ساحل العاج بلد أفريقي جميل ..فضلاً عن أنه فائق الثراء طبيعياً وبشرياً.. فقد أنجب دررا في ملاعب كرة القدم أمثال بوكو قديماً وحديثاً رفد نجوماً ظلت تتوهج في ملاعب كرة القدم العالمية حتى أصبحت ساحل العاج نغمة في شفاه جماهير الرياضة العالمية أمثال ديديه دروغبا وسالمون كالو إلى آخر الكوكبة من النجوم ، ومما لاشك فيه أنه لولا الاستقرار الذي كانت تنعم به ساحل العاج لما قدمت للملاعب كل هذه اللآلئ ، إلا أن المتتبع لأخبار هذا البلد الواعد يلاحظ أن الأوضاع فيه تهوي إلى قاعٍ سحيق وبسرعةٍ كبيرة ، والسبب هو الصراع الأفريقي الأزلي حول السلطة والذي يُنيخ بكلكله هذه الأيام فيه. قلنا في مقالٍ سابق وقبل إنتخابات الجولة الفاصلة إن الرئيس لوران غاغبو لن يتنازل عن السلطة بالساهل .. وما قبوله من الأصل بخوض الإنتخابات سوى حيلةٍ لكسب الوقت والتعامل تكتيكياً مع الضغوط التي تواجهه داخلياً وخارجياً .. وقلنا من نكث بعهدٍ فلابد أن يستمر في نقض العهود إلى ما لا نهاية خاصةً إذا تعلق الأمر بالسلطة، ، فهاهو لوران غباغبو يحشد كل مقدرات البلاد ويضعها في سبيل بقائه في سدة السلطة ، لايهم كم من الضحايا قد سقطوا ولايهم أيضاً عدد الذين سيسقطون في مقبل الأيام القادمات في ظل إصرار الرجل على البقاء في السلطة إلى ما شاء الله ، ولما أصبح المجتمع الدولي لا يقبل مثل هذا التعدي الصارخ على القوانين وأُسس التداول السلمي للسلطة وفرض الأمر الواقع من قبل أفراد ، فإن ساحل العاج مالم يرضخ الرئيس لوران الذي جيّر جيش البلاد لصالحه ، لشرعية صناديق الإنتخابات فإن شلالات من الدماء ستجري في البلاد وقد أعلن متمردو الشمال دعمهم للرئيس المنتخب الحسن وترة وهم يشهرون أسلحتهم والذي بدوره لايمكن أن يتنازل عن سلطة استحقها عن جدارة ، وهكذا نرى أنه لا مفر من القتال وسقوط الضحايا . ولعل ما يزيد من تمسك الرئيس المنتخب بموقفه هو تأييد المجتمع الدولي له ، فقد جاء في الأخبار أن الجمعية العامة للأمم المتحدة وبالإجماع قد إعترفت وأقرت بأن الرئيس الشرعي لساحل العاج هو الحسن وترة ، ومما لامراء فيه لا يمكن تسفيه آرائها وهي تضم في عضويتها 192 دولة وليس هناك رئيس دولة في العالم يستطيع أن يحكم وكل هذا العدد من الدول لايعترف به ، بل إنها أتبعت اعترافها بقبول قائمة الدبلوماسيين التي قدمها الرئيس المنتخب وترة إلى الأممالمتحدة بإعتبارهم الممثلين الرسميين الوحيدين لساحل العاج في المنظمة الدولية ، إلا أن كل هذا لايقلق بال بغاغبو فهو لن يستسلم إلا بعد أن تُراق دماء كل العاجيين ، المهم أن يبقى هو في السلطة. ومما يزيد الطين بلة بالنسبة للرئيس المهزوم أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اتهمه بارتكاب انتهاكات خطيرة في ساحل العاج وكانت نائبة المفوضية العليا لحقوق الإنسان كيونغ واكانغ قالت في الجلسة إن 173 شخصاً قتلوا ونحو 500 آخرين اعتقلوا في أعمال العنف التي تلت الانتخابات الرئاسية ، وإنهم يتلقون يومياً 300 اتصال يُبلغ فيها عن انتهاكات لحقوق الإنسان هناك ، من بينها عمليات اختطاف وإعدامات سريعة وأعمال عنف جنسي، وطالبت بالتحقيق في هذه الانتهاكات وتقديم مرتكبيها إلى العدالة ، مثل هذا السجل السئ يُعطي الضوء الأخضر للمجتمع الدولي لمحاصرة وعزل بغاغبو ويزيد من معاناته. لم يقف الأمر بالنسبة لغباغبو عند حد إدانة وتنديد المنظمة الدولية فحسب وإنما دخلت المؤسسات المالية الدولية ضمن الضاغطين عليه لتسليم السلطة لخلفه وترة ، وكان رئيس البنك الدولي السيد روبرت زوليك قد أعلن من باريس تجميد قروض قيمتها 800 مليون دولار كانت ستقدم لساحل العاج تضامناً مع الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وأنه تحدث إلى رئيس مالي أمادو توماني توري عن إقناع «إيكواس» أيضا بتجميد القروض لساحل العاج ، ليُثمر الأمر عن إعلان البنك المركزي للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا في بيان أذاعه راديو بومبولون في غينيا بيساو إيقاف تعاملاته المالية مع غباغبو، مشيراً إلى أنه بات يعترف الآن بمنافسه وتارا رئيسا للبلاد. ولما تيقن المجتمع الدولي أن كل ما سبق لم يقنع السيد لوران بتسليم السلطة للفائز بها قرر أن تُصعد من ضغوطه بإنتهاج الوسيلة التي يفهمها الرجل الذي عبأ القوات المسلحة العاجية لتزود بالغالي والرخيص عن سلطتة البائدة ، فقررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) استخدام القوة للإطاحة بالرئيس العاجي المنتهية ولايته لوران غباغبو، وذلك بعد يوم واحد من اعتراف الأممالمتحدة بغريمه الحسن وترة رئيسا شرعيا للبلاد ، واتخذت قراراً بإرسال مبعوث إلى العاصمة أبيدجان لتبليغ غباغبو بأن عليه التنحي، وإلا واجه القوة الشرعية ومعلوم أن إيكواس منظمة إقليمية فرعية تمثل دول غرب أفريقيا وهي دوماً عندما تقرر تفعل عكس الإتحاد الأفريقي الأب الوديع ولعلنا نذكر في تسعينيات القرن الماضي كيف تصرفت إيكواس عندما قاد مجموعةٌ من العسكر في سيراليون إنقلاباً أطاحت فيه بنظام الحكم الديمقراطي الذي كان قائماً آنذاك ، إذ لم تترد المنظمة في إرسال جيش عرمرم أعاد الأمور إلى نصابها في سيراليون في أقل من أيام ، يبدو أن الرئيس السابق غباغبو لم يقرأ التاريخ جيداً ، إذ أن منظمة إيكواس التي تنتمي إليها ساحل العاج سريعة الغضب في مثل هذه المواقف .