هناك فرق. حكاية مولانا القاضي ..(2) منى أبو زيد تقول راوية الحكاية.. وقع طلاقي عندما انقشعت غيوم التجمل عن أكذوبة كبرى، عشت فصولها بخياري.. وصدَّقتُها بمزاجي.. ثم قررتُ أن أفيق منها بإرادتي.. وعندما صبئتُ عن عبادة إله السُّترة .. صفقتُ الباب خلفي، وتركتُ ورائي ماضياً غير مأسوف عليه .. وبقيتُ أعيد ترتيب أوراقي التي بعثرها الخذلان ..! ولأني كنتُ وما زلتُ أقيم وأهلي خارج السودان، وجدتني أحتاج إلى توثيق ورقة طلاقي، حتى أعيد ترتيب أوضاع إقامتي في الخليج .. إذ لا غنى عن تلك الوثيقة لإكمال إجراءات العودة الرسمية إلى كنف عائلتي المغتربة، بعد أن كان طليقي هو كفيلي الشرعي لسنوات طوال..! كان الرجل يقضي أجازة قصيرة بين أهله في إحدى قرى/ولايات السودان عندما وقع الطلاق .. وعليه فقد صدرت الوثيقة ضمن الأوراق الرسمية لمحلية تابعة لتلك الولاية .. ذهبنا لتوثيق الورقة فقالوا لنا في الخارجية إن المشوار طويل .. يبدأ بمحكمة تلك المحلية .. مروراً بالمحكمة الشرعية بالخرطوم .. وانتهاءً بذات الخارجية..! كالعادة تولى أحد أشقائي الأمر وسافر إلى حيث محكمة المحلية إياها .. وهناك وقف بين يدي مولانا القاضي الذي أمره بالذهاب إلى قرية طليقي، واصطحاب مأذونها الشرعي، ثم العودة معاً إلى ذات المحكمة..! لم يُليِّن قيظ نهار رمضان قلب مولانا على رجل صائم قطع عشرات الكيلومترات، ولم يكسر قلبه عطش شيخ جاوز السبعين.. فما أن وقف الرجلان أمامه يلهثان من العطش بعد مشوار طويل، حتى نظر في تاريخ وقوع الطلاق، ثم خاطبهما قائلاً في برود بأن لا توثيق قبل اكتمال العدة .. ثم إنه لا بدّ من حضوري الشخصي..! وعندما سأل شقيقي المسكين.. لماذا إذاً تجشمنا كل هذا العناء؟!.. لماذا أحضرنا هذا الشيخ المسكين في نهار رمضان؟!.. عاجله مولانا (تعال حاسبني!).. ثم جاء الأجل المسمى.. فرافقت شقيقي في ذات الرحلة.. ثم وقفتُ بين يدي مولانا القاضي..! كان الرجل مُنتفشاً كمصيبة في أطوارها الأولى.. ممتلئاً على الكرسي باحتفاء من لا يخشى أدواء النفس الأمارة بالسوء.. سأل بإلحاح عن أسباب الطلاق.. فعاجلته بالقسمة والنصيب.. فقال القاضي ما معناه أن القسمة سبب (فطير) لا يقال كرد على هيئة المحكمة الموقرة.. فأفهمته أنني أعرف القانون جيداً.. ولا أظن أن هنالك قانوناً يجبرني على (الونسة) عن أسرار طلاقي مع الغرباء.. وكل الحكاية توثيق مستند لا أكثر..! فما كان من مولانا إلا أن كتب آمراً بإحضار المأذون الشرعي من قريته (ثانية) لمعرفة سبب الطلاق (وليس للتأكد من محتوى الدفتر كما جرت العادة).. فالذي جرت عليه العادة هو أن تسليم الدفتر يلغي ضرورة وجود المأذون.. لكن مولانا أصر على استنطاق الرجل عن (أسباب) و(مرات) طلاق بائن وقع وانتهى أجله..لأنه يظن – وفي بعض الظن إثم - أننا قد (خربنا الدنيا)..! سافرنا وأتينا بالمأذون الذي وقف بين يدي مولانا مثبتاً كتابة وشفاهة أن الوثيقة صحيحة.. فماذا فعل مولانا ؟!.. رفض توثيق الورقة متعللاً بوجوب حضور الزوج أو إحضار إقرار موثق منه لمعرفة أسباب الطلاق..! يعني كتب علينا أن نرجع إلى الخرطوم ثم نعاود السفر مرة أخرى إلى الولاية.. فالمحلية.. فالقرية.. من جديد.. ليس لإحقاق حق بل إرضاءً لنزق مولانا الذي أثار حفيظته كبرياء مطلقة..! لن أطيل عليكم.. أو تدرون ماذا فعلت ؟!.. اتصلتُ برئيس الجهاز القضائي في ولاية مولانا .. يعني بالعربي (شكوته) رسمياً.. بمكالمة هاتفية غاضبة.. وقصيرة.. وحاسمة من رئيسه المباشر وافق مولانا على طلب التوثيق.. ولولا مبدأ (المحاسبة) والاعتراف بأوجه القصور، لفقدتُ حقي القانوني الذي كاد يهدره مولانا القاضي بتَعسُّفه في إشباع فضوله القاتل..! التيار