بسم الله الرحمن الرحيم عامٌ إنتخابى إفريقى جديد المتوكل محمد موسي [email protected] إشتهرت دول قارة إفريقيا، فى سبعينات وثمانينات القرن الماضى، بإنتهاج أسلوب الإنقلابات الدموية الباطشة سبيلاً للوصول إلى السلطة والسيطرة على مقاليد الأمور ومن ثم التحكم فى رقاب الشعوب وإسامتها الذل والهوان وممارسة فظائع عليها ما أنزل الله بها من سلطان. ولكن وبعد النضال المستمر للطليعة المثقفة من الجيل الإفريقى الجديد ونمو قدرٍ عالٍ من الوعى لدى شعوب إفريقيا وبصورةٍ مضطردة .. بدأت حدة الإنقلابات تخف تدريجياً وبدأت دولاً عديدة تتخذ من الديمقراطية وسيلةً لحكم البلاد .. وإن كانت فى كثيرٍ من الأحيان، تأتى هذه الديمقراطية نتيجةً لضغوط مُورست عليها من جهات عدة، داخلية وخارجية، وتتمثل العوامل الداخلية فى تنامى الوعى وسط الأفارقة بأهمية أسلوب الحكم الديمقراطى بعد أن ذاقوا الأمرين من عملية الصراع حول السلطة .. أما الضغوط الخارجية فتمثلت فى إصرار المجتمع الدولى على إرساء أساليب التداول السلمى للسلطة فى دول إفريقيا وأصبحت تقدم المنح والدعومات والحوافز للدول الإفريقية التى تنتهج السلوك الديمقراطى السليم فى الممارسة السياسية وحكم البلاد، ولذا إمتثلت دولٌ إفريقية كثيرة لها، بعضها طمعاً فى العون الخارجى بعد أن أهلكت الحروب مواردها أو خشيةً من الدخول فى مواجهات مع المجتمع الدولى .. والبعض الآخر أذعن للخيار الديمقراطى بعد الضغوط الداخلية التى مورست عليه .. على كل حال بدأت الديمقراطية تجد آذان صاغية وتُحظى ببعض الإحترام فى أفريقيا ، فها هى العديد من الدول الإفريقية تصدع لنداء الديمقراطية وتقوم بتغيير حكوماتها عبر تداولٍ سلمي للسلطة ، مثل غانا والجزائر والسنغال وجنوب إفريقيا وناميبيا وموزمبيق وزامبيا وملاوي وبتسوانا وتنزانيا ولعّل أكبر المكاسب التى حققتها هذه الدول هى أن خصلة التداول السلمى للسلطة أصبحت من المسلمات فى حياتها السياسية . ففى عام 2010م شهدت دولٌ إفريقية عديدة إجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية لإفراز حكومات تقود البلاد .. مثل السودان وموريتانيا وإثيوبيا وغينيا .. والآن ساحل العاج وفى الطريق دولتا تشاد والسنغال وهى كلها دول إشتهرت فى السابق بتأجج الإنقلابات العسكرية كوسيلة للوصول إلى سدة الحكم ورغم الشكوك التى شابت محاولات بعضها إلا أننا لانستطيع عزلها عن السياق العام لهذه الممارسة السياسية التى أصبحت تنتظم دول قارة أفريقيا. ورغم أن الإنتخابات وبعد عدة تجارب أثبتت أنها ليست هى الضامن الحقيقى للديمقراطية فى هذه البلدان ، إلا أنه وفى الآونة الأخيرة قامت بعض النماذج النزيهة والتى تؤشر إلى إمكانية تحقيق حلم الطليعة الإفريقية فى أن يروا أهلهم الأفارقة يحتكمون إلى ديمقراطية حقيقية تحكم بلادهم ..ويمكن أن نقدم مثالاً لذلك لكل من دولتى نيجيريا وجنوب إفريقيا. أيضاً يجب أن لا ننسى فى هذا الصدد تجربة الإنتخابات الغينية التى جرت فى يوليو من هذا العام فقد حملت ذات البشريات الديمقراطية وأمل الغينيين فى ممارسة حرة وراشدة وتداول سلمى للسلطة فى بلادهم بدلاً من الإحتراب الأهلى حولها وهكذا إنتخابات لا تأتى عبثاً أو بالتمنيات وإنما بوجود مؤسسات فاعلة ونزيهة تُشرف على هذا الحدث الهام فى حياة أى دولة وشعب .. فعلى سبيل المثال قامت المحكمة الدستورية الغينية بمنع النظام العسكرى القائم آنذاك فى غينيا والذى جاء إلى السلطة فى البلاد فوق ظهور الدبابات.. من الترشح فى الإنتخابات .. بل حظرت حتى مشاركته فى الحياة السياسية. ومع كل هذه المحاولات التى إتسمت بالتوجه الصادق نحو إستعاضة منهج الإنقلابات بالمنهج المقبول والسوى للتداول السلمى للسلطة .. إلا أن هناك نماذج من هذه المحاولات الديمقراطية تمت على طريقة، مُكرهٌ أخاك لا بطل، إذ كما أسلفنا فإن هناك ضغوط داخلية وخارجية جعلت مسألة طموحات البعض فى الوصول إلى السلطة وممارسة الدكتاتورية كأسلوب للحكم أمر أكثر صعوبة من ذى قبل .. ولكن مع هذا هناك محاولات أخرى جادة من البعض لمواصلة السعى الحثيث للجلوس فى كراسى السلطة مهما كلف الأمر .. وهناك آخرون هم يتسنمونها ويقبضون بيدٍ من حديد على مقاليد الأمور فيها يحاولون تعزيز سلطانهم بشتى الأساليب ويبحثون عن طرق تتيح لهم البقاء أطول فترة ممكنة فى سدة السلطة. ففى ساحل العاج مثلاً توجه الناخبون يوم الأحد الماضى للإدلاء بأصواتهم فى إنتخابات رئاسية، وهى المحاولة السابعة لإجرائها طوال الخمس سنوات الماضية، فالبلاد يحكمها الآن الرئيس لوران غباغبو والذى إنتهت فترة رئاسته للبلاد منذ العام 2005م إلا أنه تمكن بأساليب عدة من البقاء فى الحكم حتى اليوم، وهو يحرص على مواصلة بقائه فترةً ثالثة مدة خمس سنوات أخرى، الأمر الذى يفرغ الإنتخابات من مضمونها الذى يرتكز على أنها وسيلة سلمية لممارسة السلطة عبر التداول السلمى .. وقد تنفس العاجيون الصُعداء بعد أن أُجريت الإنتخابات فى موعدها المحدد من قبل دون تأجيلٍ جديد ، ولم يستطع الرئيس غباغبو من حسمها لصالحه إذ لم يتمكن هو أو منافسه رئيس الوزراء السابق الحسن درمان وترة من الحصول على أغلبية تمكن أحدهما من أن يُصبح رئيساً للبلاد ولذا سيخوضا جولةً أخرى فى ال27 من نوفمبر الحالى لتحديد من يكون رئيساً لساحل العاج . أما فى السنغال .. ورغم أن الإنتخابات ستُجرى عام 2012م .. إلا أن المشهد هناك يشهد حراكاً سياسياً لا يهدأ منذ الآن .. ولكن ذات الداء العضال والمتمثل فى شهوة البقاء فى الحكم يظل المنغص الأكبر للسنغاليين، الذين يتوقون إلى مغادرة الرئيس عبدالله واد لدست الحكم ، وإنتخاب رئيسٍ جديدٍ للبلاد .. ولكن الطريقة التى يفكر بها الرئيس واد تؤكد أنه يقاوم فكرة إفساح المجال لسنغالى آخر ليقوم مقامه .. بل إن كل المؤشرات تدل على أنه إذا ما فشل فى مقارعة خصومه السياسيين الذين يستعدون لإنزال الهزيمة به بعد عامين من الآن فإنه لا محال سيدعم فكرة ترشيح إبنه البكر كريم عبدالله الذى يشغل حقيبة وزارية فى حكومة أبيه ، قبل هذين المثالين يجب أن لا ننسى ماحدث قبل عامين فى الإنتخابات الرئاسية فى كل من كينيا وزيمبابوى ، والصراع الثنائ الذى نشب بين الرئيس مواى كيباكى ومنافسه اللدود رئيس الوزراء رايلا أودينقا فى كينيا ومعاناة السيد مورغان تسفانقراى رئيس وزراء زيمبابوى وهو يصطدم بدكتاتورية الرئيس روبرت موغابى الذى يقول دوماً أن زيمبابوى ملكه !!. على كل حال يبدو أن ليل الأفارقة سيطول قبل أن يُسفر صبح الديمقراطية الحقيقية فى بلادهم، فالدكتاتوريات تستميت من أجل البقاء فى السلطة بشتى الطرق حتى ولو عن طريق التماهى مع شروط وضغوط المجتمع داخلياً وخارجياً ، وذلك عبر الخداع فى القوانيين والتلاعب بالسجلات الإنتخابية وتزييف إرادة جمهور الناخبين.