بسم الله الرحمن الرح يم الاستفتاء: من علماء السوء.. نبدأ الأسي! رباح الصادق [email protected] حاولنا أن نفرغ من مواضيع بدأناها، وأزحنا جانبا همومنا القديمة المتجددة سيما المتعلقة بهموم النساء، وتفرغنا للاستفتاء، ولكن، كمثل ذلك الذي لم يعرف من أين يبدأ أكل بطته.. لم ندر من أين نبدأ الأسى؟ ذلك أن الاستفتاء، وقد كان أملا مبذولا لإنهاء الحرب إلى الأبد واستدامة السلام إما عبر وحدة تكون جاذبيتها قد تحققت في أعوام الانتقال يسير نحوها أحبابنا في الجنوب طوعا، أو فراق بإحسان عبر انفصال سلمي مجمع عليه.. وهما أمران أمرهما حلوٌ، فالانفصال السلمي على مرارته لكل وطني تشبع حب السودان من حلفا لنمولي حلوٌ لكونه سلاما.. ولكن، صرنا الآن بين أمرين أحلاهما، مر. وأحلى الأمرين هذه تختلف بحسب الذائق. بالنسبة للوحدويين ونحن منهم، وهم أكثرية في الشمال وأقلية في الجنوب الوحدة هي الأحلى. وقد شرحنا من قبل أن قلة الوحدويين في الجنوب ليست طبيعة نفس في الجنوبيين ولكن بسبب العوامل الطاردة في الشمال، من خطاب إسلاموي عروبي عنصري متزمت يكفّر حتى ائمة الدين ناهيك عن السابلة الذين يُمطرون بوابل التشكيك في دينهم والاتهامات بموالاة الكفار بل بالكفر العديل.. فإذا أنت اختلطت بجنوبي مسيحي أو يتبع ديانه آبائه أنت توالي الكفار بل كافر، ولو أجرت له منزلك، ولو أعطيته بالانتخابات صوتك، ولو.. ثم لو صوت للانفصال فأنت كافر.. وهي فتاوى جاء بعضها في بيان الرابطة الشرعية للعلماء (شبه الرسمية؟) في 2006م أن الانضمام للحركة الشعبية ردة، والتعامل معها حرام، وبغضها في الله واجب ديني، وتأتي متسقة معها فتاوى خمسين سموا أنفسهم بالعلماء أصدروا بيانا في يناير من هذا العام هو آية في انتفاء العلم وسوء النية معارضة للهدى الرباني (وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) وعصيانا لأمر رسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (بشروا ولا تنفروا)، فذلك البيان بلغ مبلغا في غلظة القلب وفي التنفير كما سنرى.. وقد حُق على كتابه تسمية الإمام المهدي عليه السلام لنظرائهم في القرن التاسع عشر \"علماء السوء\" وحق عليهم ما كان يقوله المسيح عليه السلام للفريسيين ومعلمي الشريعة (الويل لكم يا معلمي الشريعة والفريسيون المراؤون! تغلقون ملكوت السموات في وجه الناس فلا أنتم داخلون، ولا تتركون الداخلين يدخلون، 13/23 متي). صدر \"بيان في الحالة السودانية\" في يناير 2010م ونشر في عدة مواقع على الإنترنت منها \"موقع المسلم\". وقع عليه خمسون أكثريتهم (21) من السعودية، ثم السودان (6)، والبقية من لبنان وموريتانيا وكوسوفو والأردن والبحرين وتركيا والجبل الأسود ومقدونيا والمغرب والهند والصومال. أما السودانيون الستة الموقعون فهم الأمين الحاج محمد أحمد (رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة؟؟)، و د.محمد عبد الكريم الشيخ(رئيس قسم الثقافة جامعة الخرطوم؟؟) ، ومدثر أحمد اسماعيل حسين (عضو الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة)، ود.مهران ماهر عثمان (إمام وخطيب مسجد أركويت)، وعلاء الدين الزاكي (جامعة الخرطوم؟؟)، وعماد الدين بكري أبو حراز (رئيس مجلس أمناء منظمة ذي النورين الخيرية). هؤلاء وزرهم أكبر من غيرهم، لأنهم بصفاتهم المذكورة جزء من المجتمع السوداني، الذي ذاق وبال الحرب، ثم وصل للتسوية حول السلام، ومع ملاحظات كثيرة قدمت على اتفاقية السلام في نيفاشا هنا وهناك، إلا أن مثل المنطق الذي تحدث به البيان لا يمكن سحبه على مجتمعنا ولا يقول به إلا شخص غارق في نصوص قديمة يمشي مكبا على وجهه ولا يستطيع رؤية ما في الآفاق البعيدة هناك في السودان، فهو في بلاده التي هو فيها لا يحدث نفسه حتى بزيارة البلد الذي قال عنه أهله الذين يحبونه (شين دشن.. وهزاره خشن!) أما أن يكون الموقع على البيان ممن يمشي بيننا في الأسواق ويأكل الطعام ويكلم الناس.. فهذا أمر عجيب!! قال البيان إن السودان (بلد مسلم عربي، دانت ممالكه بالإسلام قروناً عديدة، وتأثر بإسلام بنيه جم غفيرٌ في التُّخُوم الإفريقية المجاورة، فهو بوابة الإسلام إلى إفريقيا السوداء) وهي تلك اللغة.. سئمنا أننا بوابة، ألسنا يا عباد الله أرضا؟ ألسنا دارا؟ ألا نكون إلا معبرا أو تخوم؟ حسنا. رأى البيان أن الانتخابات وسيلة ضغط من قوى الاستكبار للنيل من السودان (بتغيير ما بقي من حكم الإسلام وشعاره الذي ترفعه دولته).. (فإن عسر عليهم فبتقطيع أوصاله وبتر أجزائه ليسهل تحكمهم فيها وذلك عن طريق ما يسمونه بحق تقرير المصير).. قال البيان: (ما يسمى بحق تقرير المصير مرفوض شرعاً في البلدان الإسلامية غير المحتلة ولو في أبسط صُوَرِه التي هي إعطاء شعبٍ الحقَّ في اختيار نظامه السياسي الذي يشاء، فكيف إذا تضمن ظلم المسلمين من قبائل المسيرية العربية وغيرهم، فكيف إذا غلب على الظن أن تكون الدولة الجديدة كافرةً معادية مقراً لأجهزة الاستخبارات الصهيونية والعالمية؛ التي يخشى أن تعيث في القرن الإفريقي فساداً، وفوق ذلك ستكون الدولة الجديدة عاملاً ضاغطاً على مصر، وذلك بتحكمها في منابع النيل مما يزيد المصريين رهقاً ولو بعد حين إذا استقرت الأوضاع وتكاثرت السكان، فكيف إذا كان فصل الجنوب ذريعة إلى تمزيق البلاد إِرَباً في أبيي وجنوب النيل الأزرق وكردفان وغيرها من ربوع السودان المضطربة الآن والتي تعلن فيها هذه المطالب، فكيف إذا كان حق تقرير المصير إنما هو أداة عند دول الاستكبار تبتر به ما تشاء، وتمنعه عمن تشاء؛ كما في الشيشان وكشمير وتركستان الشرقية وغيرها.) وأن دعم الانفصال (لا يتفق مع الشرع ولا العقل ولا السياسة الراشدة، فالواجب بسط الإسلام في تلك الربوع) ورأى البيان أن من المفاسد المترتبة على الانفصال (بقاء الجنوبيين في الشمال، وما يمثلونه من ضغط على الحكومة لإعطائهم حقوقاً ليست لهم كعدم الخضوع لأحكام الشريعة). يا معلمي الشريعة والمتأسلمين الغافلين، ألا إنكم لا تعلمون.. - أن الإسلام كان ينتشر في الجنوب كالنار في الهشيم، بما لا يقارن مع المسيحية التي تهيأت لها الظروف منذ أيام التركية السابقة (أيام العهد العثماني الذي يدعي الخلافة الإسلامية) كما وثق الأب الدكتور ج فانتيني في كتابه \"تاريخ المسيحية في السودان\" ففي عهد إسماعيل باشا فتح الباب على مصراعيه للمبشرين وكان حكامه من البريطانيين تحت السيادة الاسمية المصرية. فصمويل بيكر، وغردون وأمين باشا في الاستوائية، وجسي ولبتون في بحر الغزال. كما فتح للمسيحية الباب في الجنوب وأغلق في وجه الإسلام قسرا في التركية اللاحقة (الاستعمار الثنائي) بفعل قانون المناطق المقفولة وترك التعليم نهائيا ليد إرساليات المبشرين.. وبرغم كل هذه الظروف المواتية لم تجد المسيحية موطئا لها في الجنوب إلا في قبائل ومجموعات قليلة حتى النصف الثاني من القرن العشرين، ولكن المظلمات التي زادت والخطاب الأيديولوجي الأحادي الحاد هو الذي نفّر أهل الجنوب وأوردهم للنصرانية زرافات ووحدانا.. فمثل خطابكم هذا يعمل بأكثر مما عمل قانون المناطق المقفولة.. - وأن اختيار الشعب لنظامه السياسي الذي تعتبرونه مرفوض شرعا (كأبسط صور حق تقرير المصير) هو الطريق لأمة أبية، وما تخلفت دولكم التي جئتم منها إلا لأنها لا تختار النظام السياسي فيعيث فيها باسم الدين أو باسم الوطن من لا يملكون شرعية شعبية فيلتجئون لدول الاستكبار لتحميهم من شعوبهم، انظر للدول التي جاء منها هؤلاء (باستثناءات قليلة) إنهم لا يختارون نظامهم السياسي وشعوبهم لا تقرر مصيرها، فهل حققوا منعة الدين القويم وهل فقأوا عين دول الاستكبار؟ اللهم لا.. - إن أحبابنا في الجنوب لم يجمعوا على تقرير المصير إلا بعد أن سادت لغة كلغتكم، ولم تدخل دول الاستكبار إلا لأن الدولة التي ترفع شعار الإسلام أوجدت كل المبررات.. - إن الحق واحد لا يتجزأ، فإن كنتم تؤيدون حق تقرير المصير للمسلمين في الشيشان وكشمير وتركستان الشرقية، عيب عليكم أن ترفضوا حق تقرير المصير لشعب الجنوب فقط لأن دول الاستكبار تفعل ذلك فترضى بحق تقرير المصير حين يكون لها مصلحة وترفضه حين لا يكون لها مصلحة.. حق الإنسان في أن يحيا حياة كريمة ممنوح لجميع البشر وقد كرمهم ربهم لذاتهم وقال جل وعلا (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، وربنا رفض ازدواجية المعايير وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هو اقرب للتقوى). كيف إذا أراد شعب أن يقرر مصيره ترفضوه وربنا قال: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) وقال: (وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ). - إن العدل وليس الشعار هو الفيصل في مدى أحقية الدولة بالنصرة، وهو كلام قديم يتجدد في حياتنا قاله علماء حق وكان أبلغهم شيخ الإسلام ابن تيمية وقد كرر المقال.. في كتاب الحسبة قال: «إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام». وقال: «أينما يكون العدل فثم شرع الله ودينه». وفي \"الفتاوي\" قال :«فالناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى : الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة ». وقال: "وأمور الناس إنما تستقيم في الدنيا مع العدل الذي يكون فيه الاشتراك في بعض أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام... وذلك أن العدل نظام كل شيء فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها من خَلاق - أي في الآخرة - وإن لم تقم بالعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة\". وقال: «كلما تحقق به العدل هو من الشرع وإن لم يرد به نص». - أن الدولة في الجنوب لم تحقق للناس حرياتها، ولم تبلغ تمام العدل المرجو، وستقابل مشاكل كثيرة، ولكنها على أية حال مزعزعة بين نية العدل وبين واقع الجور. ففي أيام الانتخابات الأخيرة هالها ما يدور في الشمال من طبخ مستور ولم تقدر عليه فقامت بالطبخ الواضح غير الفاضح والذي جرى تحت وقع السلاح، فدخلت مثل حكومة الشمال في سنة الزور، ولكنها حينما واجهها الفساد الكالح وقفت في وجهه وقفة وإن لم تكن كافية إلا أنها فصلت بعض المسئولين وحققت في الأمر ولا تزال، لا كما يدور في الشمال من ترك للطابق مستورا!! وكذلك حينما أشكل الاستفتاء عليها ورأت انقسام أهلها بين هذا وذاك دعت إلى مؤتمر جميع الأحزاب الجنوبية الذي انعقد في الفترة 13-14 أكتوبر الجاري هذا، واشترك فيه الجميع حتى ألد أعدائها ومنحت العفو لمقاتليها ليلحقوا، وكونت لجنة من رؤساء الأحزاب لتفصل في قضايا الاستفتاء، إنها تخطو نحو العدل أكثر مما تفعل دولتكم في الشمال التي تناصرونها لأنها تعلن شعار الإسلام وهو منها براء. - إنكم بهذه اللغة التي تنتفي فيها أبسط مقومات الإنسانية والمراعاة للإنسان الجنوبي الذي عانى الأمرين ولا يزال، تجعلون صدر المسلمين من أهل الجنوب ضيقا حرجا، هل قرأتم مثلا للسيدة أجوك عوض الله جابو وهي في حشمة خمارها وحرفها العربي الرصين تنهل من علوم الفقه ومن لغة القرآن وتبث هموم الجنوبيين من أعمال ولغة دولتكم هذه التي تحمل شعار الدين؟ .. ولا أظنكم تقرأون ولا تفهمون لمسلم أو مسلمة على حد السكين مثلنا يقرأ لجنوبية مسيحية كالسيدة ستيلا قاتيانو، وهي تكتب بلغتها الهجين التي تعب فيها من الفصحى حينا ثم تستل عبارات من (عربي جوبا) حينا آخر لترسم مآسي الجنوبيين في الشمال لو بقوا هنا أو لو عادوا لديارهم ، أو ما سمته (لعنة الشمال)؟ هؤلاء بشر، وكما قالت أجوك ففي كل كبد رطب أجر، ناهيك عنهم! هل يفكر (داعية وعالم) في معاناة البشر أم في ضغطهم وتأكيد أنه ليس لهم حقوق؟ هذه هي الوحدة المرة التي تنادون بها.. حقا.. إن الاستفتاء لو قاد لوحدة تحت سنابك جيشكم هذا، فهي وحدة كما يقول الأستاذ فاروق جاتكوث بين الإنسان والحصان.. يظل الحصان يحمل الإنسان، ويظل الإنسان ممتطيا حصانه! إننا ننادي بالوحدة، ولكن لا بد أن تكون على أسس جديدة تبعدكم وتبعد لغتكم هذه من بلادنا بعد المشرقين.. وتبشر بلقاء إنساني بين أهل يتساوون في المواطنة ولو اختلفت دياناتهم وأعراقهم. إنكم، يا معلمي الشريعة والمتأسلمين الماكرين تقفلون الباب أمام الإسلام، وتمنعون رحمة الله من أن تنزل على عباده، وتزرعون الشقة بين الأشقاء، وتزكون نار الحرب تزيدونها بكلماتكم حطبا! كان رسول الله (ص) قد تعوذ من العلم الذي لا ينفع.. ونعوذ بك اللهم من مثل هذا العلم الذي يضر! وآخر كلمة لنا ونحن نتوجع.. يا أجوك ويا ستيلا.. بالله خذوني معكما حيث تحطان الرحال! وليبق ما بيننا نشر بالأحداث في 24 أكتوبر