زمان مثل هذا الجامعة.. جامعة حُرة (1) الصادق المهدي الشريف الاختلافُ كبيرٌ - كماً وكيفاً - بين الشعب السوداني والمصري.. رغم أنف من يظنون بنا خيراً أكثر مما بنا. فالمصريون أعرق حضارة، وأكثر شعوب المنطقة تعرضاً للغزو من الإنجليز والفرنسيين والأتراك وغيرهم (بمعنى احتكاكهم بغزاةٍ كُثر، واستفادتهم منهم). كما أنّ موقع مصر على البحر الأبيض المتوسط يجعلها أقرب الى منطقة الإشعاع الحضاري في أوروبا (ولا يفصل بين أوروبا ومصر سوى البحر الأبيض المتوسط). وبالتالي فإنّ تعامل الشعب المصري مع أجهزة الدولة الحديثة (التشريعية والقضائية مثلاً) أفضل من تعامل بقية الدول العربية.. ومن بينهم نحن. فالمصريون – رغم كل ما يحيط بهم من مظاهر قبضة السلطة – يستطيعون أن ينتزعوا حقوقهم باستخدام أجهزة السلطة نفسها.. وبقوانينها. ومناسبة هذه المقدمة الخشنة (على البعض) هو القرار الذي أصدرتهُ (المحكمة الإدارية العليا) بتأييدها لحكم (محكمة القضاء الإداري) بطرد الحرس الجامعي من الجامعات المصرية. الحرس الجامعي يتبع لوزارة الداخلية المصرية.. وهي وزارة قابضة (قابضة جداً)، يكفي أنّ سائقي سيارات التاكسي يتجنبون أن يعبروا أمامها أو حتى استخدام الشارع الذي تتفيأ فيه مبنًى وريفاً. وأذكر حينما أردت استئجار شقة بمصر الجديدة، قالت لي صاحبة الشقة محذرة من أيِّ تلاعب في الإيجار (دا أنا أخويا مقدم في وزارة الداخلية).. ولا أدري هل كانت تتوقع مني أن أرتجف خوفاً؟ أم أدفع لها مقدم ستة أشهر؟. لكن رغم هيبة وزارة الداخلية المصرية إلا أنّ ذلك لم يثنِ الجامعيين المصريين من الطعن في قانونية وجود حرس جامعي يتبع للوزارة. ولم يكن الأمر مجرد تبعية أمنية.. بل يتدخل الحرس الجامعي في بعض مهام الإدارة الجامعية، فيوقف بعضاً من الطلاب ويمنعهم من الدخول للجامعة، ويسمح لآخرين. هذا الوضع كان يحتاج إلى معالجة قانونية، حتى تصبح (الجامعة.. جامعة حُرة.. والعسكر يطلع بره) كما يترنم الطلاب السودانيون بهذه الأهزوجة. الأمر كان يحتاجُ الى تكييف قانوني.. فالجامعات بحكم رسالتها التعليمية والتوعوية.. كفلت لها الدولة استقلالاً تاماً من الناحية السياسية، بل وسعت بعض الدول لاستقلال الجامعات اقتصادياً عن الحكومات. لهذا فالسيطرة الغريبة من حرس وزارة الداخلية على أفواه الجامعات كانت بمثابة تدخل وزارة في عمل وزارة أخرى (تدخل وزارة الداخلية في عمل وزارة التعليم العالي). فرفع بعض القانونيين التابعين للجامعات دعوى في محكمة القضاء الإداري طاعنين في قانونية وجود قوات تتبع لوزارة الداخلية بمباني الجامعات. وأوردوا بعض تجاوزات تلك القوات، بالقرائن والبراهين، وتداولت المحكمة في الأمر ثُمَّ قضت بعدم قانونية وجود قوات حرس الداخلية في الجامعات. ولكن عدم القانونية هذا كان يحتاجُ الى أمر بالتنفيذ، وإذا كان القرار قد صدر من وزير الداخلية، فإنّه يحتاجُ الى قرار من المحكمة الإدارية العليا لإبطالهِ. فكان أن انتقل التقاضي الى المحكمة العليا والتي أصدرت قراراها ب(إلغاء/ طرد) الحرس الجامعي من كل أبواب الجامعات المصرية، واستبدالهم بحرسٍ من المدنيين يتبع لوزارة التعليم العالي. ولأنّ الأمر ذو صلة بنا وبجامعاتنا فإنّنا نواصل الحديث – بإذن الله – غداً. التيار