة واحدة.. لا يشترط لها الشعب ترتيباً مسبقاً ولا منطق إحلال وإبدال.. فإذا بانفجارٍ كبير غير محسوب العواقب. صحيح أن سياسة السوق الحر لا تحتمل تدخل الدولة للتحكم في الأسعار كما كان عليه الحال قبل عقدين من الزمان.. لكن بالضرورة من واجب الدولة أن تعمل في الاتجاه المضاد الذي يجعل آلية السوق تتراجع وتخفف الضغط على المواطن.. والحال الآن عكس ذلك تماماً.. المحليات تجتهد هذه الأيام في تحصيل الجبايات والرسوم من المواطن.. وعلى رأي أخينا عباس عزت في تعليقه الظريف في كلام الكاميرا (يا شيخنا .. يا تدفع.. يا تدفع).. والجمارك تتصاعد.. حسناً نحن على أعتاب موازنة العام الجديد.. هذه هي الفرصة التي لن تتكرر لتراجع الدولة مفاهيمها الاقتصادية وتدرك أنها في حاجة ماسة لتحريك الاقتصاد السوداني بقرارات جراحية لا تحتمل التأجيل.. قرارات تفتح أكبر قدر من فرص التوظيف للشباب الهائم على وجهه في الطرقات.. بعد أن أنهى استثماراً طويلاً ومكلّفاً في مسيرة التعليم ثم تخرج إلى الشارع العريض.. مثلاً.. تحريك قطاعات الأعمال الضخمة التي تستوعب أكبر قدر من العمالة مثل قطاع البناء والتشييد.. و مطلوب أيضاً خروج الدولة بأكبر ما تيسر من التجارة وترك الشعب يمارس التكسب في سوق الله أكبر بقوة الدفع الذاتية دون تدخل من الدولة.. وقبل كل ذلك .. على الدولة أن تدرك أن خدمة (التعليم) لا يجب أن تترك لقدرة المواطن على التعامل معها.. أول خطوة لإصلاح حال التعليم أنْ تُمارس الدولة عملية (تأميم) أطفال الشعب السوداني.. يصبح مفهوم التعليم أنه استثمار الدولة في أطفال الشعب لخلق جيل جديد.. فالطبيب الذي تنفق أسرته مئات الملايين حتى يتخرج من كلية الطب لن يعالج أبويه وأسرته فحسب.. هو جزء من (أصول) الشعب السوداني.. أو بالأحرى أصول الدولة السودانية.. فكيف لا تنفق الدولة على رعاية وتطوير أصولها. أحذروا موجة وباء الأسعار المنتشر هذه الأيام.. تلك نذر ثورة الجياع.. التيار