اختفت سلعة السكر عن الأسواق، ويبدو أن ضعاف النفوس الذين درجوا على استثمار الأجواء السياسية والاقتصادية قد نجحوا بالفعل في تسريب الكميات الموجودة قبل أن يجف المداد الذي كُتب به قرار الزيادة في سعر الجوال بواقع (65) جنيهاً. الجهات المختصة أعْلنت عن تدابير قديمة وجديدة للسيطرة على الموقف، ولكن المافيا المدرّبة أفلحت في وضع السعر الذي تريده قبل أن يبدأ إنتاج السكر بالقيمة الجديدة، فما تبقى من المنتج نجحت أيادٍ خفية في دسه بليل، حتى تعود به إلى أرفف المحال التجارية بواقع جنيهين أو أكثر للرطل الواحد! تدابير عديدة تجتهد حكومة الخرطوم في تطويرها للتعامل مع هذا التصاعد في سلعة حيوية ومُهمّة للمواطنين، غير أنّ التجارب السابقة تشير إلى أن الآليات المتبعة تعوزها الرقابة المستمرة والقوانين الرادعة، وهو ما نتمنى أن يسود خلال المرحلة المقبلة. وزارة التنمية الاقتصادية وشؤون المستهلك بولاية الخرطوم أعلنت عن زيادة أسعار السكر بمركز البيع المخفض واللجان الشعبية والمحليات، بجانب استئناف ضخ السكر من جديد اعتباراً من اليوم، ولكن بدون تطوير آليات تقف حائلاً بين التجار والمواطن ستكون هذه الإجراءات عقيمة ولن تفضي إلى حلول للأزمة التي تتفاقم الآن مع قُرب حلول شهر رمضان، ومن المهم جداً أن تدرك ولاية الخرطوم أن ما تضخه من كميات للسكر تصل للمواطنين بأسعارٍ غير حقيقية، والسبب وجود انسداد مُزمن في قنوات التوزيع من الشركات إلى المواطن. السكر ليس وحده، فالعديد من السلع الأخرى بدأت أسعارها في الارتفاع قبل أن تعلن حتى السياسات الاقتصادية الجديدة الأمر الذي عجّل بوضع زيادات ما أنزل الله بها من سلطان، كل ما يخطر على بالك زاد سعره بصورة جنونية، السوق ينفلت بجنونٍ والمواطن مغلوبٌ على أمره. آليات ضبط السوق يفترض أن تتطور بصورة أكثر حسماً لأن (الحكاية دخلت في اللحم الحي)، وترك الأمر على ما هو عليه استناداً على تقديس سياسة التحرير أمر سيجر تطورات كارثية لا يحتملها المواطن ولا الوطن، على ولاية الخرطوم التدخل بشكلٍ مباشرٍ لتحديد أسعار السلع الاستهلاكية والاستعانة بمحاكم أسعار لحسم (هياج) بعض التجار.كثير من المقدسات في تعاملنا مع الإستراتيجية انتهت الآن بفعل ما طرأ على اقتصادنا الوطني، وعلى الدولة توفير أكبر قدر من الحماية للمواطن وحراسته بكل آلياتها لضبط حركة الأسعار التي بدأت تبطش بحياته في سلع ليست لها علاقة بتحريك سعر الدولار، والمطلوب رقابة صارمة للأسواق وتقديم المتلاعبين بقُوت الناس والطامعين في تحقيق أرباح سريعة باستغلال الأزمة الى محاكمات رادعة وناجزة.نتمنى أن تتدخل حكومة الولاية بقوة في ضبط الأسعار عبر استنباط آليات قانونية تمكنها من حراسة حق المواطن في العيش الكريم، وتوفر له الإحساس بأن الدولة حريصة على انتزاع حقوقه من فك الأسعار الذي يفترس دخله بلا رحمة.. فهل نطمع في محاكم أسعار..؟!