الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    ميليشيا الدعم السريع ترتكب جريمة جديدة    بعثة الرابطة تودع ابوحمد في طريقها الى السليم    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنار...دولة مسلمة وليست إسلامية
نشر في الراكوبة يوم 25 - 10 - 2010


رأي !
سنار...دولة مسلمة وليست إسلامية
د. حيدر إبراهيم علي
تنويه:
يعتبر هذا الجزء تكملة لموضوع:(المثقف السوداني من كفاح جيل إلى موت دنيا) وقد قطع المواصلة موضوع ذكرى الأستاذ محمد محمد علي،والتي لم يكن من الممكن تفويتها أو تجاهلها.ويستمر الكاتب في عرض فرضية غياب التراكم في الثقافة السودانية وبالتالي صعوبة التنوير والنهضة.
(1)
يسعى بعض المهتمين بتاريخ الثقافة في السودان الى البحث عن جذور بعيدة للحاضر أو ما يسميه الاسلامويون:التأصيل.وهي طريقة عقيمة في أغلب الاحيان لأنها لاتاريخية أي تتجاهل التاريخ الحقيقي وتشرع في بناء تاريخ متوهم هو في حقيقته مجرد آيديولوجيا بائسة لأنه لا يحمل من الوقائع شيئا.وقد حاول البعض البناء على سنار أو سلطنة الفونج ،والانطلاق منها كبداية للدولة الاسلامية الاولى والثقافة السنارية الاصل.ومن أكثر المتحمسين لهذه الفكرة والمروجين لها د.حسن مكى محمد أحمد،فقد اصدر كتيب:»الثقافة السنارية -المغزى والمضمون.»(88 صفحة -جامعة افريقيا) بمناسبة مرور خمسمائة عام هجري على قيام سلطنة سنار الاسلامية(910-1410).ونشر سلسلة مقالات في صحيفة»الرأى العام» في يونيو2008،ويتبع د.مكى في كتابة التاريخ والتحليل السياسى،منهجا اقرب الى الواقعية السحرية في الرواية ويميل الى الغرائبية(الاكوزيتية)في اصدار الاحكام ويسعى الى صدم أو ادهاش أو اضحاك السائل أو المستجوب.وفي كثير من الاحيان لا يحتاج الى ادلة أو نهايات منطقية.المهم ان يقول ما لم تقل به الاوائل.وقد ساد هذا المنهج الغرائبي في كتابته عن سنار.فهو - كالعادة - لم يحاول تقديم أي براهين على اسلامية سنار.هل طبق السلاطين الشريعة الاسلامية؟هل كان تولي السلطة وتعاقبها قائماً على أسس اسلامية؟هل يستوعب النظام الاسلامي كل هذه الخرافات والمعجزات والكرامات؟ماهي الاضافات الفقهية والفكرية التي اسهم بها (الفقرا)المنتشرين في بقاع السودان،هل تركوا المصنفات والمؤلفات كما فعل اهل تمبكتو أم اكتفوا بمختصر الخليل وحزب السيف؟لم يقم المؤلف بتحليل النظام القضائي في سنار ليثبت اسلاميته،ولا تابع الحياة اليومية.ومن يقرأ كتاب:حسين سيدأحمد المفتي -تطور نظام القضاء في السودان(1959)يتأكد له ان العرف كان سائدا ،حيث كان يحكم ما يسمى بقضاة الشريعة البيضاء في القرى والبوادي.وكان للفقرا موقفهم المتميز من القضاة الشرعيين وقد عبر عن ذلك الشيخ الهميم بقوله:-
فان كنت قاضيا قرأت مذاهبا
فلم تدر ياقاضى رموز مذاهبنا
فمذهبكم نرفو به بعض ديننا
ومذهبنا عمى عليكم وما قلنا
اما من الناحية الفكرية،فيكاد نفس الشخص الذي عظّّم دولة سنار -النموذج
يهجو الصفوة السنارية التي فرت الى حمي التصوف:»فإن التصوف في حد ذاته كان في أشد حالات انحطاطه وتبدلت احوال المتصوفة من قادة لحركة المجتمع الى أسرى اشارات ورموز واصطلاحات فارغة،وتبدل حال التصوف من حركة قدوة ومجاهدة وزهد وتوكل على الله واخلاق اسلامية سامية الى مجرد اشكال ومظاهر ومواكب شعوذة.»(مكي ص65).
(2)
يمثل الغموض الذي احاط بأصل الفونج دليلا قويا على الامتزاج والاختلاط العرقي الذي شكل خلفية السودانيين الإثنية. ولكن هذا التنوع الاثني لم يقد الى حالة من التسامح والتعايش والاثراء الثقافي، بل ذهب في اتجاه الصراع والانقسام والعداء العرقي.ويمكن القول بأن قيام الدولة الوطنية الاسلامية الاولى صاحبته عقدة الانتماء العروبي،اذ درج فهم سائد لا يفرق بين الاسلام والعروبة.ومن هنا كان استغراب العقيد القذافي أن يكون جورج حبش مسيحيا وعروبويا متحمسا. لذلك، كان من الطبيعي أن يخضع أصل الفونج الى كثير من التلفيق والتعديل للتوفيق بين الصفتين.فقد كان الانتساب العربي «الشريف» يقوي المكانة الاسلامية،اذ لم يكن مجرد اعتناق الاسلام يمنح مكانة اجتماعية، رغم ان صفة حاج في بعض المناطق الافريقية يعلّي نسبيا من الموقع الاجتماعي.وقد شغل أصل الفونج الباحثين كثيرا،وتعددت الروايات،وا تركزت اخيرا في ثلاث أو أربع روايات.وأقوى هذه الفرضيات:-نظرية الاصل الشلكاوي، ثم نظرية الاصل الاموي(العربي).وقد اضاف(آركل)الاصل البرناوي،وذكر احتمال الاثر الطوارقي.(1) وجادل الكثيرون حول الاصل الشلكاوي .وهي النظرية التي قال بها أحد الرحالة المهمين(بروس) والذي زار سنار عام1772م. وقد أيد هذا الرأي كل من وسترمارك وآركل.وحاول الاخير تفنيد نظرية الاصل الاموي - العربي مع تأكيد أصلهم الشلكاوي،حيث يقول:-» ...واذا ما كان الفونج سلالة جديدة حاكمة أصلها شلكاوي وقامت بإحياء مملكة علوة المبادة وبعد زمن وجيز من صعودهم لسدة الحكم، اعتنقت الاسلام لسبب أو آخر، فسيكون من اسهل الامور أن نتصور نشأة أسطورة الاصل الأموي للفونج.ولماذا لا تكون قد لفقتها تلك العقلية الخصبة لذلك الشخص الخفي السمرقندي الذي ربما كان «فكي» مغامر جاء من مصر الى جهينة وأخذه منهم الملك عمارة وأستخدمه للتدليل على أن الاسود أبيض أو على الأقل إثبات أن لهم أسلافا بيضا، على أقل تقدير.بامكاننا أن نتخيل السمرقندي وهو يسائل الشلك حول خرافاتهم ورواياتهم الشفوية وحول اسلافهم وتاريخهم الى أن تمكن من تشكيل اسم عربي هو العمريون من عمارة الاسم العربي الذي أطلقه على أومارا أو أم كارا وهو اسم الرجل الثاني حسب أسطورة الشلك وهو ايضا اسم مؤسس السلالة الفنجاوية الحاكمة على النيل الأزرق.»(2) ويفترض اختيارهم لبني أمية كأسلاف لهم بسبب تشابه اسمهم لاسم اوموي(OMOI)وهو شقيق نيكانج الجد الاسطوري لشلك النيل الابيض.وتشعب الخلاف حول أصل الفونج واحتل حيزا معتبرا من اهتمامات المؤرخين المهتمين بتاريخ السودان،إن لم يكن قد أتى في المرتبة الاولى من الاختلاف الدال على الاهتمام.
يشير هذا الغموض والاختلاف حول الاسرة التي انشأت ما يمكن اعتبارها المملكة أو السلطنة المسلمة الاولى،الى غياب قومية شاملة ومركزية تجمع السودانيين.ومن الملاحظ في التاريخ السياسي الاسلامي ان الدولة تحمل اسم أسرة مهيمنة وقوية تغلبت على الآخرين،وهذه ما سميت شرعية الغلبة.ويعتقد(ترمينغهام) أن كلمة:فونج،هي مجرد تعبير سياسي يشير الى ارستقراطية في سنار ومراكز اخرى وهي لا ترتبط بالضرورة بأي عرق أو ثقافة.وان احتفاظهم بجيش دائم من السود،هو من الدلائل على أن الفونج هم أقلية صغيرة مسيطرة ذات خلفية مستقرة.ويرى البعض انه عند تأسيس المملكة كانت كل المجموعة الشلكاوية هذه،وثنية.ولكنهم تحولوا الى الاسلام لتأمين تجارتهم مع القاهرة،وأطلقوا على انفسهم أسم:فونجي.وقد فسروها بالاسياد أوالغالبين، واحيانا قد تعني :المواطنون الاحرار.(3) وأخذت المملكة شكل كونفدرالية فضفاضة أكثر منها دولة بالمفهوم الصارم أو السائد بما يعني من مؤسسات وتقسيم عمل وطرق تداول للسلطة وعدم شخصنة السلطة،والشمول،وتحديد الحقوق والواجبات.وقد غابت في سلطنة الفونج السلطة المركزية والمؤسسات العامة.وكانت الاراضي الواقعة بين النهرين هي وحدها الخاضعة للسلطة المباشرة لسلطان الفونج.فقد اقتطع للحكام المحليين مناطقهم واعتبروا حكاما اقليميين ينوبون عن السلطان ويدفعون له الجزية. كما احتفظوا بمؤسساتهم التقليدية بلا تغيير.وقد ظلت الصلة ضعيفة مع السلطان مما اغرى بعض الحكام المحليين على التمرد.وفي بعض الحالات يتم اخضاعهم بالقوة ولكن يسمح لهم بالاستمرار في الحكم.ويحكي بروس ان الملك عبدالقادر الاول حين هزم مناطق جبل موية وسقدي(حوالي عام1536) قام بختان الحكام المهزومين وحط من قدرهم بعرضهم في سوق العبيد.ومع ذلك اعاد تنصيبهم كحكام على بلادهم مع اجبارهم على دفع الجزية.(4) وقد تكررت في عهد الفونج ظاهرة الامتناع عن دفع الجزية وتمرد الحكام المحليين.ومن الواضح أن هذا الكيان السياسي الاسلامي المبكر افتقد كل مقومات الدولة المركزية.وخضع لتاريخ الانقسامات والتشظي الذي اتسم به السودان منذ عصور سحيقة.
من ناحية أخرى،شهدت سلطنة الفونج صراعات واقتتال مستمرين،مما ساهم في ضعف المملكة وقلة تأثيرها في البناء القومي مستقبلا،بسبب الاخلال بالاستقرار وتطور العمران وزيادة السكان المنتجين.ويتساءل المرء ماذا كان يفعل الناس في ذلك الوقت غير القتال أو الاستعداد للقتال؟ لذلك خلت حضارتهم من المعمار الذي يخلّد امجاد وانجاز الغابرين.ولم يترك لنا اسلافنا من الفونج مدينة قديمة مثل فاس أو القيروان أو القاهرة وغيرها من المدن الاسلامية العظيمة.وتناثرت القباب الطينية لتؤ كد غياب المركزية وفي نفس الوقت خلو المملكة من الابداع والانتاج.وهذا ما يقوله كاتب الشونة:- « فمدة ملك الفونج الخالص لهم ولهم فيه الحل والربط والقهر والغلبة والقتل لغاية سنة1174(1760م) ولهم مائتان وأربعة وسبعون سنة.»(5)ولا يوجد ذكر لاعمال البناء والزراعة والتعليم.وتبدو احداث مملكة الفونج أقرب الى ايام العرب قبل الاسلام أي سرد للمواقع والغارات.ففي تاريخ الفونج يتردد الحديث عن «الحربة» في كل فترات الحكام المتعاقبين اذ لا تخلو حقبة أي حاكم من المنافسة الداخلية أو تمرد الحكام المحليين.وكثيرا ما نقرأ في مخطوطة كاتب الشونة مثل هذه الاشارات :-» فجهز الملك بادي الحربة لبعض قتال المسبعات، وفي رأسها ولد تومه(.....) فاقتتلوا بقحيف ، وقتل ولد تومه والشيخ عبدالله، وانهزمت حربة المك،ووقف الشيخ محمد ومعه بادي ود رجب وعدلان ود صباحي، وسلم حربة المك من التلاف- ثم التقيا بمحل يعرف بشمقتا(غرب كردفان) - فاقتتلوا وقتل شمام ولد عجيب،وانهزمت الحربة وصبر الشيخ محمد المذكور - ومنع الطرد من الحربة واشتهر فضله على سائر الحراب، فارسل اليهم المك وتبّع كامل الحراب، التي كانت مع ولد تومة للشيخ محمد ابي لكيلك، وقاتل بهم مسبعات،واعطاه الله النصر والظفر».(ص44 من المخطوطة).
(3)
عرفت السلطنة الى جانب الحروب والصراعات،المجاعات.ومن أشهرها «سنة أم لحم» والتي حدثت في عهد أونسا ولد ناصر(حكم حتى عام 1688 ولمدة اثني عشر عاما).وتوصف بأنها «سنة مغلية، ومعها داء الجدري، وقيل من شدة الغلاء أكل الناس الكلاب».(ص38).وتعود اسباب المجاعات الى اسباب طبيعية مثل الجفاف،والى أخرى بشرية مثل احداث الخراب والنهب.ونقرأ عن اخبار تلك الفترة مثلا:» وفي سنة 1211(1797م) في شهر شوال يوم الثلاثاء قطع(الشيخ ناصر) الى أبي ريدة ومعه أخوه عدلان، فقتلوا وخربوا حلال الشرق، ونهبوا منها اموالا، وكان هو ظالما لا يرد يده عن مال أحد من المسلمين، وقد أغنى بيوتا وأحوج آخرين».(ص58).ونقرأ عن أخباره في موقع آخر:-» وذكر من مات في مدته: فأولا قبض الفقيه حجازي ابن أبي زيد وقتله عطشا، وقتل الفقيه النجدي خنقا، وقتل جماعة الحضارمة، فقيل عطشة حجازية، وخنقة نجدية ، وذبحة حضرمية».(ص8-59).
واخيرا، تقول المصادر إن القرن الثامن عشر شهد تدهورا ملحوظا في وضع الممالك الوطنية الممتدة من الشرق الى الغرب(الفونج،تقلي، الفور)، والتي غطت منذ العصور الوسطى، المنطقة التي عرفت لاحقا بالسودان المصري - البريطاني. وتمثل التدهور في قدرة الممالك ورفاهية رعاياها.ويعود السبب الى طبيعة النظم مطلقة الحكم،والخوف من الاجنبي، الذي تسبب في انغلاق هذه الممالك على نفسها خشية أي تأثيرات خارجية.وكانت النتيجة، أنها أصبحت معزولة من حركة وتقدم العالم واتسمت بالركود ثم الاضمحلال.(6)
كانت السنوات الاربعون الاخيرة من عمر مملكة الفونج حقبة للحروب الاهلية التي مزقت السلطنة سريعا الى كيانات صغيرة. فقد استقل العبدلاب تماما من عام 1770،ولكن مجال سيطرتهم صار محدودا لان الشايقية في الشمال استقلوا بدورهم (حوالي عام59-1660) وسيطروا على المنطقة حتى دنقلا التي لجأ اليها المماليك بعد مذبحة المماليك عام 1811، وقد اضر استقلال الشايقية باتصالات الفونج بمصر والبحر الاحمر. وانقطع امداد الفونج بالخيول والتي اعطتهم فضل التفوق العسكري على بقية المجموعات.
كما تميزت الفترة بحروب قبلية،وحملات الجعليين وملوك شندي ضد المسبعات،وبين البطاحين والشكرية. وكان من نتائج انتشار الصراعات والحروب الاهلية ، تدهور الكثير من المدن،ومن بينها مدينة اربجي التي كانت مزدهرة.فقد تم حصارها ودمرت تماما عام 1784،ويصف كاتب الشونة الحالة :-» ...وذلك في مدة الشيخ رجب1198/1784م وحصلت فيها حرابة الشكرية مع جماعة أربجي،فلما حصلت شياخة بادي أضمر عليهم الشيخ الأمين بالسوء،وسمعوا به وأيقنوا بالهلاك،فتفرق منها أهلها، وهي قرية كاملة الحسن والبنيان،مليحة العمارة والتجارة،أدبية في المأكل والمشرب،وفيها أناس صالحون،ومدارس علم وقرآن،وفيها عجائب يحكيها من حضرها وكان ابتداء عمارتها قبل سنار بثلاثين سنة،وهي سنة 870 فكانت مدة عمارتها 328سنة،فسبحان الحي الذي لا يبقي إلا ملكه».(ص51).
وأصبح ملوك الفونج أسرى في يد وزراء الهمج،والذين اصبحوا الحكام الفعليين والمسيطرين على مقدرات الدولة والحكم.وقد اتسمت هذه الفترة بالاضطراب والصراع على السلطة بين مراكز قوى تمثلت في المحاربين وشيوخ الهمج والعبدلاب.وقد تسبب ذلك في الضعف وعدم الاستقرار مما جعل الفتح التركي-المصري ينجح في سهولة في غزو البلاد بلا مقاومة تذكر من السلطة الحاكمة ،ولم تستطع القبائل غير المنظمة مقاومة الحملة القوية وحسنة التسليح مقارنة بالاسلحة البدائية التي تمتلكها.ولذلك كانت مقاومة الشايقية قصيرة الاجل ،وفي النهاية استسلم بعضهم وفر آخرون جنوبا.ودخل اسماعيل باشا بقية المناطق بسهولة وينتهي الامر باعطاء زعماء القبائل الامان والكسوة وتقليد السيوف.وشمل ذلك الهمج:-»فأمنهم ايضا وكساهم فرجعوا وأتوا بمك الفونج على عادتهم وزخرفتهم فأمنه وكساه بما يناسب لمقامه،وذلك آخر دولتهم واظهار عظمتهم،فدخل سنار في ثاني عشر ليلة من رمضان المذكور(1236هجرية/20-1821) فقابله من هو فيها وأكرم كلا منهم بحسب قانونه وحظه السابق».(مخطوطة...ص103).وكانت هذه بداية العنف التركي الذي تسبب في تخريب السودان لان المزارعين هجروا قراهم هربا من الضرائب غير العادلة وطريقة جبايتها.وعقب سقوط سنار مباشرة شرع الاتراك في ادخال اساليب جديدة في القمع والاضطهاد بقصد التخويف وترهيب السكان المحليين .ونقرأ عن التاريخ المبكر:-» ...أسر معه عبدالله نقل، فقتلوه بالخازوق ،فكان أول خازوق نصب ببلاد السودان، وقتل غيره بالسيف،ثم في ذلك العام آتوه بالحاج علي ولد تمساح من اهالي بربر فقتله بالمشنقة وهو كذلك أول من قتل بها».(مخطوطة...ص104).
زحف اسماعيل باشا بجيشه الى العاصة،ولما اقترب من سنار،خرج اليه الملك بادي السادس مستسلما وقدم له بعض الهدايا المعروفة محليا كدليل ولاء .وبدوره قرره اسماعيل ملكا على أهله،وأجرى له مرتبا من الدراهم والحبوب، استمر حتى قيام الثورة المهدية . ودخل اسماعيل باشا سنار في 12 يونيو1821.
الصحافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.