(صواع الملك) ( العواسة ) .. اقتصاديات الانفصال فيصل عبد اللطيف [email protected] عندما انتخب الشعب البريطاني ونستون تشرشل رئيساً للوزراء ، والحرب العالمية في أشدها، وهتلر يقرع أبواب الدول الأوربية واحدة واحدة ، ويقتحمها.. لم يكن بيد تشرشل أن يعد شعبه بشىء غير \" المزيد من الدم والدموع\" ..لأنه أمام واقع مفروض عليه، ولم يرتب له.. صحيح كانت عباراته قاسية ، ولكنها واقعية.. هيأ شعبه لأسوأ الاحتمالات .. وقد حدث .. ودكت الطائرات الألمانية لندن ، وحاصرت بريطانيا، وأغرقت سفن أسطولها.. ولكن نجح تشرشل في تقوية مناعة البريطانيين.. فصمدوا ، وصبروا، وصابروا .. إلى أن \" وضعت الحرب أوزارها\".. وبعدها ودع تشرشل الوزارة ، لأن شعبه لم يختره لمرحلة ما بعد الحرب.. أراد البريطانيون إدارة جديدة، وقيادة تتفهم متطلبات المرحلة التاريخية الجديدة. ذلك في التاريخ .. والأخذ من التاريخ والاعتبار به مطلوب ، بشرط أن تأتي الاستعارة من التاريخ والاستشهاد به في السياق المناسب . نورد مثال تشرشل وبين أيدينا تصريحات عدد من أقطاب الاقتصاد السوداني ، وتحذيراتهم بشأن ما ستؤول إليه الأوضاع الاقتصادية في حال الانفصال .. ونعتقد ان هذه التصريحات جاءت متأخرة جداً، على الأقل نشرها بهذه الكثافة.. فهذا الواقع الذي نتدحرج إليه لم يفاجىء الحكومة كما فاجأ هتلر الأوربيين وأشعل الحرب العالمية الثانية، وجعل تشرشل يواجه شعبة بالحقائق. فاحتمال الانفصال وارد منذ توقيع اتفاقية نيفاشا، وكثير من العقلاء كانوا يرون الانفصال رأي العين بقراءة علاقة ( الشريكين المختلفين باستمرار). الآن ونحن على مقربة من الاستفتاء الذي سيفصل في مستقبل السودان يخرج علينا من يزيد مياه النهر تعكيراً. السيد محافظ البنك المركزي، صابر محمد حسن، يحذر من \" مرحلة حرجة\" ، ومن تغيرات وضغوط اقتصادية تستدعي إجراءات حادة تمس المعيشة اليومية. و السيد وزير المالية ، علي محمود، من جانبه يرسم واقعاً قاتماً للاقتصاد وأحوال المعيشة، ويذكر الشعب ب \"أهمية العودة إلى الذرة والدخن، وإلى الكسرة والعواسة \" .. هل هذا هو الوقت المناسب لإطلاق هذه التحذيرات؟ أم الأمور داهمت المسؤولين عن القطاع الاقتصادي، ولذلك يبدون كمن يلملم ، ويدرك ما يمكن إدراكه. هل نامت الحكومة على أنغام شعار ( الوحدة الجاذبة)، واستبعدت الانفصال الذي تضج به كل فقرة من فقرات اتفاقية نيفاشا؟ هل نسمى ذلك تباطؤ أم ارتباكاً؟ وإذا أقررنا بأن هناك ارتباك على مستوى التخطيط واختيار الوقت المناسب لإعلان السياسات والتوقعات، فإن درجة الارتباك ستكون أكبر وأبعد أثراً في الشعب.. كل من له صلة باقتصاديات ما بعد الانفصال سيؤكد أن هناك استعدادات والدولة جاهزة بالدراسات والإحصاءات، والبدائل. ولو .. هل قمنا بتنوير الشعب في الوقت المناسب ، لنتفادي ما أشرنا إليه في زاوية سابقة ( العوق النفسي ) الذي ينتج عن الانفصال . كان ينبغي لنا أن نستعد ونعد قبل 5 سنوات وليس الآن. يقول وزير المالية: \" سنفقد سبعين في المائة من نصيبنا من احتياطي النفط، وخمسين في المائة من نصيبنا من عائدات النفط \" . ومحافظ بنك السودان : يتحدث عن أن \" انفصال الجنوب سيؤدي إلى فقدان إيرادات البترول بنسبة تفوق ال (30%) من الحقول المنتجة في الجنوب\". ما التقدير المالي لهذا الفارق في النسب؟. وأحياناً يتم تبسيط التقديرات أكثر فإن ال (6.7) مليارات التي قيل إنها (الفاقد الإيرادي) في حال الانفصال يتقلص إلى النصف تقريباً كما يرى خبير اقتصادي وذلك بعملية حسابية، وهي أن إجمالي الصرف على حكومة الجنوب من الموازنة العامة يصل إلى (4.5) مليارات دولار ، وهو المبلغ الذي يصرف على مشروعات وعلى المفوضيات والخدمات ، وهذا المبلغ يسجل نسبة (22%) من الإنفاق، وإذا تم خصم هذه النسبة من الفاقد الإيرادي المرتقب فإن صافي الفاقد سيصل إلى (2.45) مليار دولار!! فهل مبلغ المليارين ونصف المليار يستحق كال هذا التقشف الذي يدعو إليه وزير المالية، لدرجة هجر الرغيف والاعتماد على العواسة؟ [email protected]